في اليوم الثاني من شهر أغسطس عام 1990، احتل نظام صدام حسين العراقي أراضي الكويت وضمها بجنوده البالغ عددهم أكثر من 100 ألف جندي، الأمر الذي أشعل أزمة الغزو العراقي.
(1)
على الرغم من أن الصين والعراق كانت تربطهما علاقات طيبة، لكن الغزو العسكري العراقي للكويت واحتلالها خالف القواعد الأساسية للعلاقات الدولية مخالفة خطيرة، ولم يكن من الممكن القبول بذلك إطلاقا. وفي ذات اليوم (2 أغسطس)، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في بيان لها موقف الحكومة الصينية من هذا الأمر، وطالب بحل النزاعات عبر التفاوض السلمي. وفي 4 أغسطس، التقى نائب وزير الخارجية الصيني يانغ فوتشانغ بالسفير العراقي لدى الصين والقائم بأعمال السفارة الكويتية في الصين كل على حدة على نحو طارئ، للإعراب عن موقف الجانب الصيني الجاد لهما وخاصة للجانب العراقي، وحثه على سحب قواته في أسرع وقت ممكن.
وفي 22 أغسطس، زار الصين نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي حينذاك، سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه. وخلال اللقاء معه، أكد وزير الخارجية الصيني تشيان تشي تشن أن الصين تعارض بشكل قاطع غزو العراق وضمه لأراضي الكويت، وأن الغزو العسكري لن يكون مقبولا مهما كانت ذريعته، مجددا مطالبة الصين العراق بشكل صارم بسحب قواته دون أي شرط، ومشددا على ضرورة احترام وإعادة استقلال الكويت وسيادتها وسلامة أراضيها.
وفي الوقت نفسه، وصل إلى الصين العديد من المبعوثين العرب، آملين أن تلعب الصين دورا أكبر فيما يتعلق بحل أزمة الغزو العراقي للكويت. وفي هذا السياق، قام وزير الخارجية لكل من السعودية والأردن بزيارة عمل لبكين على التوالي، كما بعث العراق النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء طه ياسين رمضان لزيارة الصين في يومي 6 و7 سبتمبر. وخلال محادثاته مع نائب رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) الصيني وو شيويه تشيان، كان يحاول تبرير الغزو العراقي وكسب تفهم الجانب الصيني، غير أن نائب الرئيس وو شيويه تشيان رد عليه بشكل صريح وجدي بأن احتلال العراق بقواته للأراضي الكويتية يخالف القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، مضيفا أن الصين تتبنى موقفا معارضا ضده، وتطالب العراق باتخاذ خطوات جادة فورا لسحب قواته دون أي شرط.
(2)
في 2 أغسطس، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا، حيث تمت الموافقة على قرار رقم 660 الذي يدين الغزو العراقي للكويت، ويطالب بأن يسحب العراق جميع قواته فورا ودون قيد أو شرط. وبعد ذلك وحتى 28 نوفمبر من العام ذاته، قام مجلس الأمن الدولي بالنظر في أوضاع الغزو العراقي عدة مرات، ووافق على عشرة قرارات أخرى لفرض عقوبات وحصار بحري وجوي شامل على العراق. وسبق للعراق أن كرر مطالبته للصين بمعارضة هذه القرارات، وبالإضافة إلى أن العقوبات ضد العراق كانت ستترتب عليها خسائر اقتصادية هائلة على الصين، لكنها صوتت لصالح جميع هذه القرارات والتزمت بها بشكل جاد. ومن الضروري الإشارة إلى أن الصين ذاتها كانت تحت ما يسمى بـ«العقوبات» المفروضة عليها من قبل بعض الدول بما فيها 3 دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وفي ظل هذا الوضع، كان ما قامت به الصين من التصويت لصالح القرارات التي يتم بها فرض عقوبات على العراق يعتبر خطوة استثنائية للغاية، جسدت التمسك الثابت للجانب الصيني بالإنصاف والعدالة الدوليين، ودعمه الخاص لإعادة استقلال الكويت وسيادتها وسلامة أراضيها.
(3)
وفي الفترة بين 6 و12 نوفمبر 1990، قام وزير الخارجية الصيني تشيان تشي تشن بصفة المبعوث الخاص الصيني بزيارة مصر والسعودية والأردن والعراق. وبالإضافة إلى بحث إمكانية حل الأزمة سلميا مع الأطراف المعنية، كانت الزيارة تهدف على نحو رئيسي إلى نصح القيادة العراقية في إطار قرارات مجلس الأمن الدولي، وإبلاغها بشكل صريح أنها باتت تواجه الخيار الأخير، وهو إما أن تقوم بسحب قواتها من الكويت دون أي شرط، أو أن تتعرض لكارثة باهظة الثمن. وخلال أزمة الغزو العراقي، أصبح السيد تشيان تشي تشن وزير الخارجية الوحيد من وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي الذي زار بغداد.
وفي عصر يوم 7 نوفمبر، انطلق الوزير تشيان تشي تشن والوفد المرافق له من مصر إلى مدينة الطائف بالسعودية، حيث التقى به كل على حدة في مساء ذات اليوم سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح طيب الله ثراهما. أكد وزير الخارجية الصيني لهما أن الصين تقف بثبات إلى جانب السلطات الشرعية الكويتية، وتتعاطف مع الكويت لما تعرضت له من كارثة كبيرة، مشيرا إلى أن تصرفات العراق لقيت إدانات واسعة النطاق من قبل المجتمع الدولي، ولا مخرج لذلك إلا عن طريق سحب القوات العراقية من الكويت. وخلال اللقاء، أعرب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والذي حضر اللقاء، بأن الكويت تأمل من الصين بأن تقوم بإحاطة القيادة العراقية علما بضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي. فرد الوزير تشيان تشي تشن له أن الجانب الصيني لن يترك للعراق مجالا لاستغلاله.
وفي 11 نوفمبر، وصل الوزير تشيان تشي تشن والوفد المرافق له إلى العراق، وأجرى محادثات مطولة مع كل من صدام حسين ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز، حيث حاول إقناعهما بأن احتلال الكويت غير مقبول، وأن الحل السلمي للأزمة سيعود بالخير على الاستقرار والتنمية في المنطقة. وإذا اندلعت الحرب، فسيكون من الصعب وضع حدود لها، مؤكدا أنه يجب على العراق اتخاذ خطوات ملموسة فيما يتعلق بسحب القوات.
(4)
يصادف العام الحالي الذكرى الـ30 لتحرير الكويت. وفي ظل الظروف الخاصة حينذاك قبل 3 عقود، بذلت الصين قصارى جهدها بقدر المستطاع لتحقيق السلام وإعادة استقلال الكويت وسيادتها وسلامة أراضيها، متبنية الموقف الجدي وروح المسؤولية، الأمر الذي لا يمثل توارث الصين الدائم لتمسكها بالعدالة الدولية فحسب، بل يشكل تجسيدا حيا لعمق ومتانة عرى الصداقة بين الصين والكويت، ما سطر فصلا جديدا في تاريخ العلاقات الصينية - الكويتية.