بعدما سجلت تراجعا كبيرا في الانتخابات التشريعية العراقية، نددت قوى بارزة موالية لإيران يتقدمها «الحشد الشعبي»، بحصول ما وصفته بـ «تلاعب» و«احتيال» في نتائج العملية الانتخابية، التي تفتح الطريق أمام مفاوضات صعبة بين الكتل السياسية الساعية للهيمنة على برلمان مشرذم.
وبعدما كان القوة الثانية في البرلمان المنتهية ولايته، سجل تحالف الفتح بقيادة هادي العامري، والمنضوي تحت راية الحشد الشعبي ويضم فصائل موالية لإيران، تراجعا كبيرا في البرلمان الجديد، وفق مراقبين ونتائج قامت وكالة فرانس برس باحتسابها.
لكن هذا التيار السياسي المتحالف مع إيران يبقى لاعبا لا يمكن الالتفاف عليه في المشهد السياسي العراقي. ففي بلد يطبع الانقسام السياسي الحاد المشهد فيه، لا تقتصر اللعبة السياسة على أروقة البرلمان، بل يبقى للشارع كلمة مع امتلاك الأحزاب الكبرى ورقة ضغط متمثلة بفصائلها المسلحة.
وفي نتيجة غير مفاجئة، أظهرت النتائج التي نشرتها المفوضية الانتخابية العليا، حلول التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، في الطليعة. ويؤكد التيار حصوله على أكثر من 70 مقعدا في مجلس النواب المؤلف من 329 مقعدا.
وقال الإطار التنسيقي لقوى شيعية الذي يضم خصوصا تحالف الفتح وائتلاف رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في بيان «نعلن طعننا بما أعلن من نتائج وعدم قبولنا بها وسنتخذ جميع الاجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين».
من جهته، قال العامري «لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن وسندافع عن اصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة».
وأعلن أبو علي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي، إحدى فصائل الحشد الشعبي الأكثر نفوذا في بيان أن «ما حصل في الانتخابات يمثل أكبر عملية احتيال والتفاف على الشعب العراقي في التاريخ الحديث».
وغرد العسكري عبر حسابه على موقع «تويتر» للتواصل: «سنقف بكل حزم وإصرار بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ولن نسمح لأي كان بأن يضطهد وإذلال أبناء العراق».
وأضاف أن «على المقاومة العراقية الاستعداد لمرحلة حساسة تحتاج إلى الحكمة والمراقبة الدقيقة وعلى قوات الحشد الشعبي أن يحسموا أمرهم والدفاع عن كيانهم المقدس».
ولا يشكل تراجع شعبية القوى الموالية لإيران مفاجأة بالنسبة لمراقبين، في بلد تصاعدت حدة الغضب تجاه طهران خصوصا بعد القمع الدموي لاحتجاجات «تشرين» في العام 2019، مع اتهام ناشطين «مجموعات مسلحة» في إشارة إلى فصائل شيعية مدعومة من إيران، بالوقوف وراء تلك الحملة وهو ما تنفيه الفصائل.
وفي حال تأكدت النتائج الجديدة، يكون التيار الصدري بذلك قد حقق تقدما ملحوظا عن العام 2018، بعدما كان تحالف «سائرون» الذي يقوده التيار في البرلمان المنتهية ولايته، يحتل 54 مقعدا. ويرى التيار أن نتائجه القوية من شأنها أن تجعل منه القوة الأكبر في البرلمان.
وسيكون الصدريون، في حال تأكدت النتيجة، بموقع يسمح لهم بالضغط في اختيار رئيس للوزراء، فيما يرى خبراء أن تشرذم مقاعد البرلمان سيؤدي إلى غياب غالبية واضحة، الأمر الذي سيرغم الكتل إلى التفاوض لعقد تحالفات من أجل تسمية رئيس جديد للوزراء.
في المقابل، أكد حزب «تقدم» بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الحصول «على أكثر من 41 مقعدا» متقدما القوائم السنية.
وتمكن تحالف «دولة القانون» برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من تحقيق خرق في الانتخابات، حيث أشار مسؤول في الحركة لوكالة فرانس برس إلى حصوله «على 37 مقعدا في البرلمان».
كما حصد الحزب الديموقراطي الكردستاني على 32 مقعدا وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على 15 مقعدا في حين حصل تحالف عزم بزعامة خميس الخنجر على 20 مقعدا وتحالف الفتح على 14 مقعدا.
وحققت حركة «امتداد» وهي حركة سياسية جديدة تقول إنها منبثقة عن الحركة الاحتجاجية، خرقا في البرلمان مع حصولها، وفق احتساب أجرته فرانس برس بناء على النتائج الأولية، على عشرة مقاعد لاسيما في محافظات جنوبية.
واعتبارا من أمس، بدأت المفوضية الانتخابية العليا باستلام الطعون، ولمدة ثلاثة أيام، فيما استمر فرز نتائج بعض مراكز الاقتراع حتى أمس.
وأعلن الإطار الاستراتيجي للكتل الشيعية الذي يضم عددا من الكيانات الشيعية، أبرزها دولة القانون والفتح، أنه سيقدم إلى المفوضية العليا للانتخابات طعنا بنتائج الانتخابات بشبهة التلاعب بأصوات الناخبين.
وردا على سؤال حول اتهامات الموالين لإيران بالتزوير، أشارت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة العملية الانتخابية فيولا فون كرامون إلى أنه «يمكن الطعن بالنتائج، لكن ما لاحظناه من الناحية التقنية هو أن (العملية) كانت هادئة ومنظمة، لم تكن هناك شوائب على الصعيد التقني في غالبية مراكز الاقتراع التي تمت مراقبتها خلال يوم الانتخابات». وأضافت «لا سبب لإطلاق تهم بحصول تزوير».
وشهدت هذه الانتخابات وهي الخامسة منذ العام 2003 بعد الغزو الأميركي، نسبة مقاطعة غير مسبوقة.
وبلغت نسبة المشاركة الرسمية 41% وهي نسبة غير مفاجئة في بلد ترفض فيه غالبية الرأي العام النظام السياسي، إذ رغم الثروات النفطية الهائلة التي يتمتع بها العراق، يقبع ثلث السكان في الفقر، بينما يستشري الفساد في كل مفاصل الدولة، والخدمات العامة متدهورة مع غياب إمدادات كهربائية كافية وقطاع صحي قوي.
ورأت فون كرامون في تقريرها النهائي خلال مؤتمر صحافي أمس أن «غياب الناخبين رسالة واضحة للطبقة السياسية».
وأضافت «كان يفترض بهذه الانتخابات أن تكون بداية جديدة وفرضة لتغيير المشهد السياسي من أجل مستقبل مختلف للبلد. لكن يبدو أن كثرا (للأسف) لم يكونوا مؤمنين بهذه الفرصة».