«واعلم بأن أغلب المعاصي والذنوب والمجاهرة والتبجح بها، ما هي إلا سموم للقلب وأسباب لمرضه وهلاكه، وهي منتجة لمرض القلوب وإرادته غير إرادة الله عز وجل، هذا بخلاف أن ضررها للقلب كضرر السموم للأبدان.
كما أن للمعاصي والرذيلة أيضا الكثير من الآثار المضرة بالقلب والبدن والروح، في الدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، وكن على أتم الثقة بأن ليس في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه في النهاية والأخير هو تلك المعاصي وتلك الذنوب والتهاون بها»! فإن أخبث الناس نفسا، وأجرأهم على الله، هم أولئك الذين لا يستحيون من محاربة الباري سبحانه ومبارزته بالمعاصي والخطيئة والذنوب، ظنا منهم أنها ثقة وشجاعة حين يقدمون عليها، وفخرا بقلة المبالاة بها.
قيل لأحد الصالحين ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟! وقد قال الله تبارك وتعالى: (ادعوني أستجب لكم)؟ قال: لأن قلوبكم ميتة، قيل وما الذي أماتها؟ قال: ثماني خصال: «عرفتم حق الله ولم تقوموا بحقه، وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده، وقلتم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعملوا بسنته، وقلتم نخشى الموت ولم تستعدوا له، وقلتم نخاف النار، وأرهقتم أبدانكم فيها، وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها، وإذا قمتم من فراشكم رميتم عيوبكم وراء ظهوركم وافترشتم عيوب الناس أمامكم! فأسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكم؟».
وأغلب هذه الخصال التي ذكرها هذا الرجل الزاهد العابد، موجودة في أغلبنا وفي مجتمعاتنا الإسلامية للأسف، حتى أصبحنا يدعو خيارنا فلا يستجاب لهم! وباستمراريتنا تلك وبتساهلنا في مثل هذه الأمور، سينحدر مجتمعنا للأسوأ وستنحدر معه امتنا أيضا، هذا وان استمرت على غفلتها وعصيانها وذنوبها.
واعلم بأن الطاعات لازمة لحياة القلب ولحياتنا، لتكون حياة مليئة بالطهر ونقاوة الوجدان، كما أنها أولى بالالتفات لها وبالاهتمام، لنعيش بطريقة تؤهلنا لمعيشة مريحة، طيبة، طاهرة في الدنيا، وسعادة وسرور غير متناهي في الآخرة.
قال بعض الصالحين: يا عجبا من الناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه! وهو أشد، لذلك فإن الطاعات كلها لازمة لحياة القلب، لشدة ضرورتها ولانعكاسها فيما بعد بالخير والإيجاب علينا وعلى حياتنا في شتى مناحيها.
نسأل الله سبحانه أن يتوب علينا، وأن يغفر زلاتنا، ويستر عيوبنا، وأن يتوفانا وهو راض عنا، ويسترنا فوق الأرض، ويسترنا تحت الأرض، ويسترنا يوم العرض، ويكرمنا ولا يهنا، ويزدنا ولا ينقصنا، ويعنا ولا يعن علينا، ويهدنا وييسر الهدى لنا.