لا يخفى علينا جميعاً ما يعيشه العالم منذ عقود من أزمات اقتصادية تطفو على سطح الأحداث فجأة ثم تختفي ليحدث استقرار نسبي مؤقت ومن ثم تعود الأزمات الاقتصادية لتتجدد مرة أخرى في صراع دائم لا ينقطع على مناطق الهيمنة والنفوذ السياسي والاقتصادي وخاصة بين معسكري الشرق والغرب، وهو صراع لا يقيم للإنسانية وزناً بقدر ما يهدف إلى تأمين احتياجات مجتمعات الدول المتصارعة بكل ما يسمح لهم من موارد الحياة الأساسية والتي أهمها بالطبع «الأمن الغذائي».
وقد اختلف بعض المتخصصين في الشؤون الاقتصادية في تعريف الأمن الغذائي بدقة نظراً للتباين والتنوع بين دول العالم في المناخ والجغرافيا وعدد السكان ومدى توافر الموارد الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق ما يعرف بالأمن الغذائي، فهناك دول فقيرة تمتلك موارد لا تجيد استغلالها بالشكل الأمثل، وهناك دول غنية لا تمتلك الموارد الكافية ولكنها تستورد كل ما تحتاج اليه، ولكن دعونا نتكلم بوضوح عن أن مفهوم الأمن الغذائي الذي لا يختلف عليه أحد هو أن يمتلك أي مجتمع الموارد الكافية لتحقيق اكتفائه الذاتي من الأمن الغذائي حتى لا يقع هذا المجتمع رهينة في أيدي الآخرين الذين يستغلون ما تقع عليه أيديهم من موارد للتحكم في مصائر الشعوب الأخرى.
لذلك، حذرت الأمم المتحدة -ولا تزال- من كارثة المجاعة التي ستجتاح 23 منطقة مضطربة في العالم وأن أزمة التغيرات المناخية ستفاقم الوضع سوءا في السنوات المقبلة، والذي يتطلب معه تضافر كل الجهود لمواجهة هذا التحدي الخطير الذي يهدد حياة ملايين البشر، وذلك تحت مظلة الأمم المتحدة وخطتها للتنمية المستدامة والتي تهدف إلى القضاء على الجوع بحلول عام 2030، خاصة أن تقارير الأمم المتحدة العام الماضي 2020 تؤكد أن الجوع يهدد حياة قرابة الـ 800 مليون نسمة على وجه الأرض، وهو رقم قابل للزيادة في السنوات المقبلة، وكان آخر تحذير للأمم المتحدة في مارس الماضي أن العالم سيواجه مجاعة في السنوات الثلاث المقبلة.
ولكن بصفتي مواطنة كويتية يهمها في المقام الأول الأمن الغذائي للكويت، ولذلك أتساءل: ما خطة الحكومة الجادة والحقيقية لمواجهة هذا الخطر، خاصة أن الكويت تستورد 90% من احتياجاتها لتحقيق الأمن الغذائي؟!
هل ستكتفي الحكومة بالتقرير الخادع لمجلة الإيكونوميست عام 2020 والذي اعتبر الكويت الأولى عربيا والـ 33 عالميا في الأمن الغذائي؟! هل طلبت الحكومة من السفير منصور العتيبي مندوب الكويت في الأمم المتحدة تقريرا حول تحذير الأمم المتحدة من خطر المجاعة في السنوات المقبلة؟! بالطبع نحن سعداء ونثمن دور كل من ساهم في وضع الكويت على صدارة الأمن الغذائي عربيا، ولكن هذا الاكتفاء لم يتحقق بموارد محلية ولكن بالاستيراد بنسبة 90%، وبالتالي فهو لا يحقق الحد الأدنى من الطمأنينة للأمن الغذائي الكويتي!
الهيئة العامة للزراعة تحدثنا عن زيادة رقعة الأراضي الزراعية في الوفرة والعبدلي في السنوات العشر الأخيرة، ولكن ما الخطط الجادة لتحقيق التنمية المستدامة زراعيا وصناعيا؟! متى يتم توزيع القسائم الزراعية على الجادين والمتخصصين بعيدا عن المحسوبيات والمجاملات والترضيات السياسية ومن يستغلون المزارع والجواخير للترفيه وقضاء أوقات الفراغ؟!، يجب على الحكومة أن تمتلك مصانع ومزارع في الخارج يخصص إنتاجها للكويت فقط وذلك في حالة إن تعذر الإنتاج محليا لأسباب مناخية وجغرافية، ويجب توعية الناس بعدم الإسراف في شراء المنتجات الغذائية بما يفيض عن الاحتياجات، لن ننجو من هذا الوضع الكارثي مستقبلا إلا بنصيحة المغفور له بإذن الله الشيخ ناصر صباح الأحمد، طيب الله ثراه، «بضرورة تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين ومن ارتبط بهم، فلا تنمية ولا عدالة في وجودهم وغير ذلك لا يكون إلا إفسادا فوق إفساد وما نراه أقل مما نتمناه»، وأنا أضيف لكلامه، رحمه الله، بأن ما نزرعه من فساد سنحصده فقرا وفشلا إلا إذا طهرنا أرض الوطن من آفات الفساد والمفسدين حتى تنبت في أرض الوطن الثمار الجيدة لأجيال قادمة تستحق منا التضحية والجهد لإنقاذ الوطن من براثن الكسل والفشل والفساد، والله المستعان وإليه المشتكى!