بقلم: يوسف جمال العصفور
بكالوريوس قسم النقد والأدب المسرحي
من السهل أن يتم توصيل الرسالة بشكل مباشر من خلال الحوار أثناء العرض المسرحي، لكن من الصعب استغلال عناصر العرض المسرحي بأكملها لكي تصل الرسالة، هذا ما فعله عبدالعزيز صفر عندما قام بإخراج مسرحية «مطلوب» للكاتب اللبناني جورج خباز، حين جعل عناصر العرض المسرحي تتحدث عن القضية المطروحة بشكل غير مباشر.
تدور المسرحية حول يوسف الذي باع نفسه لإحدى المنظمات الإرهابية التي تدعي الإسلام، حيث أجبرته على القيام بهجوم إرهابي من خلال حزام ناسف في سفارة (نيرونيا العظمى)، وأثناء تواجده في السفارة تراجع عن قراره لكنه مقيد برقم سري وفي اللحظة الأخيرة، قام المسؤول في السفارة بتعطيل الحزام الناسف.
كان العرض يحمل في طياته الكثير من الأفكار والمعاني التي تحتاج إلى تفسير، وذلك من خلال عناصر العرض المسرحي والسينوغرافيا، حيث إن كل عنصر يحمل أفكارا ومعاني بشكل غير مباشر.
طرح هذا العرض الكثير من القضايا، ومن أهمها كيف للدول العظمى تسيير العالم بأكمله، حيث في نهاية العرض ظهر المسؤول في السفارة، وفك الرقم السري للحزام الناسف الذي كان يرتديه يوسف، الذي تدور حوله أحداث المسرحية وكأن هذه الدولة قادرة على فك أي شفرة في العالم كونها دولة عظمى.
«كل يغني على ليلاه»، جميع الشخصيات تسابقت للسفارة لكي تأخذ متطلباتها الخاصة منها، وهناك شخصية تريد أن تضع حملها في دولة نيرونيا، لكي تحصل ابنتها على الجنسية النيرونية، وهناك شخصية تريد أن تذهب إلى هذه الدولة وذلك لغرض التجارة.
من خلال شخصيات المسرحية، كانت تظهر لنا بعض الأفكار الفرعية وكل شخصية تحمل قضية، وتختلف عن الشخصية الأخرى، ومن الشخصيات التي لفتت انتباهي في هذا العرض شخصية مشعل، وهذه الشخصية تعبر عن فئة كبيرة في المجتمع الكويتي وهم غير محددي الجنسية، فإن المخرج لم يجعل الشخصية تقول بصريح العبارة إنها من غير محددي الجنسية، انما تلاعب من خلال الحوار والأزياء، فإنه من خلال الحوار ذكر أنه يعمل مراسلا في شركة، وأيضا من خلال الأزياء فإن الشخصية كانت ترتدي الزي الرسمي للدولة وهي (الدشداشة)، وكانت تضع على كتفيها (الشماغ) وهنا دليل آخر عبر عن هذه الفئة.
وكان هناك دليل آخر يعبر عن أن هذه الشخصية من غير محددي الجنسية، وكذلك وجوده في السفارة لطلب تأشيرة الدخول إلى دولة نيرونيا، فإنه كان يريد التأشيرة لكي يؤمن مستقبله ومستقبل أولاده.
من الشخصيات اللافتة في هذه المسرحية، شخصية «فوزي التك» على الرغم من أنها شخصية ثانوية، إلا أنها مهمة فإن المخرج من خلال هذه الشخصية يريد توصيل رسالة، بأنه على الرغم من أهمية الفن إلا أن مع مرور الوقت سيدفن في الأرض بالوطن العربي، وهذا ما حصل مع هذه الشخصية التي لجأت إلى دولة أخرى بسبب لتقديرهم للفن.
لا يمكن أن نتحدث عن الشخصيات دون التطرق إلى شخصية يوسف، والتي تعتبر المحور الأساسي في المسرحية، حيث كان يوسف تابعا إلى منظمة إرهابية ومن خلال شخصية يوسف كان يوضح لنا المخرج، مدى خطورة هذه المنظمات الإرهابية وما الذي تعمله، لكي تغسل عقول التابعين لهذه المنظمات، حيث ظهر لنا يوسف في السفارة، وهو في قمة التوتر ولكن في بعض الأحيان كان يأخذ حبوبا مهدئة، وكأن المخرج يقول إن هذه الحبوب ما هي إلا مخدر يساعد في غسيل عقول الآخرين، حيث في بداية المسرحية ذكر أحد منتسبي المنظمة، أن يوسف أصبح فاقدا لذاكرته السابقة، وهذه الحبوب كانت تساعده على نسيان ذاكرته.
من خلال شخصية يوسف صور لنا المخرج كيف أن الدول العظمى لها يد في تنظيم الإرهاب، حيث كان الحزام الناسف الذي يرتديه يوسف محكما برقم سري، ويوسف لا يعرف ما هو الرقم، ففي نهاية المسرحية ظهر المسؤول في السفارة وفك الرقم السري للحزام الناسف، فإذا كان يوسف في حيرة، فكيف عرف المسؤول الرقم السري؟ رد عليه المسؤول «مو إحنا اللي بايعينه لكم» وهنا بشكل غير مباشر وضح لنا المخرج كيف للدول العظمى يد في تنظيم الإرهاب وخاصة في الوطن العربي.
استغل المخرج السينوغرافيا بشكل كبير، فكان لكل عنصر من عناصر العرض المسرحية، دلالة ورموز يجب تفسيرها وتحليلها، على سبيل المثال أزياء المسرحية التي كانت عصرية، وكانت تدل على أن أحداث المسرحية تدور في الكويت رغم أن ذلك لم يذكر بصريح العبارة، لكن زي (الدشداشة) كان متواجدا من خلال شخصية مشعل وشخصية أخرى، وبذلك يؤكد المخرج أن أحداث المسرحية في الكويت.
كما هو متعارف عليه، فإن المخرج هو المسؤول الأول في العمل الفني أو هو سيد العمل، لذلك نجد أن المخرج قد وضع صورته على خشبة المسرح باعتباره رئيس دولة نيرونيا العظمى، وهنا المخرج وضع المتلقي في دوامة من التساؤلات، وكأن المخرج يقول من خلال الصورة، إن دولة نيرونيا هي العالم بأكمله، وأن رئيس هذه الدولة قادر على تسيير العالم.
من الأمور التي لفتت انتباهي في هذا العرض، هي خريطة العالم التي كانت في وسط المسرح، فإن المخرج لم يضع الخريطة عبثا، وإنما يريد من خلالها توصيل رسالة للمتلقي وذلك من خلال تسليط الإضاءة على الخريطة ويظهر خلف هذه الخريطة المسؤول في السفارة.
من خلال هذا المشهد كانت تقف جميع الشخصيات، وتبوح كل شخصية منها بالأسباب التي دفعت بها للسفر، ومن خلال الحوار يتبين أن هناك جهاز كشف الحقيقة، فإن جميع الشخصيات كانوا يكذبون، لكي يحصلوا على تأشيرة الدخول وتظهر الحقيقة التي تسلط الإضاءة على خريطة العالم يظهر من خلف الخريطة المسؤول في السفارة، وهو ذات الأمر يتكرر مرة أخرى بالتأكيد على التحكم الذي يأتي من خلال المسؤول في السفارة.
رغم أن العرض لم يذكر أن سفارة دولة نيرونيا هي لدولة غربية بصريح العبارة، إنما كانت هناك علامات تثبت ذلك، على سبيل المثال، وظف المخرج عنصر الموسيقى الغربية، حيث كان طوال العرض هناك عازف على آلة التشيلو، ولو كان المخرج يريد أن يقول إن هذه الدولة عربية لكان بإمكانه وضع عازف على آلة عربية.
وفي الختام، كان العرض عبارة عن كوميديا سوداء، يطرح قضية مأساوية لكن بقالب كوميدي، ومن وجهة نظري فإن المخرج استطاع توصيل الرسالة للمتلقي بشكل سلس، بحيث يتقبلها على الرغم من مأساويتها.