تولى ديڤيد بارنياع رئاسة جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في فترة فارقة، فمن ناحية تشكلت حكومة جديدة، ومن ناحية أخرى تصعد هذه الحكومة الضغط على الإدارة الأميركية لعدم العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
ومنذ ما قبل دخول إدارة الرئيس الاميركي الاسبق باراك أوباما الاتفاق الدولي مع إيران عام 2015 مرورا بانسحاب إدارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب عام 2019 وصولا إلى قرار الإدارة الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن العودة إلى هذا الاتفاق، اعتمدت إسرائيل على معلومات استخبارية وفرها الموساد.
ولدى تسلمه مهامه رسميا في يونيو 2021، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو لبارنياع «إن أكبر تهديد يحدق بنا هو التهديد الوجودي الناجم عن مساعي إيران للتزود بأسلحة نووية».
وأثار تسريب وسائل إعلام اسرائيلية أنباء استقالة 3 من كبار القادة في الجهاز الاستخباري الإسرائيلي استقالاتهم في الأسابيع الأخيرة علامات استفهام.
ومن النادر الكشف عن استقالات في الجهاز التي جاءت قبل أسابيع قليلة من استئناف الجولة السابعة من المفاوضات حول الاتفاق الدولي مع إيران في ڤيينا نهاية نوفمبر الجاري.
ولم يعلق جهاز «الموساد» رسميا على هذه الأنباء.
وأشار موقع «إسرائيل 24» الإخباري، مؤخرا، الى أن المسؤولين الثلاثة برتبة لواء، وأن استقالتهم جاءت بعد أشهر من تولي برنياع منصبه.
وأضاف الموقع أن الثلاثة المستقيلين، هم: رئيس قسم التكنولوجيا، ورئيس قسم مكافحة الإرهاب، ورئيس قسم «تسوميت» المسؤول عن تشغيل العملاء مشيرا الى أن الاستقالات جاءت بعد تغييرات تنظيمية، أجراها برنياع.
ورأى الخبير الأمني الإسرائيلي روني شاكيد أنه سيكون لهذه الاستقالات تأثيرها ولكن سرعان ما سيتم تجاوزها من داخل الجهاز نفسه.
وقال الباحث في معهد ترومان بالجامعة العبرية في مدينة القدس المحتلة لوكالة «الأناضول»: «بطبيعة الحال فإن أي استقالات في قمة الهرم سيكون لها تأثيرها ولكن في نهاية الأمر فإن لكل مسؤول هناك بديل».
وأضاف «التأثير قد يكون لمدة شهر أو شهرين ولكن لا اعتقد أنه سيؤثر على عمل المؤسسة بشكل عام».
وتابع «أحيانا تحدث خلافات بين القادة، خاصة الجدد ومن يعملون معهم، والاستقالات تحدث في الجيش والمخابرات وهذا ليس بجديد».
واعتبر شاكيد أنه «ليس بالضرورة أن تؤدي الاستقالات إلى أضرار فقد تؤدي إلى تعزيز المؤسسة».
هزة في الموساد
ومع ذلك، فقد وصف المحلل العسكري للقناة الثالثة عشرة الإخبارية في التلفزيون الإسرائيلي ألون بن دافيد الاستقالات بأنها «هزة في الموساد»، وقال: «بعد التغييرات التنظيمية والانقسام بين الفرق التي يقودها بارنياع، أعلن ثلاثة من كبار المسؤولين المناظرين لرتبة جنرال في الجيش الإسرائيلي رحيلهم في الأسابيع الأخيرة».
وأضاف بن دافيد «الحديث هو عن مسؤولين كبار في الموساد، وهو أمر سيتم الشعور به، على نحو مؤثر».
ولكن ايتمار ايختر، المحلل الأمني في صحيفة «يديعوت أحرونوت» قال إن الاستقالات جاءت «بعد قرارات شجاعة اتخذها رئيس الموساد».
وكتب ايختر «قاد بارنياع تغييرا استراتيجيا في عمل الموساد، كانت هذه التغييرات بمنزلة قرار قيادي شجاع تثبت عدم جمود المؤسسة خاصة في مواجهة التهديد الإيراني».
ونقل عن مصادر، لم يسمها «لولا هذه التغييرات التي أدت إلى تقاعد ثلاثة رؤساء أقسام لكان الموساد فقد مكانته في طليعة أجهزة المخابرات حول العالم».
ولفت ايختر الى أن بارنياع قرر مع توليه منصبه تعزيز عمل «الموساد» في مجالي التكنولوجيا والعمليات بعد شعوره أن الجهاز متأخر في كل ما يتعلق بالتكنولوجيا.
عاصفة في فنجان
ويرى الخبير الأمني يوسي ميلمان أن الاستقالات قد تكون فاجأت بارنياع إلا أنه لم يتفق مع توصيفها بـ «الهزة» إنما «عاصفة في فنجان».
وكتب ميلمان في صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية «سافر بارنياع كثيرا مؤخرا، للتعرف على نظرائه في وكالات الاستخبارات الأخرى، وزيارة المرؤوسين في الخارج، والمشاركة أحيانا في مهمة سرية. لذلك فوجئ الأسبوع الماضي عندما سمع وقرأ تقارير عن الاضطرابات في الموساد».
وأضاف «ثلاثة رؤساء أقسام في الوكالة غادروا أو كانوا على وشك المغادرة. هذا صحيح، لكن هل هو اضطراب؟ إنها عاصفة في فنجان. اثنان منهم على الأقل متقاعدان ولا يغادران وسط مرارة أو حقد».
ورأى ميلمان أن «التغييرات كانت جزءا من ثقافة الموساد لعقود. يخدم رؤساء الأقسام عادة لمدة ثلاث أو أربع سنوات قبل الانتقال أو التقاعد».
ولفت الى أن بارنياع حاول ثني رئيس قسم مكافحة الإرهاب ورئيس قسم تجنيد العملاء عن الاستقالة بسبب تقديره لهما.
وكشف ميلمان النقاب عن أن «الاحتكاك الوحيد الملحوظ في قمة الموساد منذ تعيين برنياع كان مع ز» (الحرف الأول من الاسم بسبب منع نشر اسمه)، رئيس قسم التكنولوجيا، الذي قرر التقاعد في منتصف فترة ولايته بسبب خلافات مهنية.
وقال «عندما تولى بارنياع زمام الأمور أخبر «ز» عن تغييراته المخطط لها، والتي ستحد من بعض سلطته، ولكن «ز» اعترض وحاول إقناع بارنياع بترك التقسيم كما هو أو على الأقل الاكتفاء بإجراء تغييرات طفيفة».
وأضاف «لكن بارنياع عازم على الإصلاحات التي يرى أنها ضرورية بالنظر إلى التغيرات السريعة في وكالات الاستخبارات الأخرى لتطوير تقنيات رقمية جديدة».
وأشار ميلمان إلى أنه حدثت تغييرات هيكلية في الموساد منذ عقود، بناء على شخصية القائد واحتياجاته، وكان الهدف جعل الوكالة أكثر كفاءة وتحديث عملياتها.
وتابع «في الهيكل الجديد، أصبح قسم التكنولوجيا أكبر ميزانية للوكالة ومستهلك كبير من الموظفين، إذ ان ربع أعضاء الموساد البالغ عددهم 7000 في هذا القطاع».
ونقل ميلمان عن ضابط متقاعد من الموساد قوله «لا أحد يحب أن يشعر بأن مهنته أو مهاراته لم تعد مطلوبة».
واستطرد «سيستخدم الموساد برئاسة بارنياع المزيد من الذكاء الاصطناعي، وآلات التعلم، والروبوتات، والطائرات من دون طيار، والهجمات الإلكترونية دون أن ينسى القاعدة الأساسية بأن الموساد هو وكالة استخبارات تعتمد على المصادر والموارد البشرية».