بين القرارات اليومية التي يتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد والتي تأخر تضمينها اسم رئيس الحكومة، وبين دعوات الأحزاب الى الحوار والى طرح خارطة الطريق لعبور الأزمة، يسيطر الترقب الحذر على المشهد، بعد اسبوع من الاجراءات الاستثنائية التي جمدت البرلمان وأقالت الحكومة.
ودعا حراك «25 يوليو» الشبابي الرئيس قيس سعيد إلى حل البرلمان وإجراء استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي.
وطالب المنسق بالحراك خليل عبد المجيد في كلمته خلال مؤتمر صحافي بضرورة «إنجاز استفتاء شعبي لتغيير قانون الانتخابات والنظام السياسي وتنقيح الدستور.. وإرساء جمهورية ثالثة في تونس».
تشكيل حكومة
كما دعا إلى التسريع في تشكيل حكومة تكون مقترحة من الشعب، قائلا «سنرسل رسالة مفتوحة لرئيس الدولة تتضمن مقترح حكومة لتسيير الدولة مع حكومة محاكاة مرافقة تراقب المسار.. بالإضافة إلى محاسبة الأطراف التي أجرمت في حق تونس وعلى رأسها (حركة النهضة) ورئيسها راشد الغنوشي والمنظمات الفاسدة التي رافقت المسار طيلة السنوات العشر الاخيرة».
واعتبر «أن الرئيس قيس سعيد يسير في المسار الصحيح وعليه التسريع في الاجراءات التي اتخذها ووضع (خريطة طريق) واضحة»، معربا عن مساندة مبادرة الرئيس المتعلقة بالمصالحة الجزائية مع رجال الأعمال.
وشدد عبد المجيد على أن «(حراك 25 يوليو) سيعود للتحرك في الشوارع يوم 24 اغسطس المقبل قبل يوم من انتهاء مهلة الشهر التي وضعها الرئيس في صورة الحياد عن المسار الذي اختاره الشعب والمشروعية الشعبية التي يرتكز عليها سعيد».
وأعلنت وسائل اعلام محلية ومصادر أمس، أن قوات الأمن التونسية وضعت رهن الإقامة الجبرية 40 يوما، القاضي بشير العكرمي المثير للجدل الذي تتهمه جماعات حقوقية بأنه قريب من الإسلاميين.
ويأتي وضع العكرمي رهن الإقامة الجبرية بعد يوم من اعتقال السلطات نائبين في البرلمان هما ياسين العياري وماهر زيد في إطار قضايا سابقة، بعد قرار الرئيس رفع الحصانة عن نواب البرلمان.
وكان مجلس القضاء العدلي قرر قبل أسبوعين إحالة العكرمي إلى النيابة العامة على خلفية شبهات التستر على ملفات متعلقة بالإرهاب.
ويقول محامون ونشطاء في تونس إن العكرمي تستر على ملفات مهمة من بينها اغتيال المعارضين العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، مما فجر آنذاك احتجاجات عارمة انتهت بالإطاحة بالحكومة.
وأعلن القضاء العسكري أن النائب العياري وهو من أشد منتقدي الرئيس سعيد سيقضي عقوبة سجن صدرت بحقه في 2018 بتهمة «الحط من معنويات الجيش».
القضاء العسكري
وأفادت وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري في بيان نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء «وات»، بأن العياري وهو رئيس حزب «أمل وعمل» صدر بحقه حكم عن محكمة الاستئناف العسكرية عام 2018، ويقضي بسجنه مدة شهرين اثنين من «أجل المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الاضرار بالدفاع والمس من كرامة الجيش الوطني ومعنوياته».
وقال محامو العياري إنه لم يكن لهم علم بملاحقة قضائية له ولا بتاريخ جلسات المحاكمة.
وفي السياق، أعلنت المحامية حنان الخميري عن دخول موكلها النائب ماهر زيد في إضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله.
وكانت قوات الأمن اعتقلت أمس البرلماني وأخبرته بأن سبب الاعتقال يأتي على خلفية قضية كان يحاكم فيها عام 2017. وأضافت المحامية، أنها قدمت وثائق قضائية تثبت أنه تم وقف ملاحقة موكلها قضائيا، وأن هذا الاعتقال ليس له ما يبرره قانونا، قائلة إن الدوافع وراء الاعتقال سياسية، بحسب ما نقلت عنها قناة «الجزيرة».
وأعربت منظمات حقوقية غير حكومية دولية عدة عن قلقها إزاء الوضع بعد الاعتقالات.
وقال إريك غولدستين مدير منظمة هيومن رايتس ووتش لشمال إفريقيا في بيان، إن هذا الاعتقال «يؤكد ما كان يخشى منه أن الرئيس سعيد قد يستخدم سلطاته غير العادية ضد معارضيه».
وأعرب الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية عن «قلقه» إثر اعتقال العياري، ودان «بشدة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ومحاكمات الرأي أيا كانت».
«رايتس ووتش» تندد
من جهتها، أعربت هيومن رايتس ووتش، عن قلقها إزاء اعتقال «أربعة أعضاء من حركة النهضة». وقالت إنهم اتهموا بالسعي إلى «ارتكاب أعمال عنف» أمام البرلمان.
وأكد مسؤول في حركة النهضة لوكالة فرانس برس هذه الاعتقالات التي حدثت في وقت سابق من الأسبوع الجاري. وأضاف أنه تم الإفراج عن الأشخاص الأربعة المعنيين الجمعة من دون ملاحقات قضائية. وأمس نشرت جمعية «أنا يقظ» التونسية قائمة بأسماء 14 نائبا يخضعون لملاحقات قضائية ومن ثم يواجهون خطر الاعتقال.
دعوة إلى الحوار
إلى ذلك، جدد القيادي في حزب «حركة النهضة» الإسلامي، زبير الشهودي الدعوة الى التهدئة والحوار مع الرئيس «حتى لو كان الثمن سياسيا».
وقال الشهودي في تصريح صحافي قبيل اجتماع طارئ للحزب أمس انه «تم وضع الحزب ومؤسساته تحت وقع الظرف الاستثنائي الذي تعيشه تونس».
وأكد أنه «لا وجود لسلطة حاليا في الحركة الا لمجلس شوراها الذي سينعقد بطلب من أغلبية أعضائه عن بعد، للتداول في ما يحدث في تونس من حراك سياسي» متوقعا أن «يكون سقف القرارات عاليا جدا».
ورجح الشهودي أن «يتمسك مجلس شورى النهضة (في اجتماعه الطارئ) بنقطتين هما الدعوة الى الحوار مع الرئيس التونسي وإلى التهدئة حتى لو كان الثمن سياسيا». واعرب عن توقعه بأن «تكون مخرجات اجتماع مجلس الشورى نوعية حتى إن تطلب الأمر انبثاق قيادة جديدة أو التضحية بموقع الحركة للخروج بتونس من هذا الوضع الخطر ولضمان عودة المسار الديموقراطي كما تم في السابق» وفق تقديره.
بدوره، قال القيادي في «النهضة» أيضا، عبد اللطيف المكي، إن الحركة بدأت «مبادرة» للخروج من الأزمة.
وفي مقابلة مع وكالة «الأناضول» اعتبر المكي وهو وزير الصحة الأسبق، أن «ما حصل من اجراءات استنادا على المادة 80 من الدستور هو انقلاب وتطبيق وتأويل خاطئ لنفس المادة».
وأوضح المكي أن «النهضة بدأت نوعا من المبادرة الخفية، وبعد توصيف ما حدث هناك تحرك باتجاه حوار وطني لتجاوز هذا الوضع المتأزم، وحركة النهضة لن تتأخر في أي جهود وطنية يقودها رئيس الجمهورية أو منظمات وطنية للخروج من الوضع الاستثنائي الراهن». ورأى أن «تبعات ما حدث ستكون سلبية لأن التدابير والاجراءات وضعت البلد في حالة غموض».
واعتبر القيادي بالنهضة أن «الأيام والأسابيع القليلة المقبلة يجب أن تكون مرحلة بداية حوار بين مؤسسات الدولة والأحزاب والمنظمات، لترتيب العودة للحياة الطبيعية والمسار الديموقراطي بالبلد».