بيروت - عمر حبنجر
زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى بكركي ومعه أربعة وزراء موارنة من صنف الحمائم، ثم لحق بهم منفردا وزير الداخلية بسام المولوي، بمناسبة ذكرى تطويب «مار شربل» أمس الأول، فتحت العيون على الحاجة إلى «قمة روحية» تجمع بين رؤساء الطوائف اللبنانية، لعلها تأتي كرشة ماء باردة على وجوه المتشنجين طائفيا، تحت تأثير الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت، والأحياء المطلة عليه، وملابسات التحقيق القضائي المتعثر بالحصانات النيابية حينا، وبالقوانين الحمائية حينا آخر. وقد بوشرت المساعي والاتصالات في هذا الاتجاه، ووصلت بعض الموافقات المبدئية، فلعل الأدعية والصلوات تخفف من وطأة التخبط السياسي الممتد من ترسيم الحدود البحرية، الى مفاوضات صندوق النقد الدولي والانتخابات التشريعية، وصولا إلى المنافسات الدولية على إعادة إعمار المرفأ والكهرباء، التي انطفأت كليا أمس عن لبنان بعد توقف آخر معاملها عن العمل. إذ أكد مصدر لبناني مسؤول لـ «رويترز» إن البلاد دخلت في ظلام تام بسبب خروج أكبر محطتي كهرباء من الخدمة بسبب نقص الوقود. وقال المصدر إن «شبكة كهرباء لبنان توقفت تماما عن العمل، ومن المستبعد أن تعمل حتى نهار الاثنين القادم أو لأيام عدة». وتوقف آخر معمل حراري عن العمل في محطة الزهراني بعد توقف معمل دير عمار أمس الأول بسبب نقص الوقود. وأضاف المصدر ان شركة كهرباء لبنان تحاول أن تستعين بمخزون الجيش من زيت الوقود لتشغيل إحدى المحطتين بشكل مؤقت لكن ذلك لن يحدث قريبا.
وفيما توقعت وسائل إعلام لبنانية ان الانقطاع قد يستمر لـ 10 أيام على الأقل، توالت ردود فعل السياسيين اللبنانيين المنددة، واعتبر رئيس حزب القوات البنانية سمير جعجع، في تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه «من أولى نتائج وصول الفيول الإيراني الى لبنان وفك الحصار الأميركي عنه، توقف كل معامل الكهرباء عن الإنتاج لعدم وجود الفيول. انه فعلا لوعد صادق».
وقال أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري، بدوره على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه «أمام الزحف الكهربائي المجنون الذي لا ينور، فليصوب الكهربائيون الجدد بوصلة المشاريع الفارطة، ويعترفوا أن المشكلة ليست في إنتاج الكهرباء بل في الفشل بإدارة القطاع والبلاد من قبل حلفاء إيران وحزبها». وأضاف الحريري في تصريحه: «وتجاوزا لهذه المهزلة، من ينوي البناء لا يكون على أنقاض ما تبقى من أخضر لبنان».
وفي هذا الصدد، تلاحظ المصادر المتابعة في بيروت، ان العرض الإيراني السخي الذي قدمه وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ويحتوي ضمنا على بناء محطتي كهرباء في سنة ونصف السنة، لم يتضمن هبات او تبرعات انما استثمارات، وحتى المازوت الإيراني الآتي الى لبنان عبر البر السوري، يباع بثمنه، ناقصا عن أسعار السوق، بما يوازي بدل الرسوم الجمركية، التي أعفى نفسه منها، بحكم دخوله من معابر التهريب غير الشرعية. واللافت ان الحكومة اللبنانية لم تتخذ موقفا من العروض الإيرانية، رغم ضغوط حزب الله، الذي باشر التحضير لتنفيذ عروض إيران الكهربائية، بإعلان رئيس بلدية الغبيري (الضاحية الجنوبية) معن الخليل إمكانية بناء احد هذه المعامل في أرض «نادي الغولف» الفسيحة، الأمر الذي أثار ردود فعل رافضة من قبل الجهات القيمة على هذا النادي، وأفيد عن فسحة أرض مناسبة لإقامة المعمل الثاني ما بين النبطية وصور.
وهذا ما أثار حفيظة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي غرد عبر «تويتر» قائلا: «في إيران يحترمون الطبيعة والحدائق الخضراء ويحتفلون منذ آلاف السنين بعيد الربيع النوروز في 21 مارس. أما وإن الممانعة تصر على تزويدنا بمحطة إنتاج كهرباء فهل من الضروري مصادرة «نادي الغولف» لبنائها وهو مساحة خضراء مميزة في غابة الباطون لمدينة بيروت وضواحيها لبنان».
المصادر المتابعة تستبعد إجابات رسمية حول العروض الإيرانية، قبل استكمال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جولته العربية التي بدأت بعمان، ويذهب البعض في هذا الربط الى رغبة ميقاتي بتجنب القفز من فوق الجدران العربية، في التعامل مع إيران. وقد بدا ذلك جليا، من قوله في بكركي: «السعودية قبلتي السياسية والدينية».
على أي حال، مختلف هذه التطورات قد تجد طريقها الى مجلس الوزراء في جلسته المقررة في القصر الجمهوري الثلاثاء المقبل، بعد الاستماع الى ما عاد به رئيس الحكومة من عمان، ومثله وزير الطاقة وليد فياض العائد من مصر والأردن.
في غضون ذلك ينتظر وصول المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، محمود محيي الدين، في إطار التحضير للمفاوضات، بين اللجنة الوزارية التي يرأسها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وصندوق النقد. في وقت كرر فيه الموفد الفرنسي بيار دوكان التأكيد للمسؤولين اللبنانيين أنه لا مساعدات حقيقية، قبل القيام بالإصلاحات المطلوبة، لاستعادة الحد الأدنى من الثقة في الداخل والخارج.
ونقل عن دوكان انه نبه والبنك الدولي في تقرير سابق لـ 3 أعوام مما هو متوقع وآت، لكن المسؤولين في لبنان لم يتخذوا أي خطوات لتدارك الأمر، يوم كان ذلك ممكنا.