أعجب كما يعجب غيري من أناس، سامحهم الله، من كثرة الشكوى والتذمر على كل ما يكدر خاطرهم من أمور الحياة المتشعبة. لا ننسى أن الإنسان خلق في كبد، وهي الحياة، وما تحيط بنا من سعادة وشقاء ومن يسر وعسر ومن صحة وراحة بال إلى عكس هذا. كم من البشر نصادفهم في حياتنا عندما نلتقي بهم بعد انقطاع فترة من الزمن بسرعة البرق يلقون عليك شكواهم من مرض، أو من مشاكل الحياة، أو من عدم تحقيق آمالهم وأحلامهم، من عدم زواج بناتهم، وعدم تيسير أمور كثيرة بدنياهم و.. و.. و.. والشكوى لله. لحظات تقف معهم يسردون قصة حياتهم التعيسة لك، أما ما يتمتعون به من ملذات الحياة الكثيرة التي لديهم فإنهم لا يعرضونها عليك. فقط يحسسونك بأنهم تعساء، والعكس صحيح، فقط إسقاط همومهم وشكواهم لديك. نحن لا نتحمل أمورا كثيرة في حياتنا، ولكن نشكو لله فقط في السجود، وفي كل لحظة متعنا بها الله بالعافية وراحة البال، وما تعسر ندعو الله لنا وللمسلمين أن ييسره.
نحن بحاجة إلى رحلة مع النفس نتجرد فيها من كل المشاكل التي نعلمها التي أثقلت كاهلنا، وأتعبت عيشتنا، وسببت لنا الضيق والضجر والألم النفسي.
نحن كبشر بحاجة لأن نكون لله أقرب.. أن نبث له شكوانا.. لله فقط، فهو القادر الذي إن شكونا له كل همومنا بسجدة واحدة ننهض وقد أشرقت أرواحنا وأنارت الظلام الذي في قلوبنا حتى لو لم يأت الحل بوقته، ففي الصبر والثقة بالله راحة عجيبة.
والأجمل أننا إن شكونا له في كل لحظة تزداد الراحة النفسية وشعورنا بالتخفف كما لو كنا عصافير حرة نحلق في السماء، وتتدفق الحلول والخير تلو الخير، ويكفي أننا كبشر مؤمنون بما كتبه الله لنا قبل أن نولد نشعر بسعادة عارمة بعد أن نشكو إليه وندعوه عز وجل، والله يحب العبد اللحوح في الدعاء.
كثير من الناس يقول «الشكوى لغير الله مذلة»، فالأحرى بالعبد إن لم يحسن الصبر على البلاء والقضاء وأفضى به الضعف إلى الشكوى أن تكون شكواه إلى الله تعالى، فهو القادر على إزالة البلاء، وذل العبد لمولاه عز والشكوى إلى غيره ذل، وإظهار الذل للعبد مع كونه عبدا مثله ذل قبيح.
إن المسلم الصابر المحتسب يكره الشكوى إلى الخلق، والشكوى وإن كانت فيها راحة إلا أنها تدل على ضعف وذل، والصبر عليها دليل على قوة.. أحبابي احتفظوا بمشاكلكم فكل لديه أمر وشكوى، وانشروا التفاؤل وتصغير الحزن وتكبير الفرح وبثوا شكواكم لمن يعلم سركم ونجواكم.