- لنتصور أن لدينا جماعة لا يتركون شيئاً دون أن يدسوا أنوفهم فيه بحثاً عن خلل أو خطأ فإن لم يجدوا تخيلوا موضعاً انتقادياً فصار الجميل عندهم قبيحـاً واليسير عسيـراً وما يعجب المجتمع بأسره لا يعجبهم
- سلوك من يسير على نهج الانتقاد دون تقديم البديل لا يرضاه الدين الحنيف.. فانتقاد الجماعات والقيادات بهذا الشكل كأنه نفث سم يعكر الأجواء ويؤدي إلى الخصومات ويوقف عجلة التقدم
- المنتقد لكل شيء بـلا أدنـى دليـل ذو نفس مريضة يتأفف من كل ما يشاهده حتى ولو كان حسناً بل يقلب الحسن سوءاً ويحسب كل ما يحدث إنما هو نكاية به رغم أنه لا أحد يقصدهم
- المتخذون من وسائل الاتصال الاجتماعي المتاحة سبيلاً لبث ما في نفوسهم من أحقاد وأذهانهم من جهل ينبغي الحذر منهم ومن كتاباتهم وإذا أنكروا مرضهم فعليهم الإقلاع عن فعلهم وإيقاف كذبهم
- الانتقاديون عندنا مشكلة لا حل لها إلا بعزلهم لتجنب إفسادهم لكل ما تقع عليه أبصارهم وتبديد القلق بيننا وحماية مسيرة واستقرار البلاد من آثارهم والتأثير على الآخرين
خطر ببالي وأنا أفكر في موضوعي هذا المثل الذي كان يتردد بين بعض الناس في الكويت، ويبدو أنه قد جاءنا مع بداية تكاثر غير الكويتيين من العرب الذين جاءوا من عدة بلدان عربية من أجل العمل هنا منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، أقول هذا لأن المثل منتشر في البلدان التي أشرت إليها، ومنها: مصر وسورية وفلسطين وغيرها. وقد كثر استعماله لأن كل أولئك الذين التقوا في الكويت إبان تلك الفترة وما بعدها كانوا يرددونه، فلا غرابة ان يظنه البعض من أمثال الكويت. هذا المثل هو: «فلان ما يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب»وله أصل عربي ورد عنه حديث طويل في كتاب «مجمع الأمثال للميداني، ولكنه جاء فيه بصيغة مختلفة قليلا، فهو يقول: «العجب كل العجب بين جُمادى ورجب» وهو بهذه الصيغة لا يعنينا، لأن ما يلفت النظر إليه ابتداء عبارته بقول: لا يعجبه العجب، فهذا الشخص لا يرى في أي شيء أمامه أي جميع يذكر، ولا يستمع إلى ما يقال له فيعجب به، حتى ولو كان ما يسمعه رائقا رائعا.
ولا أريد أن أتحدث عن المصدر الذي أورد هذا المثل، وما قال عنه وهو كتاب كويتي قد سبق لي ذكر رأيي فيه، وطالبت بإعادة النظر به على ضوء الآثار التي تركها كاتبه الأصيل، ولكني أريد هنا أن أتحدث حديثا عاما فأقول إن أهم ما في هذا المثل هو قوله عن شخص ما إنه لا يعجبه العجب، أما إضافة ولا الصيام في رجب فقول لا محل له هنا لأن الصيام في شهر رجب كاملا منهي عنه. إلا اذا كان قائل المثل الأول يريد ان يقول ان صاحبه الذي يتحدث عنه لا يعجب إذا وجد شخصا آخر يصوم كامل الشهر مع انه منهي عن ذلك، او لمجرد السجع في القول.
والمهم عندي هنا أن أُبين القصد من كل ما قدمت وما سوف أُقدم في هذا المقال.
لقد أصبح من الواضح بدلالة القسم الأول من المثل المتقدم هنا ان المقصود هو الحديث عمن لا يقتنع بشيء ولا يسرُّه شيء، ولا يأخذه العجب إذا وجد ما يُعجب. ونستطيع أن نقول عن هذا الشخص إنه صاحب روح انتقادية تسيطر عليه في جميع حالاته، ولا يرى في الدنيا التي يعيشها إلا ما يستحق النقد وبعض الناس الذين ابتلاهم الله سبحانه بمثل ما ابتلي به هذا الشخص الذي وصفناه، لا يتركون شيئا دون ان يدسوا أنوفهم فيه بحثا عن خلل أو خطأ، فإن لم يجدوا تخيلوا موضعا من مواضيع الانتقاد فصار الجميل عندهم قبيحا، واليسير عسيرا، وما يعجب المجتمع بأسره لا يعجبهم.
وهذا - لا شك - داء شديد التأثير على صاحبه وعلى المجتمع. ونحن نستطيع أن نتصور بيننا الآن جماعة على هذه الشاكلة. ونعرف ان ما يصدر عنهم إنما هو نوع من الإثارة المخربة في المجتمع، والمؤدية الى السير به الى الخلف.
والغريب ان هذا الشخص يظن أنه هو المخلص الوحيد للوطن والمحب الوحيد لأبناء هذا الوطن، وأنه هو الناصح الأمين الذي يريد من الجميع الالتفات الى آرائه التي لا تخرج عن: الانتقاد.
ولأن حالة مثل هذا الشخص مرضية كما نتوقعها، فهو عندما يقدم الانتقاد أو يبدي رأيا مخالفا لما يجري من أعمال في البلاد فهو لا يقدم اقتراحا مفيدا ولا رأيا صائبا حتى لكأنه موكَّل بما يهدم كل عمل يقوم به غيره.
ونستطرد فيما بدأناه فنقول ان هذا السلوك ممجوج ومكروه، ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدل على ان سلوك من يسير على نهج الانتقاد دون تقديم البديل سلوك لا يرضاه الدين الحنيف، ونحن نقرأ في هذا الشأن الحديثين الشريفين الآتيين:
1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا. وكونوا عباد الله إخوانا».
(والتحسس: هو الاستماع الى حديث القوم، وهم لا يعلمون بذلك، والتناجش: المزايدة على السلعة بما يزيد على سعرها الطبيعي لمن لا رغبة له بالشراء. والتدابر: هو ان يقاطع المسلم أخاه المسلم).
2 - وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض الرجال عند الله الألد الخصم».
(والألد: الخصم هو الأشد في خصومته، الذي لا يترك مجالا للمصالحة، والخصم: هو المولع بالخصومة، لا يرتاح ما لم يكن مخاصما لأحد، وذلك إن لم تكن خصومته في الحق، كان يراد بها دفع باطل، أو إثبات حق. وفي غير هاتين الحالتين فمرتكب الخصومة لغرض خاص في نفسه، او حتى بدون غرض، فهذا ما نُهينا عنه).
ولا يبتعد صاحب السلوك الانتقادي عن كل ما نهى عنه الحديثان الشريفان اللذان ذكرناهما آنفا، إذ إن الخصومة من نتائج الانتقاد بلا مبرر، وكأن المرء فيها ينصب نفسه مسؤولا عن الخلق، يراقب أعمالهم ثم ينتقدها بلا وجه حق، إضافة الى ان بعض من ابتلاهم الله بروح انتقادية قد تعدوا الحدود الفردية، فصاروا ينتقدون الجماعات، وينتقدون القيادات، وكل ذلك لا مبرر له، لأن المنتقد لا يقدم مع نقده الدليل ولا البديل. وهو في كل ما يقول كأنه ينفث من داخل نفسه سما يملؤها، ولكنه سم يعكر الأجواء، ويؤدي الى الخصومات، ويوقف عجلة التقدم.
هذا في الحديث الشريف، أما الشعر العربي القديم، فلم يترك هذا العيب دون ذكره ناهيا عنه. وهذا هو الشاعر عمرو بن امرئ القيس الأنصاري يخاطب آخر هو مالك بن عجلان:
يا مالِ والسيّدُ المعمّمُ قد
يُبطِرُه بعضُ رأيِه السَرِفُ
نحنُ بما عندنا وأنتَ بما
عندكَ راضٍ والرأيُ مختلفُ
خالفتَ في الرأي كلَّ ذي فخر
والحقُّ يا مالِ غيرُ ما تَصِفُ
لقد خالف مالك بن عجلان الحق، ولم ينصف قوم الشاعر فيما قاله عنهم مما يظهر انه لا يخرج عن دائرة الانتقاد بلا بيّنة، ولذا فقد قال له الشاعر، والحق يا مالك غير ما تصف.
(مال: بحذف الكاف من مالك، عمل يسمى في علم النحو: الترخيم، أما باقي الأبيات فهي واضحة المعاني).
هذا وأمثال المنتقد لكل شيء بلا أدنى دليل، إنما يصدر في نقده عن نفس مريضة. وهو وكل من هم على شاكلته من النوع الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم، كأنهم خُشُب مسنَّدة، يحسبون كلَّ صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون) سورة المنافقون، الآية رقم (4).
وهذه هي صورة من نراهم اليوم من المنتقدين لكل شيء، بدون أن يكون لديهم دليل قاطع، أو نية في الإصلاح جلية، وهم يتحدثون في مجالسهم بشكل يلفت الأنظار، حتى ليغتر بعض الناس بمظهرهم، فيظنون أن مخبرهم مثله. ولكن الواقع أنهم مثل الخشب المسندة، لا فائدة ترجى منها في حالتها تلك، وأنهم يعانون من مرض نفسي يجعلهم يظنون كل صيحة عليهم، في الوقت الذين لم يقصدهم أحد بذلك، وهم يتأففون من كل ما يشاهدونه من أعمال حتى ولو كانت حسنة، بل إنهم ليقلبوها الى العكس في كل ما يقولون، لأنهم يحسبون كل ما يحدث إنما هو نكاية بهم.
>>
وينبغي قبل كل شيء ان يكون واضحا ان النقد البنّاء مفيد، وذلك إذا كان نقدا لا يتضمن تجريحا، ويكون في أمور بينة يدلي بها المنتقد ثم يقدم في مقابلها البديل إن استطاع. وهو مخالف لما أشرنا إليه فيما فات. ولكن مما يؤسف له أن أصحاب الشخصية الانتقادية فيهم من هم من الجهلة الذين نستطيع أن نصفهم بالغوغاء، وفيهم - أيضا - من هم على مستوى علمي جيد. ولعل هذا ما يدل على ان الانتقادية وهي الانتقاد بلا هدف إلا الانتقاد إنما هو مرض نفسي كما أشرنا. وأشد ما يؤذي المرء في هذا ان بعض المنتقدين من يستمع الى قولهم ظنا انهم على بينة، ولكن الواقع غير ذلك، والدليل على قولنا هذا ان هذا النوع من المنتقدين لا يفسرون ما يقولونه من انتقاد بل يرمون الأمر جزافا. وهم يكثرون من ذلك بحيث نرى أحاديثهم كلها لا تخرج عن دائرة الانتقاد، ثم لا نرى منهم اقتراحا نافعا او رأيا سديدا في أي قضية من القضايا التي تهم الجميع. وكأنهم إنما خلقوا للانتقاد وحده.
وهناك نوع آخر أشد إيذاء، وهو النوع الذي يتخذ من وسائل الاتصال الاجتماعي المتاحة سبيلا لبث ما في نفسه من أحقاد، وما في ذهنه من جهل، ومثل هؤلاء ينبغي الحذر من الاستماع الى ما يقولونه او قراءة ما يكتبونه، لأن كل ذلك إنما يصدر عن نفس مريضة. وإذا كان أي من هؤلاء ينكر انه مريض نفسيا فليقلع عن هذا الذي يفعله ويوقف سيل الأكاذيب التي يدفع بها عبر تلك الوسائل ليلا ونهارا.
وبالتأكيد، فإننا نخرج من كل ما مضى الى المبتلى بداء الانتقادية إنما يعبر عن رأي شخصي لا يستطيع الدفاع عنه، وليس عنده البديل عن أي شيء ينتقده، وهو شخص أناني يحب ذاته، ويكره الآخرين، وقد اكتشف كثير من الناس هذه الظاهرة، وعرفوا عددا من الأشخاص الذين يتصفون بها، فصاروا يبتعدون عنهم، ويتفادون السماع لهم، بل وينفرون من المجالس التي يجلسون بها، لأنهم يستغلون ذلك لكي ينفثوا سمومهم على كل شيء، فيؤدي ذلك الى السكوت عنهم على مضض، او الاشتباك معهم في عراك مكشوف، ولذلك يبتعد المستمعون.
أظن أنه قد اتضح الآن القصد من إثارة موضوع الانتقاد هو التنبيه الى مضار الانتقاد السلبي الذي يهدم ولا يبني، اما الانتقاد الإيجابي الذي يدل على الخطأ ويبرره، وقد يقترح له البديل فذلك ليس مجال حديثنا هنا. وقد مرت إشارة الى ذلك قبل قليل. ولكي ندلل على هذا الموقف فإننا نلجأ الى بعض ما كتب في هذا الشأن من قبل بعض المختصين الذين درسوا حالات الانتقاد المرضي وقدموا وصفا للمرض وللمريض، ومن ذلك:
لا يدري الشخص ذو الصفة الانتقادية انه مكروه من الجميع بسبب ما يقوم به من إذاعة أخطاء غير موجودة وانتقادات لا أساس لها، ومن يسمعه من الناس ثم يبحث وراء ما يقوم به فإنه يراه قد تجاوز الحقيقة، وأساء الى الذين ينتقدهم، ولذا فهو في حاجة إلى علاج نفسي يصلح حاله، ويعيد إليه احترام الناس ومحبتهم.
ولعل من الشيء في صاحب الشخصية الانتقادية أنه يخوض في انتقاد الأشخاص والمؤسسات، بل إنه لا يرى شيئا مستقيما في هذه الدنيا فالكل عنده مخطئ، وهذا في كثير من الأحيان غير صحيح في دنيا الواقع.
ومع ذلك فهو لا يقبل من أي كان ان يوجه إليه نقدا، وكأنه هو الوحيد المنزه عن الأخطاء، بينما يتحمل الآخرون - في رأيه - كل خطأ. لأنه يفضل رأيه الشخصي الذي لا يقبل عنده أي جدل، وهو غير ملائم لطبيعة الأشياء ولا لما تعارف عليه الغير، ومن هنا يبدو ان حب الذات يسيطر عليه، كما يبدو انه يرى نفسه الأفضل، ولذا فالكل عنده مخطئ، وهذا ما يؤثر سلبا على المجتمع اذا تكاثر أعداد من هم مثله.
بعد هذا فإننا لن نقوم بتعريف الشخصية الانتقادية، فما تقدم فيه الدليل عليها، ولا العوامل التي أثرت في الشخص الانتقادي فجعلته يتحول الى هذه الطبيعة المؤذية للبشر، وقد يكون هذا الذي يجعل الانتقادي على ما هو عليه بسبب عوامل مؤثرة أدت الى تكوين شخصيته الغريبة التي تجعله يفقد الشعور بالرضا عن أي شيء يصادفه، وعن أي عمل يراه قد تم في مجتمعه، وقد يكون من هذه العوامل: الوراثة إذ ربما كان لأسرته وبخاصة الأب أو الأم من أثر في شخصية هذا المسكين فحوله الى ما نراه، ومن العوامل المؤثرة - أيضا - النشأة وما يكتسبه من مجتمعه، فيدخل في تكوين شخصيته، ويؤثر على مجموع خبراته وانفعالاته ويتعدى ذلك الى التأثير على أسلوب تعامله مع غيره.
ويؤثر عليه كذلك الاستقرار او عدمه، فالشخص الذي نراه ذا شخصية انتقادية لابد وأن تكون حياته في الأصل غير مستقرة، وكل هذا بعد ما تقدم فإن الشخص المصاب بهذا الداء النفسي الوبيل ربما كان قد أصيب بسبب ما اكتسبه بحكم الأعراف والتقاليد التي عاش في المجتمع وهو خاضع لها.
ولقد حلل أحد المختصين حالة ذي الشخصية الانتقادية فذكر ان هذا النوع من الشخصية كما يقول:
«الشخصية الانتقادية هي تلك الشخصية التي نراها توجه النقد دائما لكل من حولها، سواء أكان هذا على التصرفات ام على الأفعال وبخاصة لمن يعارضها ممن حولها».
ويتصف الشخص الانتقادي بأنه يتحدث في كل شيء مما هو من الأمور الحياتية المختلفة، إن كان يفهم فيها او لا يفهم. ويتميز مع هذا بأنه ذكي ولكن ذكاءه لم يخرجه من هذا المأزق.
ويتصف هذا الشخص بأنه يعتمد بشكل كبير على من حوله، ولديه قدر كبير مما يساعده على معرفة طرق إرضاء الآخرين.
وفي غالب الأحيان، فإن هذا المصاب يرى وحيدا لأن كل من يكتشف حالته هذه فإنه يبتعد عنه فورا. وهو لا يشعر بالسعادة فهو حزين في كل وقت، وهو كاسف البال لأنه مشغول بالبحث عن عيوب الآخرين التي لا يراها غيره.
هذا ولقد تكرر البحث في شخصية الانتقادي، من كل الوجوه، حتى لقد وصل هذا البحث الى طفولته، إذ تساءل الباحثون هل كان هذا المريض يعيش طفولة لا مشاكل تعترضه فيها، بحيث نراها قد أثرت فيه تأثيرا سلبيا بعد ان كبر؟
ومن الغريب ان الانتقادي، وهو ينتقد الجميع بحيث لا يسلم من ذلك حتى الذين حوله، لا يقبل - بأي حال - ان ينتقده أحد، فهو يرى نفسه فوق النقد، وهذه حالة سيئة من حالات هذا النوع من البشر الذين يؤدي انتقادهم الى كثير من المشكلات، ولكنهم يبيحون لأنفسهم نقد كل شيء وكل إنسان.
والانتقادي لا يحب ان يجادله أحد، بل يريد من الجميع تقبل كل ما يقوله ومن أجل هذا فينبغي ألا يجادل أبدا.
وفي سبيل التعايش مع الانتقادي فإن مما يجب على المرء أن يتجنب ما تبدر عنه من تصرفات، بل ينبغي تجاهل ذلك. لأن من أشد الأمور على الانتقادي ان ينتقده أحد، وهو يثير زوبعة في وجه من يوجه إليه اي انتقاد.
وإذا أراد الرجل السوي أن يبقي على علاقته بالمصاب، فما عليه إلا ان يتعاطف معه وبخاصة إذا وجده ممن يعاني المشكلات فيما حوله، وفي شؤون حياته بعامة، ومن العلامات اننا نرى الانتقادي - أحيانا - غير سعيد، وهذه دلالة على انه غير راض عما يصدر عنه من تصرفات، وهذا ادعى الى التعامل معه برفق.
وليس بمستغرب ان تؤدي انتقاداته الى الكشف عن عيوب خفية، وهذا ما يدعو الى تجنبها إضافة الى التعامل الحسن معه.
وليس معنى هذا ان يتم الاستسلام له دائما. فهذا أمر غير منطقي لأن المطلوب هو التعامل معه بشدة في الأحوال التي تقتضي ذلك حتى يجد انه ينبغي ان يضع لنفسه حدودا لا يتجاوزها. وفوق ذلك فإن على من له صلة به أن يعبر له عن رأيه فيه بكل وضوح، إذ ربما استفاد من النصائح التي قد يتلقاها من أصحابه بين وقت وآخر، كما انه ينبغي ان يعرف الآثار التي يتركها في نفوس من ينتقدهم، وهي خطوة قد تؤدي الى التخفيف من وضعه الانتقادي.
والشخص الانتقادي كما رأينا من أحواله خلال كل ما تقدم، رجل مريض نفسيا، وقد يكون غير مدرك بأن انتقاداته الكثيرة قد تسبب أذى بليغا فيمن يتحدث إليهم، والمريض لابد وأن يؤخذ عند الحديث معه، بالمجاراة واللطف، وألا يكون ما يوجه إليه من قول صادما له، فيثير ما فيه من كوامن، والكلمات الطيبة لها أثرها فيه، ومنها يفهم ان إصراره على رأيه قد يؤدي الى مشكلات، وأن محاولة التغيير قد تفيده.
ينبغي أن يحاول الإنسان السوي ان يتعامل مع الانتقادي تعاملا إيجابيا بحيث يستطيع ان يكتسبه. ولكنه إن لم يجد تجاوبا من هذا الانتقادي، ورآه مصرا على عنفه وانتقاداته للناس بما هو باطل، وفشل في تقويمه، فعليه ان يبتعد عنه نهائيا حتى يرتاح من العناء مع شخص مثله.
>>
وختاما، فإن الأشخاص الانتقاديين عندنا مشكلة لا حل لها إلا بعزلهم، لأنهم بانتقاداتهم غير المبررة والمستمرة التي يتناولون فيها كل ما يقع تحت أبصارهم يفسدون كثيرا من أمور حياتنا، ويبثون القلق بيننا، وهذا ما يؤثر على مسيرة البلاد، واستقرارها. وأخطر ما يكون من هؤلاء حين يظن من يستمع إلى أي انتقادي منهم انه يقول الحق، فيتبنى أقواله، ويدعو له، ولهذه الأقوال، على الرغم مما في هذا من إفساد للرأي العام كله، وللحياة الاجتماعية برمتها.
وتأتي المشكلة الأكبر حين يعطي صاحب الشخصية الانتقادية الفرصة للحديث في الأماكن العامة، او في وسائل الإعلام المختلفة او تكون له وسيلة توصله الى أجهزة التواصل الاجتماعي المعروفة، فيجد لنفسه - وهو المريض النفسي - طريقا لنشر نتائج مرضه بين الجمهور، وقد يكون من بين المستمعين من يسمع أقواله فيسير على منواله، ثم ينشر ما استمع اليه، وبذلك فإننا نرى هذه الانتقادات غير المسؤولة قد ذاعت بين الناس، وانتشر ضررها في كل مكان. ولذا فإن من الواجب علينا - حرصا على الاستقرار والعيش باطمئنان وسلام - الانتباه الى هذا النوع من البشر ومحاولة عزله، ومحاولة إصلاحه، ومن السهل معرفة من هم على هذه الشاكلة فنحن نشاهد أعمالهم، ونستمع الى ترهاتهم. وقد آن الأوان من أجل كشف هؤلاء المرضى حتى تستقر الحياة عندنا.
حفظ الله الكويت وأهلها من كل مكروه.