في ديسمبر عام 1990، كانت الكويت قد احتلت من قبل العراق لأكثر من 4 أشهر، وكانت الحكومة الكويتية تحت قيادة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، قد انتقلت إلى مدينة الطائف السعودية، ومن أجل الحصول على مزيد من الدعم من المجتمع الدولي لاستعادة سيادة الكويت وإلزام العراق بسحب قواته، قرر سموه زيارة بعض الدول الكبرى، بما فيها الصين.
قام سموه بزيارة الصين في الفترة من 26 إلى 28 من ديسمبر عام 1990، وشمل جدول الأعمال لتلك الزيارة: مراسم ترحيب والمأدبة المقامة على شرف سموه من قبل فخامة الرئيس الصيني يانغ شانغ كون، والمحادثات مع رئيس مجلس الدولة لي بنغ، واللقاء مع الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني جيانغ تسه مين، وبالإضافة إلى ذلك، فعندما وصل سموه مبنى رقم 18 بفندق ضيافة الدولة دياويوتاي، كان في استقبال سموه فخامة الرئيس الصيني يانغ شانغ كون البالغ من العمر أكثر من 80 عاما، والذي أتى خصيصا لسموه، وأكثر من 300 شخص من الشباب الصينيين والشابات الصينيات وديبلوماسيي السفارة الكويتية في الصين وأفراد عائلاتهم، ملوحين بعلمي البلدين ترحيبا بسموه، إن هذه الترتيبات لم يسبق لها مثال في التشريفات التي تقيمها الحكومة الصينية على شرف زعماء الدول الأخرى.
كان ذلك اللقاء الثاني بين الرئيس يانغ شانغ كون وسموه، بعد زيارة فخامة الرئيس يانغ شانغ كون للكويت قبل تلك الزيارة بعام، حيث كانت الولايات المتحدة وغيرها من بعض الدول الغربية تفرض الحصار الاقتصادي والعزلة الديبلوماسية بحق الصين، غير أن سموه استقبل فخامته بحفاوة كبيرة، وأقام مراسم ترحيب حار به في المطار الكويتي، ورافقه بالسيارة إلى قصر السلام.
وخلال المحادثات بينهما، جدد سموه التأكيد على التزام الكويت بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وقبل زيارة سموه للصين، زار وزير الخارجية الصيني تشيان تشي تشن سموه في مدينة الطائف، حيث تبادل الجانبان الآراء حول سبل السعي لحل أزمة الغزو سلميا، وأكد الوزير تشيان تشي تشن بوضوح على دعم الصين الثابت للسلطات الشرعية الكويتية، وتعاطفها الشديد مع الكويت لما تعرضت له من أزمة هائلة، مؤكدا على أنه ليس هناك مخرج إلا بسحب العراق قواته من الكويت.
إن الترتيبات التي وضعتها الحكومة الصينية لاستقبال زيارة سموه للصين عكست مرة أخرى موقف الصين الداعم للحكومة الشرعية الكويتية، وثقتها بإمكانية استعادة سيادة الكويت.
كما جددت القيادة الصينية تأكيدها لسموه أن الصين تدعم استعادة استقلال الكويت وسيادتها وسلامة أراضيها وحكومتها الشرعية، وتطالب العراق بسحب قواته من الكويت دون شروط.
ومن جانبه، أعرب سموه عن تقديره لموقف الصين العادل والداعم للكويت في الأمم المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، أجرت الجهات الاقتصادية والتجارية للبلدين محادثات أثناء الزيارة، حيث أعرب الجانبان عن حرصهما على مواصلة تعزيز التعاون، وأكد الجانب الكويتي أنه سيواصل الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في الاتفاقيات المعنية بتقديم المساعدات الاقتصادية والمالية للصين.
تعتبر الكويت أول دولة عربية في الخليج تقيم العلاقات الديبلوماسية مع الصين، وهي أكبر دولة عربية من حيث قيمة القروض الميسرة التي قدمتها للصين.
وقبل عدة عقود، كان سموه نفسه من وقع على اتفاقية للمساعدة الاقتصادية مع الحكومة الصينية حينما كان يزور الصين بصفته وزيرا للمالية آنذاك.
وبعد ذلك، ورغم أن الكويت كانت تعاني من أزمة الغزو، لكنها لم تنس أن تجدد أمام الأصدقاء الصينيين التزامها بالاتفاقيات.
وقبل مغادرة سموه بكين عقب انتهاء الزيارة، ودع الرئيس يانغ شانغ كون سموه في قاعة الشعب الكبرى، وعبر عن تمنيه أن يزور سموه الصين مرة أخرى بعد استعادة سيادة الكويت، الأمر الذي جسد ثقة الجانب الصيني الثابت لاستعادة الكويت سيادتها واستقلالها، فرد سموه على فخامته بالشكر، وقال إنه متطلع لزيارة الصين مرة أخرى لمقابلة الأصدقاء القدماء بعد تحرير الكويت.
وعندما تحدث سموه مع الصحافيين عن شعوره نحو هذه الزيارة، قال إن الترحيب الحار والحفاوة والضيافة التي حظي بها في بكين أدفأت قلوبهم التي أضرها ما كانوا يعانون منه آنذاك.
كما قال المسؤولون المرافقون الكويتيون إن تشريفات استقبال سمو الأمير التي تجاوزت المستوى الروتيني عكست مكانة سموه في عيون القيادة الصينية، وجسدت دعم الصين الذي لا سقف له للكويت حكومة وشعبا إزاء الأزمة التي تتعرض لها. وقبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر، فقد لقى الوفد الكويتي المشارك في الألعاب الأولمبية الآسيوية المقامة في بكين ترحيبا حارا أيضا من قبل حكومة الصين وشعبها.
وفي نوفمبر عام 1991، أي بعد سنة من هذه الزيارة، وبعد 9 أشهر من استعادة سيادة الكويت، زار سموه الصين مرة أخرى بالفعل كما قال سموه قبل عام، وكان يترأس وفدا يتضمن أكثر من 100 شخص، لتقديم الشكر للصين على دعمها لقضية الكويت العادلة، إضافة إلى تبادل الآراء مع القيادة الصينية حول سبل تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج وتعزيز التعاون بين البلدين.
(المحتويات المعنية مختارة من مقالة «الصداقة في الحرب» بقلم وانغ تشانغيي مساعد وزير الخارجية الصيني السابق وسفير الصين السابق لدى جيبوتي وسورية وإسرائيل، وتوجد تعديلات بسيطة على المقالة الأصلية)