بقلم: سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت لي مينغ قانغ
لفتت «قمة الديموقراطية» التي ستنعقد قريبا أنظار مختلف الأطراف، إذ تعتبر الديموقراطية من نتاج تطور الحضارة السياسية للبشرية، وتتنوع التفسيرات والتطبيقات لها طوال العصور الماضية رغم أن معناها الأصلي يكمن في أن يكون الشعب سيدا لبلاده.
وفي ظل ذلك، أود أن أتحدث عن رأيي فيها.
الديموقراطية ليست مشروب «كوكاكولا». إن الظروف الوطنية في دول العالم تختلف، والنظام السياسي المتبع في كل دولة يختلف عن الآخر ويكون القول الفصل بيد شعبها، وتمت بلورته بعد تطوره وتغيره القائمين على أساس التاريخ والثقافة والتقاليد والظروف الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدولة منذ فترة طويلة.
ولهذا السبب بالذات، فمن الطبيعي ألا تكون آراء الدول تجاه معنى الديموقراطية والطرق التي تختارها لتحقيق الديموقراطية بنفس النمط.
ويتحتم بذلك أن الديموقراطية ليست مثل مشروب «كوكا كولا» ذي الطعم الواحد في أنحاء العالم.
الديموقراطية ليست شعارا. كيف يمكن الحكم ما اذا كانت دولة ما ديموقراطية أم لا؟ إن المقياس الأساسي يكمن فيما إذا كان الشعب سيدا حقيقيا لدولته.
إن الديموقراطية ليست زخرفة معروضة، وإنما يجب أن يتم من خلالها الإصغاء إلى الأصوات المنبثقة من قلوب أبناء الشعب، وحل المشاكل التي يواجهها.
تتمسك الصين بأن يكون الشعب مركزا لها، وتتمسك باستكمال الديموقراطية وتحسينها وتطويرها في ضوء الظروف الوطنية للبلاد، وبذلك شكلت الديموقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة.
يوجد في الصين أكثر من 2.62 مليون نائب في مجالس نواب الشعب على مستوى البلاد والمقاطعة والمدينة والمحافظة والبلدة، وجميعهم منتخبون.
وخلال عملية استطلاع الرأي عبر الانترنت التي جرت تمهيدا لإعداد وصياغة الخطة الخمسية الـ14 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للصين، تم تلقي أكثر من مليون تعليق، وبلورة أكثر من ألف اقتراح بناء على ذلك.
وفي العقود الماضية، نجحت الصين في تخليص أكثر من 800 مليون شخص من الفقر المدقع بشكل تام، وخلقت معجزة لا مثيل لها بالعالم فيما يتعلق بتخفيف حدة الفقر.
وشهدت الصين استحداث فرص عمل جديدة لصالح أكثر 10 ملايين شخص سنويا لـ15 عاما متتاليا، مما ضمن التوظيف الذي يعتبر أكبر أمر يتعلق بمعيشة الشعب.. لا تكون الديموقراطية ناجحة إلا إذا تحمل الشعب بالرضا والسعادة.
الديموقراطية ليست أداة
إن الديموقراطية من المساعي المشتركة للبشرية، لكن من الأسف البعض يقسم دول العالم إلى مستويات متفاوتة ويثير الانقسام والعداء بالتعمد بحجة الديموقراطية، لدرجة أن يستخدمها كـ«السلاح» من خلال فرض النظام الذي يتبعه على غيره للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، في محاولة باطلة لـ«توحيد العالم».
إن هذه التصرفات لا تفيد شيئا لوحدة المجتمع الدولي وتعاونه، وإنما ستدفع العالم حتما إلى الهاوية الخطيرة، وهناك سوابق لا تحصى في هذا الصدد.
يعد بحث الديموقراطية وكيفية تحقيق الديموقراطية على نحو أحسن أمرا جيدا بالأصل، لكن الأفعال المتمثلة في فصل المعسكرات على أساس الإيديولوجيا، والترويج بأن الديموقراطية المتبعة من قبل الذات هي «الديموقراطية الحقيقية» والحط من التطبيقات الأخرى للديموقراطية حتى إثارة افتراءات بشأنها، هي بحد ذاتها تصرفات غير ديموقراطية مفادها تمجيد الذات وقمع آراء الآخرين.
وبغض النظر عما تسعى إليه «قمة الديموقراطية» على أرض الواقع، فمن البديهي أن هناك خللين كبيرين:
أولا، هناك مجرد دولتين اثنتين مدعوتين لحضور القمة في منطقة الشرق الأوسط، أليست هناك ديموقراطية في الدول الأخرى؟ يوجد في دين الإسلام منذ بدايته نظام الشورى.
الكثير من قادة الدول العربية يفتحون أبوابهم أمام أبناء الشعب لاستقبالهم بشكل منتظم. وفي الكويت التي تنتشر فيها «الديوانيات» وغيرها من الدول الخليجية، يمكن لأبناء الشعب التحدث عن قضايا الدولة بحرية.
وفي الوقت الراهن تستكشف دول المنطقة باستمرار الطرق الديموقراطية المناسبة لها، مع الحفاظ الثابت على التقاليد الوطنية والتكيف مع التنمية في العصر الحديث، وتسهم بذلك في تقدم الحضارة البشرية.
ثانيا، دعوة تايوان للمشاركة في القمة. من المعروف أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، فكيف تشارك في قمة تشارك فيها الدول فقط.
يعتبر ذلك بحد ذاته دعما للقوى الساعية لـ«استقلال تايوان»، ومخالفا للإرادة الديموقراطية التي يتبناها أبناء الشعب الصيني البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة للسعي وراء إعادة توحيد الوطن الأم. فكيف يكون ذلك ديموقراطيا وهو عبارة عن أفعال مناهضة لتطلعات الشعب وتهديد للسلم والاستقرار في مضيق تايوان والمنطقة؟
لا دولة يمكنها «احتكار» الديموقراطية التي تعتبر قيمة مشتركة للبشرية جمعاء.
إن الديموقراطية، مهما كان شكلها، فأساس تطبيقها وتطويرها هو الظروف الوطنية للدولة التي تتبناها، والشعب في هذه الدولة هو أكثر تأهيلا للتحدث عما يتعلق بديموقراطية بلاده.
إن الشرط المسبق لديموقراطية العلاقات الدولية هو الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون والكسب المشترك مهما كانت الدول كبيرة أو صغيرة، ولا يمكن التعامل مع شؤون العالم إلا عن طريق التشاور المشترك بين حكومات الدول وشعوبها.