- معركة الرقة اشترك فيها رجال الكويت من حضر وبدو ونجادة واستمرت 6 ساعات وغنموا ذخيرة ومدافع نصبوها على الشاطئ تخليداً لذكرى الانتصار
- ظهور الكويت كمركز تجاري واقتصادي قوي في الخليج أثار طمع بني كعب فحاولوا الاستيلاء عليها بحجة رفض الزواج
- بسفن صغيرة وسريعة.. وبذكاء البحارة ودهائهم تمكن الكويتيون من إلحاق الهزيمة بالغزاة أصحاب السفن الكبيرة والمجهزة
- أهل الكويت جميعاً وقفوا سنداً لأميرهم عبدالله بن صباح في رفض زواج ابنته مريم من ابن حاكم المحمرة وعبدان
كتبت أقلام عديدة قبل فترة وجيزة حول معركة الرقة البحرية أو معركة «إخوان مريم»، وذكروا أن هناك فئة واحدة فقط في الكويت هي التي دافعت عن الكويت، ومريم هي ابنة الشيخ عبدالله بن صباح الحاكم الثاني للكويت والذي كان يعرف في تاريخ الكويت باسم الشيخ (عبدالله الأول). وسأقوم هنا بتحليل جغرافي وتاريخي للمعركة الشهيرة بتاريخ الكويت والتي تعرف بمعركة الرقة البحرية وظهرت فيها نخوة «إخوان مريم».
معركة الرقة كانت معركة بحرية في عهد الشيخ عبدالله الأول (عبدالله بن صباح) الحاكم الثاني للكويت، ولم يكن مسرحها الأرض أو الصحراء كبقية الحروب التي خاضتها الكويت في تاريخها بل مختلفة تماما عن بقية المعارك، وهي معركة بحرية دارت رحاها في مياه الخليج العربي، وبالتحديد أمام (خليج الكويت) الذي كان يعرف سابقا باسم (جون الكويت).
وقعت المعركة في الحد البحري الفاصل بين جزيرتي مسكان من الجنوب وجزيرة بوبيان من الشمال، وهو فاصل بحري ضحل المياه وارضيته عبارة عن طين وغرين وطمي بسبب ترسب مياه نهر شط العرب في هذه المنطقة، ما رفع من منسوب الارضية فيها وأصبحت منطقة طينية ضحلة.
وأحب ان أشير هنا وحسبما يذكر أجدادنا إلى أن أول معركة حربية نشبت في تاريخ الكويت كانت معركة أو موقعة (الرقة) التي وقعت مع أول اطلالة شروق شمس يوم الثلاثاء 14 من شهر رمضان 1197 هجرية الموافق 12 أغسطس 1783، وتحديدا في الساعة (5:14) صباحا وهو موعد ثابت لا يتغير ويكون في هذا الوقت تقريبا في كل سنة.
ومعركة الرقة وقعت بين أهل الكويت وبني كعب بن نصار الذين كانوا يسيطرون على منطقة المحمرة وعبدان في الأحواز العربية والمحتلة من قبل إيران حاليا والتي تسمى بمنطقة (عربستان) حيث تقدم حاكم منطقة المحمرة وعبدان وهو الشيخ بركات بن عثمان بن سلطان من بني كعب بطلب يد الشيخة مريم ابنة حاكم الكويت الشيخ عبدالله بن صباح، وواجه الشيخ عبدالله جراء هذا الطلب مشكلة كبيرة لا يعرف كيف يتخلص منها فإما ان يخضع ويقبل بزواج يعتبر في حكم الاوضاع في ذلك الوقت مهينا أو أن يدخل في حرب كانت في اعتقاده غير متكافئة بين بلدين، احدهما ذو مال وعتاد ورجال لديهم القوة والامكانيات المادية ويعتبر دخولهم هذه الحرب كأنهم في نزهة بحرية، وبين بلد فقير جدا قليل المال والرجال والعتاد وليس في هذا البلد ادنى مقومات الحياة.
لم يجد الشيخ عبدالله بداً من ان يستشير اهل الكويت حول هذه المسألة الشائكة والمعضلة الكبيرة، فوجد الدعم كل الدعم من أهل الكويت حيث رفضوا دون استثناء أمر زواج ابنته الشيخة مريم وهي ابنة حاكم الكويت، اتفاقا مع التقاليد السائدة، من ابن حاكم المحمرة.
كان رد أهل الكويت كلهم للشيخ عبدالله عندما استشارهم بهذا الزواج بالحرف الواحد (بنتنا ما تاخذ واحد مو من مواخيذنا)، فرد عليهم الشيخ عبدالله ان هذا الرفض يعني لا محالة من الدخول في حرب بين البلدين، فرد عليه اهل الكويت (أهلا وسهلا بالحرب ولا زواج مذلة تاخذ فيه البنت شخص مو من مواخيذها) وتم رفض طلب هذا الزواج ليس من والدها فحسب بل من الكويت كلها التي اصبح رجالها كلهم اخوانا للبنت مريم.
هذا الرفض كان يتوقعه حاكم منطقة المحمرة وعبدان، وكان يعلم علم اليقين أن طلب زواج ابنه من ابنة شيخ الكويت سيرفض لا محالة، وانما جعل هذا الرفض حجة كبيرة في دخول الحرب ضد الكويت، واعتبر هذا الرفض اهانة له بالفعل قرر الدخول في حرب ضد الكويت وأهلها.
ويذكر الوالد العود (محمد الداود المرزوق) رحمة الله عليه لكاتب هذه السطور أن الجد الكبير لعائلة المرزوق كلها في الكويت وهو المرحوم (محمد بن مرزوق بن عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز السبيعي) لم يشترك في هذه المعركة البحرية لكبر سنه وانما ارسل ابنيه (عبدالله وعبدالعزيز) في فترة شبابهما الى هذه الحرب، واستخدما سفينتين يملكهما والدهما وهما من نوعي الشوعي حيث اشتهر هذا النوع من السفن بتلك الفترة في الاستخدام البحري التجاري في الكويت واللتين كان يستخدمهما في الغوص والطواشة والاعمال التجارية، ودخل الاخوان (عبدالله وعبدالعزيز ابنا محمد المرزوق) بهاتين السفينتين في هذه المعركة.
أما معركة الرقة البحرية التي انتصر فيها أهل الكويت فإن الأسباب الحقيقية لقيامها فهي أسباب اقتصادية بحتة بالدرجة الأولى طمعا في تجارة الكويت ومينائها الطبيعي، وأن مسألة زواج ابن حاكم المحمرة من ابنة شيخ الكويت ما كانت إلا ذريعة استخدمت لاحتلال الكويت، بعد أن ظهرت كمركز تجاري واقتصادي قوي في الخليج أثار طمع الكثير من الدول المجاورة في محاولة الاستيلاء عليها، وكانت من هذه الدول منطقة عربستان المحتلة حاليا من إيران، فحاول بنو كعب الاستيلاء على الكويت، وتذرعوا برفض الشيخ عبدالله خطبة أحد أبناء زعيم بني كعب الشيخ بركات بن عثمان بن سلطان لابنته الشيخة مريم، فأمر الشيخ بركات قومه أو جماعته بإعداد حملة بحرية لتحقيق أطماعهم بالكويت، فعلم أهل الكويت بالحملة فخرجوا إليها لملاقاتها، والتقى الفريقان في مكان يسمى الرقة (الرقة أو الرق باللهجة الكويتية تعني مكانا في البحر غير عميق إذا انحسرت عنه المياه ظهر الطين أو كاد يظهر، وهذا سبب تسمية المكان والمعركة باسمه).
وكانت سفن بني كعب كبيرة وثقيلة، بينما كانت سفن الكويتيين صغيرة الحجم خفيفة وسريعة الحركة، واختاروا هذا النوع من السفن بسبب معرفتهم بطبيعة مكان المعركة ووقتها، ولم يبدأ الكويتيون بالمعركة بل انتظروا حتى حصول حالة (الثبر) وهي حالة الجزر بالبحر، وعند حدوث الجزر وانحسار مياه البحر لم تستطع سفن بني كعب الكبيرة الحجم التحرك، وبقيت ساكنة في مكانها يمنعها الطمين والطين من الحركة في المياه الضحلة.
وساعدت الطبيعة التي عرفها رجال الكويت حق المعرفة في سيطرتهم على ساحة المعركة، فقد اختاروا السفن الصغيرة الحجم ذات الغاطس الصغير الذي يؤمن لها سرعة حركتها، حيث كانت السفن الكويتية الصغيرة تتحرك تحت سفن بني كعب الكبيرة، مستخدمين سرعة التيارات البحرية وأخذوا يطلقون النار على خشب السفن المعادية من اسفل السفن، وهي واقفة في مكانها ما أدى الى تحطم وتكسر الألواح الخشبية الخارجية للسفن المعادية، وعندما تحولت حالة البحر الى حالة المد (السجي) وارتفع منسوب ماء البحر تدفقت المياه وبقوة إلى داخل السفن المهاجمة وأغرقتها في مياه الخليج بهذه المنطقة، والسفن كانت كلها واقفة تماما غير قادرة على الحركة.
معركة الرقة اشترك فيها كل رجال الكويت من حضر وبدو ونجادة مـــع (أبو مريم) وكلهم كانوا سندا وظهرا قويا يستند إليه، وأصبحت صيحة نخوة أهل الكويت جميعا (حنا اخوان مريم) وهذه المعركة البحرية هي من المعارك السريعة والخاطفة والتي استمرت بين 5 و6 ساعات، حيث انتهت مع ساعات الظهيرة، وغرقت السفن الكبيرة المهاجمة في هذا الوقت، كانت المعركة في حكم المنتهية لصالح أهل الكويت، بفعل ذكائهم وفطنتهم الذين استغلوا فيها الطبيعة لصالحهم.
وعاد أهل الكويت من هذه المعركة بكثير من الغنائم التي شملت الذخيرة والمدافع ونصبوها على الشاطئ تخليدا لانتصارهم، بينما كان الغزاة من بني كعب في وضع بائس ولم يرجع منهم إلى ديارهم سوى من نجا بأعجوبة من هذه المعركة.
وحاول الشيخ بركات بن عثمان تجهيز حملة أخرى ولكن شعبه قابل تلك المحاولة بالرفض، وابلغوه بأنهم مستعدون للقتال في حالة الدفاع عن وطنهم وليس في سبيل زواج ابن الشيخ، وبسبب ذلك الرفض حصل عصيان على الشيخ بركات من قبل قومه أو جماعته وانتهى العصيان بمقتل الشيخ بركات بن عثمان بن سلطان شيخ بني كعب.
انتهت هذه المعركة البحرية بنصر الكويتيين على بني كعب بن نصار، ويرجع سبب انتصار الكويتيين في المعركة إلى عدة أسباب منها ما يلي:
1- الخطأ الملاحي في استخدام الطريق الشمالي في دخول بني كعب المياه الكويتية وهو طريق غير صالح للملاحة البحرية.
2- طبيعة أرضية قاع الخليج العربي تتكون من جزأين، الأول من قاع الخليج، وفي الجهة الغربية والمحاذية للبر في شبه الجزيرة العربية هي مياه ضحلة جدا، بينما نجد أن أرضية قاع الخليج في الجهة الشرقية المحاذية للبر الفارسي مياه عميقة جدا (ويطلق عليها اسم البحر مياور فيها) أي ان السفن تقف على الشاطئ.
3- جهل الغزاة التام بخطوط الملاحة في منطقة اقصى شمال الخليج العربي واستخدامهم الممر البحري الضحل الذي يقع بين جزيرة (مسكان) وجزيرة (بوبيان).
4- لا يمكن ان يكون اختيار وقت شروق الشمس في منتصف الشهر الهجري جهلا من الغزاة بحركة المد والجزر في مياه منطقة شمال الخليج العربي، ولكن قد ارادوا مفاجأة الكويتيين في أوقات غير متوقعة.
5- طبيعة أرضية قاع الخليج العربي الضحلة وحالة الجزر (الثبر) تكون بصورة أوضح في الجهة الغربية من الخليج.
6- من المعروف في منطقة الخليج العربي أنه في منتصف الشهر القمري يكون البحر في أدنى حالة جزر مع شروق الشمس، ويكون البحر في أعلى مد له مع وقت الظهيرة.
7- من المعروف أن منتصف أيام الشهر الهجري هو من أيام تيارات الحمل البحرية المعروفة بسرعتها وشدة اندفاعها، الأمر الذي ساعد السفن الصغيرة على سرعة التحرك تحت السفن الكبيرة للغزاة.
8- دخول السفن الغازية بسرعة للوصول الى الكويت في طريق بحري يقع في شمال جزيرة مسكان وجنوب جزيرة بوبيان وهي منطقة طينية مياهها ضحلة (منطقة رق) وعليها سميت (الرقة).
9- هاجم بنو كعب بن نصار الكويت بسفن خشبية شراعية كبيرة الحجم ذات غاطس عميق في مياه ضحلة لنقل أكبر عدد من الجنود.
10- خطأ اختيار المهاجمين وقت شهر رمضان المبارك لهذه المعركة وهو الشهر الذي لا يذهب فيه الرجال الى الغوص ويكونون متواجدين داخل الديرة، الأمر الذي أدى الى خروجهم كلهم بسفنهم الى البحر والاشتراك بهذه المعركة.
11- ان السفن التي استخدمها الكويتيون في هذه المعركة كانت صغيرة الحجم وغاطسها صغير ما ساعدهم على سرعة التحرك تحت السفن المهاجمة.
12- تحرك السفن الكويتية الصغيرة بين السفن المهاجمة الكبيرة وإطلاق النار عليها من تحتها ما تسبب في غرقها وعندما (دارت الماية سجي) تحولت مياه الخليج الى حالة المد.
الكويت لم تدخل حربا كهذه دون أن يكون لها أسطول بحري تعتمد عليه في حياتها اليومية والتجارية أو العسكرية، ولا بد أن يكون عندها من يستطيع من الأشخاص القادرين على صنع هذه الأسطول، ودلائل التاريخ العديدة تشير إلى أن الكويت كانت قادرة على صنع أسطولها بنفسها، حيث لديها من الصناع المهرة الذين صنعوا سفنا دخلوا بها التاريخ.