- من المناسب إعادة البحث وقراءة العوامل الاقتصادية وتبيان حقيقة المعطيات الحسابية لتحديد ما إذا كانت حالة الإغراق وفرض هذه التدابير الجمركية تتوافق والمصالح الوطنية للكويت ودول الخليج من عدمه
- عدم وجود الهيئة القضائية للطعن والتظلم يخلّ بمفهوم العدالة والتحقق من سلامة القرارات وحجب طريق الطعن الأساسي أمام المتضررين وذوي العلاقة ولا يجوز الاستعاضة عنها بأي لجنة تحقيق أو هيئة طعن أخرى
- إيكال الحق في تفسير وتعديل القانون وإصدار لائحته التنفيذية للجان الخليجية مخالف لمبادئ التشريع في النظام الدستوري الكويتي ومصادم للأسس التي قام عليها
- صدور القرارين 5 و6 تم في فترة انتشار «كورونا» ولذلك من المتصور أن التقديرات والمعطيات التي استندت إليها القرارات قد تغيرت
- يجب دراسة أثر الإغراق على المصالح الاقتصادية وأسواق المنطقة ومصالح المستهلكين داخل منظومة مجلس التعاون
- الأطراف المتظلمة من القرارات حُرمت من حقها الطبيعي للمثول أمام الجهة المختصة قانوناً بتلقي الطعون
بقلم : د.نواف سعود الياسين
مستشار قانوني.. محامي أمام محكمة التمييز والمحكمة الدستورية
يعتبر القانون رقم 110 لسنة 2015 بالموافقة على إصدار القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو تفعيل لنص المادة الثامنة: التنمية الصناعية من الاتفاقية الاقتصادية الخليجية « ب - تقوم الدول الأعضاء بتوحيد التشريعات والأنظمة الصناعية فيما بينها، بما في ذلك نظم تشجيع الصناعة ومكافحة الإغراق والإجراءات الاحترازية»، وهذا القانون تم إقراره من المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في دورته الحادية والثلاثين والتي عقدها في أبوظبي (ديسمبر 2010).
يهدف قانون مكافحة الإغراق إلى تمكين دول مجلس التعاون من اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصناعات الوطنية الخليجية ضد الإغراق وهو ما قررته المادة (1) «تمكين دول المجلس من اتخاذ التدابير اللازمة ضد الإغراق والدعم والزيادة في الواردات، التي يترتب عنها ضرر لأي صناعة خليجية».
كذلك قرر القانون ان تكون هذه التدابير موحدة وفقا لإجراءات وآليات منسقة بين الدولة الأعضاء بحيث يكون إصدار القرارات ذات العلاقة بمكافحة الإغراق وتطبيقاتها جماعية.
فقد نصت المادة (7) من القانون أنه «يتولى تطبيق أحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية كل من اللجنة الوزارية واللجنة الدائمة ومكتب الأمانة الفنية، كل في مجال اختصاصاته» وقد حدد القانون في المادة (8) منه اختصاصات اللجنة الوزارية «لجنة التعاون الوزاري» والمشكلة من وزراء الصناعة بدول المجلس، ومن أبرزها «1- اعتماد فرض التدابير النهائية المتعلقة بمكافحة الإغراق والدعم المخصص والزيادة في الواردات أو تمديد أو وقف هذه التدابير أو إنهائها أو الزيادة أو خفض تدابير مكافحة الإغراق والتدابير التعويضية».
كذلك قررت المادة (9) اختصاصات اللجنة الدائمة «لجنة مكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية لدول المجلس» وهي اثنا عشر اختصاصا تمثل صلب الأدوات التشريعية لهذا القانون ومنها على سبيل المثال «(أ) اتخاذ التدابير والإجراءات المنصوص عليها وفقا لأحكام هذا القانون بما في ذلك فرض التدابير المؤقتة وقبول التعهدات السعرية.
(ب) اقتراح التدابير النهائية لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية النهائية لمكافحة الدعم والتدابير الوقائية النهائية ضد الزيادة في الواردات ورفعها إلى اللجنة الوزارية» وهذه اللجنة مشكلة من وكلاء وزارات الجهات المعنية بالدول الأعضاء أو من في حكمهم.
وبموجب هذا القانون (النظام) تم إنشاء مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون، وهو مكتب مستقل ماليا وإداريا ذو طبيعة فنية بحتة.
وقد أوكل القانون في المادة (10) لهذا المكتب مجموعة من الاختصاصات أبرزها «(ج) تقديم المشورة والدعم الفني للمنتجين والمصدرين الخليجيين الذين يواجهون دعاوى تتصل بالإغراق أو الدعم أو الوقاية في دول أخرى ومتابعة سيرها بالتنسيق مع الدول الأعضاء (ز) إجراء تحقيقات الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
أما فيما يتعلق بضوابط وإجراءات التظلم والطعن على القرارات الصادرة بموجب أحكام هذا القانون فقد نص عليها في المادة (11) منه وقد بينت المادة مواعيد التظلمات والطعون وأن يكون ذلك حق لكل ذي مصلحة أو علاقة ممن تضرر من القرارات النهائية الصادرة تنفيذا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية.
أما فيما يخص الحق في تفسير وتعديل نصوص هذا القانون فقد تم إيكال ذلك - كما هو مبين في نص المادة (14) - للجنة التعاون المالي والاقتصادي والمشكلة من وزراء المالية والاقتصاد بدول المجلس، على أن يكون ذلك بالتنسيق مع اللجنة الوزارية».
القراران رقما 5، 6 بفرض رسوم إغراق نهائية على واردات دول مجلس التعاون من منتجات «السيراميك والاسمنت»
أولا: قرار لجنة التعاون الصناعي رقم (5) بفرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق لمنتج السيراميك والبورسلان والتي ترد من جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الهند:
٭ بتاريخ 2/10/2018 تم تقديم شكوى إلى مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية (سلطة التحقيق) ضد واردات دول مجلس التعاون من الواردات من منتج السيراميك ذات منشأ أو المصدرة من الصين والهند واسبانيا.
٭ بتاريخ 5/11/2018 صدور قرار بالبدء بالتحقيق من قبل مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية لدول مجلس التعاون.
٭ بتاريخ 6/1/2020 صدر التقرير النهائي للتحقيق من قبل مكتب الأمانة الفنية يتضمن التوصية بفرض رسوم نهائية على الواردات من الهند والصين.
٭ بتاريخ 20/4/2020 أصدرت اللجنة الوزارية (لجنة التعاون الصناعي) قرار باعتماد فرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق على واردات دول مجلس التعاون من المنتج محل التحقيق ذات منشأ أو المصدرة من الصين والهند بموافقة أغلبية أعضاء لجنة التعاون الصناعي لدول المجلس.
ثانيا: قرار لجنة التعاون الصناعي رقم (6) بفرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق لمنتج الأسمنت والكلنكر:
٭ بتاريخ 11/4/2019 تم تقديم شكوى إلى مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية (سلطة التحقيق) ضد واردات دول مجلس التعاون من منتج الأسمنت والكلنكر من الجمهورية الإيرانية.
٭ بتاريخ 3/7/2019 صدرت النشرة الرسمية لمكتب الأمانة الفنية بالإعلان عن بدء تحقيق مكافحة الإغراق على واردات الجمهورية الإيرانية من منتج الأسمنت والكلنكر.
٭ بتاريخ 2/3/2020 صدر قرار من اللجنة الدائمة لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية بالموافقة على توصية مكتب الأمانة الفنية بفرض رسوم مكافحة إغراق على واردات الجمهورية الإيرانية بموافقة أغلبية أعضاء دول المجلس.
٭ بتاريخ 10/5/2020 أصدرت اللجنة الوزارية (لجنة التعاون الصناعي) قرارا باعتماد فرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق على واردات دول مجلس التعاون من المنتج محل التحقيق ذات منشأ أو المصدرة من الجمهورية الإيرانية بموافقة أغلبية أعضاء لجنة التعاون الصناعي لدول المجلس.
- بناء على ما سبق عرضه، أن القرارين محل الدراسة سليمان من الناحية الإجرائية، حيث إنه تم الالتزام فيهما بنظام عمل اللجان المختصة المنصوص عليها في القانون وآليات إصدار قراراتها.
لكن نرى من المهم أن نلفت النظر لثلاث مسائل قد يكون لهما أثر قانوني فيما يتعلق بتعاطي ذوي العلاقة والغير في حالة تطبيق قراري لجنة التعاون الصناعي رقمي (5، 6) برفض رسوم إغراق نهائية على واردات دول مجلس التعاون من منتجات السيراميك والأسمنت، وذلك في ضوء الفلسفة التشريعية التي يقوم عليها القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول مجلس التعاون ولائحته التنفيذية.
المسألة الأولى: الفصل في شكاوى الإغراق يكون بناء على مجموعة عوامل اقتصادية وحسابات فنية على مدار فترة زمنية معينة:
كما تم بيانه أن القانون الموحد لمكافحة الإغراق ذو طبيعة فنية متخصصة وهو وثيق الصلة في الدراسات الاقتصادية والمحاسبية التي تقوم بها الأجهزة الفنية ويأتي على رأسها مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية، والذي من أعماله كما جاء في نص المادة العاشرة من القانون (ز) إجراء تحقيقات الممارسات الضارة في التجارة الدولية وكل ما يتصل بها من مراجعات».
كذلك نص في المادة 11 من اللائحة أنه «يقوم مكتب الأمانة الفنية في تحقيقات مكافحة الإغراق والدعم، بأسرع وقت ممكن، بإرسال الاستبيانات اللازمة للحصول على البيانات والمعلومات الضرورية إلى الأطراف ذوي المصلحة والعلاقة».
وأيضا في ذات الاتجاه نصت المادة (27) في الفقرة (6) على قواعد أصولية واضحة تحكم تحديد وحساب حالة الإغراق حيث قررت أنه «لا يجوز اعتبار المبيعات من المنتج المشابه في بلد التصدير أو مبيعات التصدير نحو بلد ثالث بأسعار تقل عن تكاليف وحدة الإنتاج (الثابتة والمتغيرة) مضافا إليها تكاليف الإدارة والبيع والتكاليف العامة غير داخله في مجرى التجارة العادي بسبب السعر، وبالتالي يجوز إغفالها في تحديد القيمة العادية إلا إذا تبين ما يلي (أ) أن هذه المبيعات تجري في فترة زمنية طويلة، ويقصد بها عام أو ستة أشهر على الأقل.
(ب) تباع بكميات كبيرة، أي أن المتوسط المرجح لسعر البيع في العمليات التجارية موضع البحث لتحديد القيمة العادية أقل من المتوسط المرجح لتكلفة الوحدة، أو أن حجم المبيعات بأقل من تكلفة الوحدة لا يقل عن عشرين بالمائة (20%) من حجم مبيعات العمليات التجارية المعتمدة لتحديد القيمة العادية.
وكذلك ما قررته المادة (28) فقرة (1) «يتم تحديد سعر التصدير على أساس السعر المدفوع أو الواجب دفعه ثمنا للمنتج محل التحقيق عند بيعه للتصدير من دولة التصدير نحو السوق الخليجية».
يضاف لما سبق ما قررته المادة (31) فقرة (1) حيث نصت على أنه «يحدد الضرر المادي الواقع على الصناعة الخليجية، من خلال بحث موضوعي لكافة الأدلة الإيجابية ومنها: حجم الواردات المغرقة وتأثيرها على أسعار بيع المنتج المشابه بالسوق الخليجية».
وكذلك ما قررته المادة (33) فقرة (1) حيث نصت على أنه «يتم التأكد من أن الأضرار الواقعة على الصناعة الخليجية المعنية ناتجة عن الواردات المغرقة وأنها لا ترجع إلى أسباب أخرى» فيما يتعلق بحجم الواردات المغرقة، يتم البحث عما إذا كانت هناك زيادة كبيرة مطلقة أو نسبية بالعلاقة مع الإنتاج أو الاستهلاك في الدول الأعضاء.
وكذلك ما قررته المادة (31) من بيان مجموعة من العناصر الحاسمة في تحديد الضرر المادي الواقع على الصناعات الخليجية.
كل ما سبق عرضه من مواد قانونية (قدمناها على سبيل المثال لا الحصر) يوصل أن اتخاذ القرارات وفقا لأحكام هذا القانون يقوم - على تحقيقات وبحوث ودراسات فنية دقيقة، وهي المرجعية الأساسية قبل اتخاذ أي إجراء قانوني متعلق بأي شكوى إغراق.
شريط أن يشمل ذلك بيان دقيق لوجه الضرر على الصناعات الوطنية وعلاقة السببية ما بينها وبين الواردات من الدول الأخرى ويكون ذلك وفقا للظروف الاقتصادية القائمة وقت إجراء التحقيقات والدراسات الميدانية.
وبناء عليه وانسجاما مع ما ورد من أهداف القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية، فقد يكون من المناسب إعادة البحث وقراءة العوامل الاقتصادية وتبيان حقيقة المعطيات الحسابية لتحديد ما إذا كانت حالة الإغراق وفرض هذه التدابير الجمركية يتوافق والمصالح الوطنية لدولة الكويت ودول الخليج الأخرى من عدمه، وذلك من حيث الموضوع والقابلية للتنفيذ، وأثر ذلك على المصالح الاقتصادية لعموم دول مجلس التعاون والتأثير المباشر على أسواق المنطقة ومصالح المستهلكين داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي.
ولما كانت التحقيقات في الشكاوى محل البحث قد تمت في فترة سابقة على انتشار وباء كورونا وكان صدور القرارين قد تم في فترة انتشار الوباء فمن المتصور أن التقديرات والمعطيات التي استند اليها القراران محل البحث قد تغيرت، ذلك أنه من المؤكد أن انتشار هذا الوباء كان له أبلغ الأثر على الاقتصاد العالمي وسهولة انتقال المواد الأولية والمصنعة سواء بين دول الخليج أو دول العالم.
المسألة الثانية: حق الأطراف في الطعن على القرارات أمام الهيئة القضائية المختصة:
تقدمت مجموعة من الشركات بتظلمات الأمانة العامة لمجلس التعاون ضد تطبيق القرارين رقمي 5، 6 بفرض رسوم إغراق نهائية على واردات دول مجلس التعاون من منتجات «السيراميك والأسمنت» وذلك في شهر يونيو 2020، إلا أن جميع هذه التظلمات تم رفضها.
قررت المادة (11) من القانون شكلا معينا وطرقا محددة لاتخاذ إجراءات التظلم والطعن لكل ذي مصلحة أو علاقة بالقرارات الصادرة وفقا لأحكام هذا القانون، حيث نص صراحة في الفقرة الثانية من المادة (11) أنه «يجوز للطرف الذي رفض تظلمه الطعن أمام الهيئة القضائية المختصة بدول المجلس خلال 30 يوما من تاريخ إخطاره بأي من طرق الإعلان».
وعليه تكون الهيئة القضائية هي الجهة الوحيدة المختصة بنظر الحالات التي ترفض بها التظلمات، أي أن الطعن أمام الهيئة القضائية هو جزء من مراجعة القرارات الصادرة وحق أصيل لكل طرف يرى أن القرار لا يحقق العدالة وفيه تجاوز على حقوقه.
وما يؤكد هذا الفهم ما تم نشره في النشرة الرسمية لمكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية (العدد 18 بتاريخ 20 يناير 2019)، حيث قررت هذه النشرة أن إجراءات التعامل مع التظلمات المقدمة من ذوي العلاقة والمصلحة تكون من خلال ما ورد في الفقرة (ح) «يجوز للطرف الذي رفض تظلمه الطعن أمام الهيئة القضائية المختصة بدول المجلس خلال 30 يوما من تاريخ إخطاره بأي من طرق الإعلان، وذلك من خلال التقدم إلى الأمانة العامة».
يضاف إلى ما سبق أن الهيئة القضائية عرفت المادة الثالثة من القانون بأنها «الهيئة القضائية التي تنشأ بموجب الاتفاقية الاقتصادية لدول الخليج».
قررت المادة السابعة والعشرين الاتفاقية الاقتصادية لدول الخليج (تسوية الخلافات)...3- تشكل هيئة قضائية مختصة كلما دعت الحاجة للنظر في الدعاوى الناشئة عن تنفيذ أحكام هذه الاتفاقية أو القرارات الصادرة تطبيقا لأحكامها.
4- إلى أن يتم العمل بنظام الهيئة القضائية المنصوص عليها في الفقرة 3 من هذه المادة تحال الدعاوى التي لايتفق الطرفان فيها على التحكيم ولا تتمكن الأمانة العامة من تسويتها وديا إلى اللجان المختصة في إطار المجلس للبت فيها».
علما الاتفاقية الاقتصادية لدول الخليج قد صدرت في عام 2002 أي قبل حوالي عشرين سنه، فلس من المعقول التأخر في انفاذ حكم هذا النص خاصتا بعد اعتماد النظام الأساسي للهيئة القضائية الاقتصادية.
ولا يمكن التسليم بسلامة الاستعاضة بالقرار الصادر من لجنة التعاون المالي والاقتصادي بتسمية لجنة التعاون المالي والاقتصادي كلجنة مختصة بالفصل في الطعون الخاصة بقضايا الإغراق، وذلك استنادا على نص المادة 11 من القانون التي خولت صلاحية تفسير وتعديل النظام الخليجي الموحد، ذلك ان هذا لا يسري بشكل مباشر الى التشريعات الوطنية دون المرور بالقنوات الدستورية.
ومما سبق يتضح جليا أن عدم وجود الهيئة القضائية للطعن والتظلم أمام يخل بمفهوم العدالة والتحقق من سلامة القرارات وحجب طريق الطعن الأساسي أمام المتضررين وذوي العلاقة.
وبما أن إيجاد هذه الهيئة القضائية قد نص عليه صراحة في صلب هذا القانون. فلا يجوز الاستعاضة عنها بأي لجنة تحقيق أو هيئة طعن أخرى.
ولما كان العديد من الأطراف قد سبق أن تقدموا بتظلمات من القرارات السالف الإشارة إليها، وتم رفض هذه التظلمات، ونظرا لعدم وجود الهيئة القضائية الواجب وجودها، تكون هذه الأطراف قد حرمت من حقها الطبيعي للمثول أمام الجهة المختصة قانونا بتلقي الطعون على القرارات الصادرة تنفيذا لأحكام هذا القانون مما قد يترتب عليه منازعات قضائية مرتبطة بتنفيذ هذين القرارين.
المسألة الثالثة: مدى دستورية المواد (8، 14) من القانون رقم (110 لسنة 2015)
يقوم نظام الحكم في الكويت على تعدد السلطات وإيجاد حالة من الفصل المرن بينها، وذلك ما نص عليه صراحة في المادة (50) من الباب الرابع من الدستور الكويتي، حيث قرر أنه «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور.
ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور».
لذلك أوجد النظام الدستوري الكويتي قواعد قانونية دقيقة لتنظيم اللوائح التنفيذية بحيث جعلها مرتبطة وخاضعة للنصوص القانونية ولا تملك الخروج على أحكامها، وفي ذلك إعمالا لتدرج الأدوات القانونية وتمكين السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصلي من ممارسة مهامها بوضع التشريعات على أن يكون للسلطة الإدارية (الحكومة) إيجاد ضوابط قانونية حاكمة لتنفيذ هذه التشريعات دون الحق بالخروج على المضامين المقررة فيها والحدود المرسومة من السلطة التشريعية.
تجد اللوائح التنفيذية سندها وتنظيمها في نص المادة 72 من الدستور والتي تقرر أنه «يضع الأمير، بمراسيم، اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما لا يتضمن تعديلا فيها أو تعطيلا أو إعفاء من تنفيذها.
ويجوز أن يعين القانون أداة أدنى من المرسوم لإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذه «فاختصاص إصدار اللوائح التنفيذية وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 72 هو حق أصيل لسلطة الإدارة (الحكومة) لا ينازعه فيها أحد، ولا تملك السلطة التشريعية حجب هذا الاختصاص أو تعطيله، ويقرر في ذات السياق أستاذنا الدكتور عثمان عبدالملك الصالح «وهكذا نجد أن هذا الحق - إصدار اللوائح التنفيذية - يستند إلى الدستور نفسه، ويترتب على ذلك أمران أولا: هو أن المشرع العادي لا يستطيع أن يحول بين الإدارة وبين ممارسة هذا الحق.
ثانيا: أن الإدارة تباشر هذا الحق دون حاجة إلى دعوة صريحة أو ضمنية من البرلمان، بل يجب عليها ممارسة هذا الاختصاص استنادا إلى الأساس الدستوري لوظيفتها التنفيذية».
لذلك يمكن التقرير بإيجاز وكما هو مستقر عليه فقها وقضاء ومن قبل ذلك نصوصا قانونية صريحة، أن اللوائح التنفيذية هي اختصاص أصيل للسلطة الإدارية، ويجب أن تكون في حدود القانون ولتنفيذ أحكامه ويذهب الفقه أن علة اسناد اختصاص إصدار هذه اللوائح للسلطة التنفيذية دون غيرها هو لقدرتها على تحديد الوجه العملي لتطبيق هذه النصوص على أرض الواقع وكيفية التعاطي مع الجمهور بصفتها السلطة المختصة بشؤون الإدارة بشكل عام، وهذا الفهم يتوافق مع مجمل النظم الدستورية حول العالم والتي كما هو الحال في الكويت توكل اختصاص إصدار اللوائح التنفيذية لسلطة الإدارة دون غيرها.
وبناء عليه، فبالرجوع إلى نص المادة 8 من القانون محل البحث نجد أن هذه المادة قررت التالي: «اختصاصات اللجنة الوزارية 3- إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون»، فهذا النص بصيغته الحالية أتى مصادرا لحق السلطة التنفيذية بوضع اللوائح الواجبة لتنفيذ هذا القانون، وهذا بالمخالفة لنص المادة 72 من الدستور سابق الإشارة الذي منح السلطة التنفيذية وضع وإصدار هذا النوع من اللوائح وبين أداة إصدارها، لذلك يمكن التقرير أن نص المادة 8 من القانون الخليجي الموحد تحوم حولها شبهة عدم الدستورية للمخالفة لنص المادة 72 من الدستور.
وفي ذات السياق أوردت اللائحة التنفيذية للقانون إحالة لاتفاقية منظمة التجارة العالمية، حيث نص صراحة في المادة 85 من اللائحة التنفيذية للقانون على اعتبار قواعد وأحكام منظمة التجارية العالمية الشريعة العامة لما لم يرد فيه نص في هذا القانون، فهذا النص غريب ذلك انه ورد في لائحة القانون وليس في القانون نفسه.
وبالنظر إلى نص المادة 14 من القانون محل البحث نجد أن هذه المادة قررت التالي «تفسير وتعديل القانون (النظام): للجنة التعاون المالي والاقتصادي تفسير وتعديل هذا القانون (النظام) بالتنسيق مع اللجنة الوزارية».
نجد أن المادة 14 قد أوكلت للجنة التعاون المالي والاقتصادي الحق بتفسير وتعديل هذا القانون وهذا بالمخالفة لنص المادة 51 من الدستور التي قصرت الحق في اقتراح القوانين أو تعديلها على السلطة التشريعية والتي يتولاها الأمير ومجلس الأمة «السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور».
كذلك خالفت هذه المادة نص المادة 79 من الدستور والتي تقرر «لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير».
وبذلك يكون إيكال الحق تفسير وتعديل هذا القانون وإصدار لائحته التنفيذية للجان الخليجية مخالفا لمبادئ التشريع في النظام الدستوري الكويتي مصادما للأسس التي قام عليها ماسا بسلطان الدولة وكيانها القانوني.
علما أن هذا القانون الخليجي هو نموذج يمكن القياس عليه في بيان حجم المثالب الدستورية الموجودة في بقية القوانين الخليجية الموحدة.