بقلم: سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت لي مينغ قانغ
بمناسبة وقوف العلاقات الصينية - الكويتية على عتبة 50 عاماً جديداً
عندما نتحدث عن العلاقات الصينية -الكويتية، قد يقول الكثير إنها ليست سوى بيع الصين منتجات «صنع في الصين» للكويت، وبيع الكويت النفط للصين، وسفر الكويتيين إلى مدينة كوانزو الصينية لأغراض تجارية أو شراء «حاوية كاملة من الأثاث».
وبرأيي، فإن انطباعات الناس هذه إزاء العلاقات الصينية -الكويتية عكست بالفعل وثاقة التبادل والتعاون بين البلدين في مجالات التجارة والطاقة من ناحية، ولكن من ناحية أخرى عكست أيضا أن الكثير من مقومات العلاقات الصينية - الكويتية غير معروفة ومألوفة لدى عامة الناس.
وفي الحقيقة، قد وصل مستوى العلاقات الصينية -الكويتية إلى درجة «علاقات الشراكة الاستراتيجية» في الوقت الراهن، والتي تمت إقامتها من قبل الرئيس الصيني شي جينبينغ وصاحب السمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، بشكل مشترك خلال زيارة الدولة التي قام بها سموه للصين عام 2018، ولم تتمكن العلاقات الصينية -الكويتية من الوصول إلى هذا المستوى عبر مجرد صفقات تجارية، وليس ثناء مسؤولي البلدين وإشادتهم بهذه العلاقات لغة ديبلوماسية مخصصة لمناسبة معينة على الإطلاق، بل إن علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية -الكويتية لأمر تبلور من خلال الاحترام المتبادل والتعامل بالمساواة والتساند والتآزر والتعاون والكسب المشترك بين شعبي البلدين في كل الأصعدة والمستويات جيلا بعد جيل، وكانت مسيرتها حافلة بالشخصيات والأحداث المؤثرة التي لا تنسى.
وبصفتي سفيرا للصين لدى الكويت، أحمل على عاتقي مسؤولية عرض القصص الكامنة وراء مسيرة تطور العلاقات الصينية -الكويتية على نحو شامل ودقيق أمامكم، لأن ذلك لا يساهم في تعزيز المعرفة المتبادلة بين شعبي البلدين فحسب، بل يلخص الحكمة والخبرات حتى نستفيد منها لتخطيط وتطوير العلاقات بين البلدين في المستقبل بشكل أفضل، وتزويد المجتمع الدولي بنموذج قابل للاستناد إليه والاحتذاء به فيما يتعلق بتطوير العلاقات بين الدول، بما يضفي طاقة إيجابية في بناء عالم أجمل.
ويصادف العام الحالي الذكرى الـ 50 لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الصين الكويت، حيث قام الرئيس شي جينبينغ وصاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد بتبادل برقيات التهنئة في يوم الذكرى بمناسبة هذه اللحظة التاريخية ذات الأهمية الخاصة، وبموازاة ذلك، أطلقت سفارتنا العمود الصحفي «حكاية صورة» بالتعاون مع جريدة «الأنباء» منذ بداية العام الحالي لحكاية قصص الصداقة بين الصين والكويت بصورة منهجية، وقد تم نشر 22 قصة تحته، وتتضمن هذه القصص التواصل الودي بين قيادتي البلدين من الجيل القديم وكيف زرعوا بذور العلاقات الديبلوماسية بينهما، والمشاهد التاريخية لدوام تبادل الفهم والدعم بين الجانبين، والمشاعر الصادقة بينهما المتجسدة في التضامن والتآزر بروح الفريق الواحد في وجه جائحة كوفيد-19 وغيرها من التحديات.
ومن أجل رسم مشهد التواصل الودي بين الصين والكويت بأكمله، استعانت هذه القصص بوجهات نظر متعددة، إذ كان من بين الشخصيات الرئيسية في القصص قادة وديبلوماسيون مخضرمون من البلدين قدموا إسهامات مميزة لتطوير العلاقات الثنائية، وسفيرة صداقة تسعى وراء بناء جسر للتبادل الثقافي بين الصين والكويت وتعزيز التقارب بين شعبيهما، إضافة إلى مواطن كويتي عادي اندمج مع المجتمع الصيني بعد أن هاجرت أسرته معه إلى الصين.
وإلى جانب ذلك، قمنا بحكاية العديد من قصص التواصل والتعاون الوديين بين البلدين في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والبنية التحتية والثقافة والصحة، غير أنها كانت تمثل جزءا صغيرا من القصص الرائعة الكثيرة بسبب محدودية المساحة الصحافية، الأمر الذي عكس في الوقت نفسه عمق ورحابة العلاقات الصينية -الكويتية، ومن أجل حكاية هذه القصص بأحسن صورة، قام زملائي بالبحث في كمية كبيرة من الموارد الأرشيفية، والاتصال بعدد كبير من الناس والجهات لمعرفة الوقائع، وبذل جهود حثيثة للصياغة والترجمة، وذلك ليس بأمر سهل، ولكن طالما أن القصص تمكنت من تعزيز معرفتكم بالعلاقات الصينية -الكويتية، وإبقاء الشخصيات التي ساهمت في تطوير العلاقات الصينية -الكويتية والأحداث التي تتميز بأهمية دون أن يمحوها الزمن المار، فإن أعمالنا تستحق كل هذا العناء.
وبالإضافة إلى إطلاق العمود الصحافي «حكاية صورة»، أقامت السفارة سلسلة من الفعاليات المتنوعة احتفالا بالذكرى السنوية الـ50 لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الصين والكويت، مثل مسابقة تصميم شعار الذكرى، وإضاءة أبراج الكويت بالعلمين الصيني والكويتي في يوم الذكرى، وإصدار الصفحات الخاصة بالذكرى في جريدة محلية، وإقامة حفل الاستقبال الافتراضي بمناسبة الذكرى، ومنتدى التعاون الصيني -الكويتي تحت إطار «الحزام والطريق» في مجال الاقتصاد الرقمي، والمعرض الافتراضي للتراث الثقافي غير المادي من الصين والكويت، ومسابقة الأعمال الفنية تحت عنوان «الصين والكويت في عيني».
وبهذه المناسبة، يطيب لي أن أتقدم بجزيل الشكر للأصدقاء في الكويت على مشاركتهم النشطة في الفعاليات وما أبدوه من الاهتمام والمتابعة لها.
وقبل 50 عاما، أصبحت الكويت أول دولة عربية في الخليج تقيم العلاقات الديبلوماسية مع الصين. واليوم، قد أصبحت العلاقات الصينية -الكويتية أكثر حيوية بعد صمودها أمام اختبار 50 عاما من تقلبات الأوضاع الدولية، وتشهد تعميقا متواصلا للمواءمة بين مبادرة التعاون في بناء «الحزام والطريق» ورؤية «الكويت 2035»، وتقدما مستمرا للتعاون العملي في كل المجالات، وأصبحت الصين أكبر مصدر للسلع الواردة للكويت وأكبر شريك تجاري لها في المجال غير النفطي، وثاني أكبر مستثمر فيها، بينما قد أصبحت الكويت سابع أكبر مصدر للنفط الخام للصين، وفي الوقت نفسه، يزداد الدعم المتبادل بين الجانبين في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى لبعضهما البعض ثباتا، ويزداد التواصل والتنسيق بينهما في القضايا الإقليمية والدولية الساخنة والمهمة وبذلك، فإن العلاقات الصينية -الكويتية لا تخدم البلدين والشعبين على نحو ملموس فحسب، بل تضخ طاقة إيجابية في العالم باستمرار.
وسنستقبل عام 2022 بعد أيام معدودة، نطلق 50 عاما آخر للعلاقات الصينية -الكويتية وبفضل خبرات النجاح المكتسبة خلال 50 عاما من التطور السليم والمستقر والمتواصل للعلاقات الصينية -الكويتية، أثق تماما بأن هذه العلاقات ستشهد إنجازات جديدة وأكبر في الـ 50 عاما الجديد بكل التأكيد، وستبحر سفينة «العلاقات الصينية -الكويتية» على مستوى أعلى تجاه مقاصد أبعد! لنبذل جهودا يدا بيد لبناء مستقبل أفضل للعلاقات الصينية -الكويتية بشكل مشترك!