انتقد الخبير الاستراتيجي الأميركي أندريو إس. جيلمور، الاستراتيجيات التي اتبعتها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط الكبير طوال العقدين الماضيين، والتي يرى أنها أسفرت عن أوجه فشل كثيرة.
وقال جيلمور، الذي عمل طوال 32 عاما في وكالة المخابرات المركزية قبل تقاعده، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأميركية إن تعزيز المصالح الأميركية من شمال أفريقيا حتى وسط آسيا يشهد تراجعا ملحوظا، وأن عمليات احتلال العراق وأفغانستان المنهكة كانت تنذر بفشل استراتيجي.
ويؤكد جيلمور ان النفوذ الصيني والروسي يتزايد على نطاق واسع، كما أن هناك «خطة كبيرة» في أفغانستان تحمل خطر التسارع بعد الانسحاب الأميركي، وتواصل القاعدة وداعش - رغم سنوات من الضغط الأميركي الصارم والناجح غالبا- التآمر والدعوة للقيام بهجمات ضد المصالح الأميركية في العالم. وهناك دول في المنطقة، بما في ذلك دول يفترض أنها حليفة للولايات المتحدة، تتصرف بصورة متزايدة دون خوف أو مراعاة لواشنطن.
ويرى جيلمور أن الجهد غريب الأطوار الذي تم بذله طوال سنوات عديدة بهدف كبح الطموحات النووية الإيرانية على حافة الفشل الآن، وأن ما تم بذله من دماء وأموال وعمل ديبلوماسي في أنحاء الشرق الأوسط الكبي، وأسفر عن هذه النتائج منذ نهاية الحرب الباردة، يصل إلى حد الكارثة بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة في جزء محوري من العالم.
ويضيف جيلمور أن هذه القائمة الطويلة من الفشل دفعت المفكرين الاستراتيجيين الأميركيين وصناع السياسات السابقين إلى الدعوة إلى تبني استراتيجية تقليص جديدة تهدف إلى الحد من التكاليف والالتزامات العسكرية والدولية.
وظهر إجماع بأن الولايات المتحدة التزمت أكثر من اللازم تجاه منطقة تعتبر تحدياتها الداخلية بعيدة عن متناول أدوات القوة الأميركية. وأدت مقالات مثل «الشرق الأوسط لم يعد يستحق ما يبذل» و«لم يعد الشرق الأوسط يهم كثيرا» إلى ارتفاع أصوات نخبة غاضبة بالنسبة للسياسة الخارجية تتوق لأن تركز الاستراتيجية الأميركية على التهديدات الأكثر إلحاحا من جانب روسيا والصين.
من ناحية أخرى، يقول جيلمور إن هذا الإحباط أمر مفهوم إذا ما تم تذكر أن الولايات المتحدة استطاعت بنجاح تأمين الكثير من مصالحها في الشرق الأوسط الكبير طوال فترة الحرب الباردة.
ويشير جيلمور إلى أنه من المفارقات أن الدعوات إلى تقليص الدور الأميركي في الشرق الأوسط تأتي مصحوبة بقائمة طويلة من المصالح الأميركية الدائمة التي يتعين حمايتها.
وعلى سبيل المثال، حدد مستشار للأمن القومي في يناير الماضي التحديات الكامنة التي ينطوي عليها التقليص حيث قال: «إن خفض التواجد الأميركي في الشرق الأوسط يتطلب تحقيق توازن بارع، يتمثل في الحد من تواجد عسكري قديم بدون خلق حالة جديدة من عدم الأمن، مع الحفاظ على الردع والنفوذ إذا دعت الحاجة لحماية تلك المصالح الأميركية الرئيسية الباقية».
وهناك خبراء كانوا أكثر تفصيلا بالنسبة لهذا الأمر، حيث قالوا إنه «للولايات المتحدة 3 مصالح حيوية تماما في المنطقة هي: الحد من الإرهاب، وحماية تدفق النفط، ومنع إيران من الحصول على أسلحة نووية».
وبالمثل أكد خبراء آخرون ضرورة استمرار حماية الولايات المتحدة لحرية الملاحة في الممرات البحرية في المنطقة، واحتواء من يحتمل أن يفرضوا هيمنتهم في المنطقة وغيرهم من العناصر المعادية لواشنطن.
وقال جيلمور إنه لم يتم بعد صياغة استراتيجية جديدة يمكن أن تؤمن هذه القائمة الطويلة من المصالح الحيوية، وأن وضع استراتيجية جديدة تستند إلى «المصالح» بشكل منفصل عن الأطر المعقدة والمتقلبة بصورة متزايدة والتي توجد فيها مثل هذه «المصالح» محكوم عليها بالفشل منذ البداية.
وتعد مراجعة الافتراضات الأميركية السابقة شرطا ضروريا لوضع أي استراتيجية جديدة للمنطقة.
ويشير نطاق أوجه الفشل الاستراتيجي طوال العقدين الماضيين إلى ضرورة إعادة التحقق من الافتراضات الأساسية للغاية للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط الكبير.
وأكد جيلمور أن أي استراتيجية جديدة يجب أن تبدأ بتوسع في قدرات أميركا التحليلية، هناك حاجة لأطر عمل جديدة لتفهم الحيز الجغرافي المتصل لشرق أوسط كبير، ولقوة ذاكرة تاريخية لصياغة القصد الاستراتيجي للمعنيين لتكون نبراسا لأي استراتيجية أميركية جديدة.
وبالمثل، هناك حاجة لتفهم انتشار الحركات السياسية والثقافية عبر الحدود، والتفاعلات بين الحضارة الإسلامية والحضارات المجاورة لمساعدة أميركا على تحديد مصالحها ومتابعتها بصورة أكثر فعالية.