بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت لي مينغ قانغ
قبل فترة وجيزة، شهدت منصات التواصل الاجتماعي الصينية تداولا واسعا لفيديو قصير تحت اسم «إعادة اختراع الصين»، يحكي من الزاوية الجغرافية كيف تجاوزت الصين التقييدات البيئية المفروضة عليها أصلا حتى خلقت شبكة نقل وتجمعات حضرية فريدة من نوعهما في العالم، والذي ترك لي انطباعات عميقة.
قبل 35 عاما، بدأت الدراسة الجامعية بعد رحلة قطار طويلة وشاقة مدتها أكثر من 17 ساعة من مسقط رأسي في مقاطعة هوبي إلى مدينة بكين عاصمة الصين، لكن هذه المسافة والتي تساوي تقريبا المسافة بين مدينتي الكويت وجدة السعودية، لا تحتاج اليوم إلا 5 ساعات على الأقل لقطعها بالقطار فائق السرعة في الصين، حيث لن يشعر الناس إلا بالراحة والسرعة والسهولة، فقد أصبح القطار فائق السرعة وسيلة مرور مهمة في حياة الشعب الصيني، وجعل ما وصفه الشعر الصيني القديم «بيوم واحد فقط يمكن العودة إلى محافظة جيانغ لينغ التي تبعد على مسافة آلاف الأميال» واقعا محققا منذ زمن، وغير على نحو عميق نظرة الصينيين تجاه الزمان والمكان.
تمثل القفزة التي حققتها تنمية البنية التحتية في مجال النقل والمرور في الصين صورة مصغرة للتنمية الاقتصادية السريعة في الصين والتغيرات الجذرية لملامحها الوطنية، ويصادف العام الحالي الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وفي المئة عام المنصرم، ظل الحزب الشيوعي الصيني يتخذ خدمة الشعب بكل ما في وسعه مقصدا أساسيا له وتطلعات الشعب للحياة الجميلة هدفا لنضاله، ووحد الشعب الصيني وقاده للكفاح المتواصل، ودفع الأمة الصينية حتى استقبلت الطفرة العظيمة من النهوض ثم الاغتناء وصولا إلى تعزيز القوة.
وفي الحشد الاحتفالي بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني قبل فترة وجيزة، أعلن الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جينبينغ بمهابة أن الحزب قد حقق الهدف المئوي الأول لإنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل في الصين، حيث تجاوز معدل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي عتبة الـ 10 آلاف دولار أميركي رغم عدد سكانها الكبير والبالغ 1.4 مليار نسمة.
وبعد توليه للسلطة في عام 1949 حتى الآن، شهدت الصين تخلص ما يزيد على ما إجماليه 850 مليون نسمة من شعبها من براثن الفقر المدقع، وذلك يمثل أكثر من 70% من الذين تخلصوا من براثن الفقر المدقع في العالم خلال الفترة نفسها، إنه إسهام تاريخي قدمته الصين لتعزيز الجهود الدولية الهادفة للقضاء على الفقر.
وفي الوقت الراهن، قد أطلقت الصين المسيرة الجديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، ودخلت المرحلة التنموية الجديدة.
إن هدفنا المئوي الثاني هو إنجاز بناء دولة اشتراكية حديثة وقوية وغنية وديموقراطية وحضارية ومتناغمة وجميلة، وذلك لن يكون تنمية جديدة للصين فحسب، بل فرصا جديدة للعالم أيضا.
ستظل الصين دائما ثابتة في سلك طريق التنمية السلمية لخلق فرص جديدة لبناء نظام دولي أكثر عدالة ومعقولية.
ظلت الصين تؤمن بأن «الانسجام أثمن» و«التناغم مع التباين» وغيرهما من المفاهيم، وتنتهج دائما سياسة ديبلوماسية سلمية مستقلة، ستصون الصين بعزم مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتطبق التعددية بثبات، وتدفع بنشاط استكمال وتحسين الحوكمة العالمية.
ومنذ نصف قرن، فإن الكويت وغيرها من الدول النامية هي التي حملتنا إلى الأمم المتحدة، إن صوت الصين في الأمم المتحدة يكون دائما وأبدا لصالح الدول النامية، وستسعى الصين بموقف صلب إلى تعزيز تمثيل الدول النامية وحق كلامها في منظومة الحوكمة الدولية، ولن تسعى أبدا إلى الهيمنة أو التوسع الخارجي، ولن تنتزع مجال النفوذ من أي طرف أو تتورط في سباق التسلح.
إن الصين، باعتبارها ثاني أكبر مساهم للميزانية العادية للأمم المتحدة وميزانية حفظ السلام التابعة لها، وأكبر الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي من حيث عدد أفراد قوات حفظ السلام التي بعثتها، ستتخذ بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية هدفا لها، وتدفع تمهيد طريق جديد للتواصل بين الدول، قائم على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون والكسب المشترك، سعيا لمواصلة تقديم إسهامات جديدة لتعزيز السلام والتنمية في العالم.
ستتمسك الصين بمفهوم التعايش السلمي والمتناغم بين البشرية والطبيعة لتقديم حلول جديدة للتصدي للتحديات العالمية المشتركة.
في السنوات الأخيرة، نتجت عن تغير المناخ وتفاقم التصحر وكثرة الأحداث المناخية المتطرفة تحديات خطيرة لحياة البشرية وتنميتها.
وفي مواجهة الصعوبات غير المسبوقة، قامت الصين باعتبارها ملتزمة بالحضارة الإيكولوجية وكذلك دافعة للحوكمة البيئية العالمية، بتحديد جدول زمني وخريطة طريق لها، حيث وعد الرئيس الصيني شي جينبينغ جادا باعتزام الصين على بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق حياد الكربون قبل عام 2060، وذلك بمنزلة قرار استراتيجي هام اتخذته الصين على أساس تحمل المسؤوليات لدفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتلبية المتطلبات الضمنية لتحقيق التنمية المستدامة.
قد كشفت البيانات التي حصدتها الأقمار الاصطناعية للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء في الولايات المتحدة (ناسا) أن مساحة الأرض التي تم تخضيرها في العالم خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2017، كانت ربعها في الصين، وتعتبر حصة مساهمات الصين في تخضير أرض العالم الأكبر بين جميع الدول.
ستقوم الصين بتطبيق مفهوم التنمية الخضراء، وتشكيل منظومة اقتصادية خضراء ومنخفضة الكربون ومتسمة بالتنمية المتجددة، وتسريع الارتقاء بهيكل الطاقة والهيكل الصناعي، وتعزيز الإبداع والابتكار للتكنولوجيا والصناعة والنمط التجاري، حتى يتم تشكيل معادلة جديدة لبناء التحديثات، تتحلى بالتنمية المتناغمة بين البشرية والطبيعة، سعيا للحفاظ على الكرة الأرضية الزرقاء للبشرية جمعاء.
ستنتهج الصين روح الانفتاح والتعاون لمواصلة إضفاء قوة جديدة تدفع تعافي الاقتصاد العالمي وتنميته.
تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر دولة من حيث حجم التجارة السلعية واحتياطي النقد الأجنبي، وتبلغ نسبة إسهامها في نمو الاقتصاد العالمي سنويا أكثر من 30% على التوالي خلال الـ 10 سنوات الأخيرة.
وفي مواجهة جائحة كوفيد-19 التي لم يسبق لها مثيل خلال مائة سنة والانكماش الشديد الذي وقع فيه الاقتصاد العالمي، قامت الصين بالتوفيق بين جهود احتواء الوباء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت الاقتصاد الوحيد الذي حقق نموا إيجابيا العام الماضي من بين الاقتصادات الرئيسية في العالم، وأصبحت أداة استقرار رئيسية لنمو الاقتصاد العالمي.
وفي يومنا هذا الذي فيه الاقتصادات العالمية مندمجة بشكل عميق، باب الانفتاح الصيني لن يغلق، بل سيفتح على نطاق أوسع فأوسع.
ستشارك الصين بصورة أكثر نشاطا في التقسيم الدولي للعمل، وتندمج بشكل أكثر فعالية في السلسلات العالمية للصناعة والإمداد والقيمة، وتوسع على نحو أكثر تطوعا التواصل والتعاون مع الخارج.
يعيش في الصين 1.4 مليار نسمة من السكان، وأكثر من 400 مليون نسمة من فئة متوسطة الدخل، مما جعلها سوقا كبيرة لها أكبر إمكانيات كامنة في العالم، حيث من المتوقع أن تتجاوز القيمة الإجمالية للسلع التي ستستوردها الصين في الـ 10 سنوات المقبلة 22 تريليون دولار أميركي.
ستبذل الصين جهودا مشتركة مع المجتمع الدولي لتعزيز التعاون في البناء العالي الجودة لـ «الحزام الطريق»، متبنية مبادئ التشاور والتشارك والتقاسم، لتوثيق الترابط والتواصل العالميين، وجعل النتائج التنموية متاحة للتقاسم من قبل المزيد من الدول والشعوب.
تشارك الصين والكويت مصالح مشتركة واسعة النطاق في مجال تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في العالم.
وخلال الـ 5 عقود المنصرمة بعد إقامة العلاقات الديبلوماسية بينهما، ظل البلدان دائما يحترمان المصالح الجوهرية لبعضهما البعض، واستغلا الفرص بأحسن وجه حتى حقق التواصل والتعاون بينهما في كافة المجالات نتائج مثمرة، مما عزز رفاهية شعبي البلدين بشكل ملموس، كما ستأتي المسيرة التنموية الجديدة التي أطلقتها الصين بفرص تنموية أكثر لمستقبل العلاقات بين الصين والكويت.
يصادف شهر يوليو الجاري الذكرى السنوية الـ 3 لإقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية - الكويتية، وكما يقول الصينيون كثيرا إن «ثلاث يولد كل شيء»، فأمام نقطة الانطلاق الجديدة، يستعد الجانب الصيني للعمل مع الجانب الكويتي معا على مواصلة تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية - الكويتية في العصر الجديد، وتوسيع التعاون العملي في شتى المجالات، لخدمة البلدين والشعبين وبناء عالم أكثر سلاما وأمنا وازدهارا بشكل مشترك.