انفجر الوضع المتأزم في السودان منذ أسابيع، وازدادت حدة الانقسام بين العسكر والمدنيين، وقام الجيش بحل مجلسي الوزراء والسيادة بعد ساعات من اعتقال معظم الشركاء المدنيين في الحكم وفي مقدمتهم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، في خطوة وصفتها الحكومة بـ «الانقلاب»، بينما خرج معارضون إلى الشوارع، حيث وردت أنباء عن إطلاق نار ووقوع ضحايا. وانتشرت قوات مشتركة من الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في شوارع الخرطوم، وقامت تلك القوات بالحد من تحركات المدنيين، في حين أحرق محتجون يحملون علم السودان إطارات في مناطق متفرقة من المدينة.
وأكدت لجنة أطباء السودان المركزية مقتل شخصين بطلق ناري وأكثر من 80 مصابا على الأقل. وقالت اللجنة «ارتقت روحا ثائرين إثر إصابتهما بطلق ناري بواسطة قوات المجلس العسكري».
وأعلن قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان حالة الطوارئ وتشكيل ما وصفها بـ «حكومة كفاءات» لإدارة البلاد إلى حين انتهاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات عامة «يفترض أنها ستكون عام 2024».
وقال البرهان في خطاب متلفز وجهه عبر التلفزيون الرسمي، إن الجيش قرر اتخاذ هذه الإجراءات لـ «تصحيح مسار الثورة» التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير في العام 2019.
وأضاف أنه «لتصحيح مسار الثورة تقرر إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد والتمسك الكامل والالتزام التام بما ورد في الوثيقة الدستورية في الفترة الانتقالية لعام 2019، واتفاق سلام السودان الموقع في جوبا في أكتوبر من عام 2020 وتعليق العمل بالمواد 11، 12، 15، 16، 24/3، 71، 72 من الوثيقة الدستورية مع الالتزام التام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت خلال فترة الحكومة الانتقالية وحل المجلس السياسي الانتقالي وإعفاء أعضائه، وحل مجلس الوزراء، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مراجعة منهج عملها وتشكيلها».
في المقابل، نقلت وزارة الإعلام السودانية التي بقيت تحت سيطرة الحكومة، عن «تحالف قوى الحرية والتغيير» مطالبته بتنحي جميع أعضاء المجلس العسكري الانتقالي وتسليم السلطة للحكومة المدنية. ودعا التحالف إلى عصيان مدني شامل وطلب «من جماهير الشعب الخروج إلى الشوارع».
بدوره، طالب تجمع المهنيين السودانيين، وهو من أبرز الائتلافات المنضوية تحت التحالف إبان الثورة التي اطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، أنصاره إلى الاحتشاد بعدما أعلن عن اعتقال أعضاء من الحكومة. وقال في بيان على فيسبوك «نناشد الجماهير للخروج للشوارع واحتلالها وإغلاق كل الطرق بالمتاريس، والإضراب العام عن العمل وعدم التعاون مع الانقلابيين والعصيان المدني في مواجهتهم».
وفجر الأزمة اعتقال قوات عسكرية معظم أعضاء مجلس الوزراء السوداني والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة فجر امس. وقال مكتب حمدوك، انه اعتقل فجر أمس مع زوجته وتم اقتيادهما إلى مكان مجهول، وأضاف: «تم اختطاف رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك وزوجته فجر الاثنين من مقر إقامتهما بالخرطوم، وتم اقتيادهما لجهة غير معلومة من قبل قوة عسكرية».
وحمل البيان «القيادات العسكرية في الدولة المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة رئيس الوزراء وأسرته».
وأكدت وزارة الإعلام أن حمدوك اعتقل بعد رفضه إصدار بيان مؤيد «للانقلاب»، في وقت تحدثت تقارير عن محاصرة منزله في الخرطوم.
وفي بيان نقلته رويترز، دعت الوزارة السودانيين إلى «قطع الطريق على التحرك العسكري لقطع الطريق أمام التحول الديموقراطي». وأضافت: «ندعو الجميع لمواصلة المسيرة حتى إسقاط المحاولة الانقلابية» ونرفع أصواتنا عاليا لرفض محاولة الانقلاب. وقالت إن عشرات الآلاف من المعارضين له خرجوا إلى الشوارع، وإن «جموع الشعب السوداني تتحدى الرصاص، وتصل إلى محيط القيادة العامة للجيش» في العاصمة.وذكرت وزارة الإعلام على صفحتها بموقع فيسبوك، أن قوات الجيش اقتحمت مقر الإذاعة والتلفزيون في مدينة أم درمان واعتقلت موظفين، وسط معلومات عن انقطاع خدمات الإنترنت بالعاصمة، وإغلاق مطار الخرطوم وتعليق الرحلات الدولية.
وقالت مصادر من أسرة فيصل محمد صالح المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء لـ «رويترز»، إن قوة عسكرية اقتحمت منزلها واعتقلت صالح.
وكثف عدد كبير من الوزراء والمسؤولين الذين اعتقلوا تصريحاتهم ضد الجيش في الأسابيع القليلة الماضية.
وندد حزبان رئيسيان هما حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني بما وصفاه بالانقلاب وبحملة الاعتقالات، لكن مجلس نظارات البجا قال إنه يعتزم إنهاء الإغلاق الذي تسبب في تقلص إمدادات الوقود بالبلاد، وهو أحد أوجه الأزمة المستفحلة، لما للمجلس من نفوذ في شرق السودان حيث أغلق ميناء بورتسودان على البحر الأحمر في سبتمبر الماضي ما أدى الى نقص حاد في الأساسيات.
وقالت قناة «الحدث» إن مجلس نظارات البجا عبر عن تأييده للإجراءات التي اتخذها الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
وكان من المفترض أن يسلم الجيش قيادة مجلس السيادة المشترك إلى شخصية مدنية خلال الشهور المقبلة، لكن السلطات الانتقالية واجهت صعوبات في التحرك بشأن قضايا رئيسية، منها ما إذا كانت ستسلم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية المطلوب لديها بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفي الأسابيع القليلة الماضية نسب مسؤولون مدنيون الفضل لأنفسهم في بعض المؤشرات الأولية على استقرار الاقتصاد بعد انخفاض حاد لقيمة العملة ورفع الدعم عن الوقود.
وإلى جانب التوتر السياسي يمر السودان بأزمة اقتصادية حادة أبرز سماتها تضخم قياسي مرتفع ونقص في السلع الأساسية، وإن بدأت تظهر مؤشرات على تحسن الوضع بعض الشيء مع تدفق مساعدات دولية. وحمدوك اقتصادي ومسؤول سابق بالأمم المتحدة عين رئيسا للوزراء عام 2019، وهو تكنوقراطي يحظى باحترام دولي كبير.
ورغم شعبيته وسط الجماعات المدنية المؤيدة للديموقراطية، واجه صعوبات في الحفاظ على مسار العملية الانتقالية بسبب الانقسامات السياسية بين العسكريين والمدنيين والضغوط الناجمة عن الأزمة الاقتصادية.