بقلم أ.جاسم محمد الخطاف.. مدير إدارة بحوث السياسة التشريعية
بمكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة/ مجلس الوزراء
عند قراءة العنوان قد تظن عزيزي القارئ أن المحتوى يتضمن عدة أوجه، ولكن قبل التحدث عن المسيرة الديموقراطية لبلد الخير بقيادتها الحكيمة ومواقفها الراسخة، لزاما علينا التحدث عن فضل الله تعالى علينا والنعم التي لا تحصى، ومنها ارتفاع نسبة الشفاء من جائحة كورونا وارتفاع عدد المطعّمين وإلغاء الحجر الصحي المؤسسي عن المسافرين وغيرها من النعم العظيمة التي منّ الله علينا بها وأدامها علينا، وجعلنا ممن قال فيهم (وأما بنعمة ربك فحدث)، ولا يجعلنا ممن قال فيهم (يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها)، ومن ثم فإن هذا المقال يقتصر على نبذة عن عمل من أعمال مجلس الأمة وإثراء تلك المادة للممارسة البرلمانية لكافة المختصين في العمل البرلماني ومؤسسات المجتمع المدني على تطورات مسيرة الحياة البرلمانية وأهميتها «السوابق والتقاليد البرلمانية» والتي تعتبر المصدر الثالث بعد الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة في الحياة التشريعية، وقد جرى العمل في مجلس الأمة الكويتي منذ الفصل التشريعي الأول على اتباع أحكام الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة وهذا وضع طبيعي، الا أن هناك وقائع تحدث بالمجلس منشئة لسابقة لم يرد بشأنها نص في الدستور أو اللائحة، وكذلك وقائع عملية يحكمها نص بالدستور أو اللائحة الداخلية وهي المقررة لهذه الوقائع، أو مفسرة لها ومؤكدة على تطبيقها الصحيح، أو مخالفة لنص في اللائحة الداخلية وجرى العرف على العمل بها رغم ذلك.
وعليه، فإن المتتبع لأعمال مجلس الأمة والباحثين في هذا المجال سوف يجدون في هذا المقال المختصر الكثير من المعلومات، حيث نلقي الضوء على ماهية حقيقة (السوابق والتقاليد البرلمانية)، ومتى تعتبر الواقعة سابقة أو تقليدا ومتى لا تعتبر كذلك؟ ومدى إلزاميتها للأخذ بها من عدمه، ولعلنا بذلك نقدم مادة عملية وعلمية خصبة لكل باحث أو قارئ في الشأن السياسي والتشريعي، حيث سيتم شرح المسابقة البرلمانية ومن ثم التطبيق العملي لها، وقبل هذا يجب معرفة ماهية الدستور والذي يعد قمة الهرم التشريعي، فهو مجموعة من القواعد العامة التي تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق كل منهما تجاه الآخر، وتنظيم العلاقة بين سلطات الدولة الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، أما القانون فهو يعد مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم أمرا معينا يتسم بالعمومية والتجريد، كما أن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة هي مجموعة من القواعد التي تبين تشكيل مجلس الأمة وتحدد اختصاصاته وتبين حقوق وواجبات الأعضاء ابتداء من توجيه السؤال البرلماني، والاقتراحات بقوانين، والاقتراحات برغبة وغيرها.. بعد أن تم إلقاء الضوء على جزء من الهرم التشريعي، يتسنى لنا شرح آلية العمل للسابقة البرلمانية والتي لا تخرج عن أربعة أنواع:
أولا: السابقة المفسرة: فهي تفترض وجود نص مكتوب يكتنفه الغموض ويتم تفسيره بطريقة مغايرة لرؤية المشرّع، ومثال ذلك: الفقرة الأخيرة من المادة (116) من الدستور والتي تنص على «وجوب أن تمثل الوزارة برئيسها أو ببعض وزرائها»، ولكن ما يتم العمل به هو الاكتفاء بحضور وزير واحد لحضور الجلسة ليكون الانعقاد صحيحا.
ثانيا: السابقة المكملة: فهي تفترض وجود نص مكتوب ولكن لم تنظم بصورة كاملة فيكون دور السابقة هنا مكملة لهذه الأحكام فهي تسد نقصا في نص قائم، ومثال ذلك: نص المادة (105) من الدستور والتي تنص: «يختار مجلس الأمة لجنة من بين أعضائه لإعداد مشروع الجواب على الخطاب الأميري»، لم تحدد المادة عدد الأعضاء، فتم تحديد عدد أعضاء اللجنة بخمسة أعضاء.
ثالثا: السابقة المنشئة: فهي يفترض أن المشرّع سكت تماما في نقطة معينة فتأتي السابقة لتضع قاعدة تسد هذا النقص، ومثال ذلك: سكوت المشرع عن انعقاد جلسات مجلس الأمة حال استقالة الحكومة، وبالرغم من ذلك جرى العمل على وقف جلسات مجلس الأمة طوال فترات الاستقالة.
رابعا: السابقة السلبية أو المسقطة: فهي يفترض أنه قد تواتر العمل على عدم استعمال نص مكتوب يحدد إجراء معينا مما يعد إسقاطا، ومثال ذلك: المادة (95) من اللائحة الداخلية والتي تطلبت إعداد موجز للمضبطة بعد كل جلسة لنشرها في وسائل الإعلام وهذا النص لا يطبق حاليا وذلك لأن المضبطة بكاملها تعطى لوسائل الإعلام لنشرها.
وبناء على ما سبق، نبدأ بكيفية استخراج السابقة وهي «الأعمال التي يقوم بها مجلس الأمة لمعالجة مواقف لم ترد في الدستور أو اللائحة كما تم تبيانها سابقا في المقدمة».
أما التقليد البرلماني، وهو «ما جرى وتواتر عليه العمل داخل مجلس الأمة من كلمات الترحيب بالوفود الزائرة، وعبارات التعازي في حالة الوفاة»، ومن خلال مضابط جلسات مجلس الأمة تتم الدراسة والتحليل والاستنباط وذلك باتباع الخطوات ابتداء بالقراءة المتأنية لتلك المضابط وتحليلها بما تمت مناقشته في الجلسة لأعضاء مجلس الأمة حول موضوع معين، ومن ثم خلال المناقشة التي قد يثير عضو نقطة نظام معترضا على واقعة يرى أنها مخالفة لنص في الدستور أو اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ومن خلالها فإن استخدام (نقاط النظام) يعد هو الضوء للباحث حول وجود سابقة أو واقعة يمكن أن يأخذ بها المجلس ويوافق عليها فتصبح سابقة قد تصل في بعض الأحيان إلى حد الإلزام، ومن خلال البحث في مدى مطابقة الواقعة لنص دستوري أو نص باللائحة الداخلية لمجلس الأمة أو مخالفتها له يتم استنباط السابقة، وعليه يتم وضع الرموز استنادا للواقعة بتحديد «الفصل التشريعي لها» ويرمز له (ف)، دور الانعقاد ويرمز له (د)، رقم المضبطة ويرمز له (م)، رقم الصفحة الخاصة بالمضبطة ويرمز له (ص)، تاريخ الجلسة ويرمز له (ت/ج) حتى يتم تحديدها بالمضبطة ويسهل الرجوع إليها».
وكذلك يتم تحديد المادة من الدستور أو اللائحة الداخلية وذلك لبيان الواقعة محل السابقة، بحيث يتم تحرير موجز للواقعة محل السابقة دون ذكر أسماء الأعضاء مع ضرورة تحرير القاعدة القانونية التي تمثل السابقة البرلمانية، ويتم تفريغ الواقعة كسابقة برلمانية على النحو التالي: (المبدأ) وهو السابقة التي تم استنباطها وإعادة صياغتها، (الوقائع) موجز للوقائع أو المناقشة دون ذكر أسماء للأعضاء، (المرجع) هو استخدام الرموز المشار إليها سابقا (ف، د، م، ص، ت/ج).. وعليه يكون قد ذكرنا خطوات تحديد السابقة البرلمانية التي يتعين على كل باحث أو مهتم بالشؤون السياسية والتشريعية فهم استنباط تلك المبادئ ومعرفة (المواد الأولية) لها لخدمة النص القانوني وترسيخها التي يسير عليها مجلس الأمة والاستفادة منها، عند تعديل (اللائحة الداخلية لمجلس الأمة)، عن طريق إضافتها في صورة نصوص قانونية.. مسيرة الديموقراطية العتيدة للسوابق والتقاليد البرلمانية لوطن الخير بقيادتها الحكيمة ومواقفها الراسخة.