بيروت ـ ناجي شربل
31 يناير 1990 تاريخ اندلاع «أكبر حروب المسيحيين» في لبنان بين الجيش اللبناني بقيادة رئيس الحكومة العسكرية وقتذاك العماد ميشال عون، وحزب «القوات اللبنانية» بقيادة د.سمير جعجع.
حرب إلغاء اعتبرتها «القوات»، وخاضتها بشراسة بعد نكسة تعرضت لها قبل سنة من ذلك التاريخ، في مواجهات فبراير 1989، اثر معركة على الثلج استخدمت فيها العصي الخاصة بالتزلج.
وفي 18 يناير 2016 طوى الفريقان تلك الصفحة الأليمة باتفاق في مقر رئيس حزب القوات في بلدة معراب الكسروانية فوق حريصا.
وأوعز د.جعجع الى شقيق سمير وديع - الذي قضى في كمين تعرض له جعجع في طريقه الى قصر بعبدا - للملمة ذيول معارك فبراير 1989، كما أوعز اليه باستقبال العماد عون أثناء نزوله من السيارة التي أقلته الى معراب. واستقبله وديع الشقيق وفتح له مظلة ليقيه المطر الذي انهمر بكثافة وقتذاك، وخرج عون من معراب في الطريق الى بعبدا بعد تسعة أشهر ونيف. وصعد الى القصر الجمهوري رئيسا للجمهورية بعد انتخابه في 31 أكتوبر من ذلك العام، محصنا بإجماع مسيحي اثر اتفاقه مع «القوات».
الا ان صفحة المحنة الأشد في تاريخ المسيحيين لم تطو، وتفاقمت بين مناصري الطرفين بعد سقوط «اتفاق معراب»، وتكريس الانقسام ورفض جعجع ان يحيله عون الى وريثه في رئاسة «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لأسباب عدة، من بينها: ان جعجع يعتبر أن العلاقة هي مع عون، لذا أطلق مقولته الشهيرة عن إحالة الرئيس«قوم بوس تيريز».
ومع تداعى «اتفاق معراب» بلغت الحملات بين الطرفين حدا غير مسبوق، ومن أناس لم يختبروا قساوة الحرب من جهة فريق «التيار»، لا بل كانوا في المناطق المصنفة «تحت الاحتلال السوري» وقتذاك.
وتحل الذكرى الـ 32 في الاشهر الأخيرة من ولاية الرئيس ميشال عون، لتكرس افتراقا في الاجماع المسيحي الذي أوصل رئيسا بـ «حالة لبنانية» للمرة الثانية في تاريخ الجمهورية اللبنانية بعد الرئيس سليمان فرنجية في 1970.
وبعد سقوط «اتفاق معراب»، تنامى معسكر لبناني والتف حول جعجع «المرشح المستحيل» لرئاسة الجمهورية، في وجه الفريق الذي تشدد في اشتراط وصول الرئيس عون في عام 2016.
ويتحصن جعجع بدعم عربي - خليجي، وعدم اعتراض خارجي غربي، ويدرك أن الفريق الآخر قادر على تعطيل الاستحقاق، وهو الذي سيطرح سليمان فرنجية مرشحا جديا للولاية الرئاسية الـ 14 المرتقبة.
وقد نجح جعجع في «إحراق» أوراق باسيل الرئاسية لظروف عدة، وهو قادر ـ والفريق الذي يسانده ـ على «المناورة» لإيصال «مرشح تسوية» غير فرنجية الذي أبرم معه مصالحة في الصرح البطريريكي في بكركي بعد انتخاب عون.
ويوم 31 يناير حزين في تاريخ المسيحيين، إذ أسس لحرب مدمرة ضربت منطقتهم التي كانت محصنة ب«الخطوط الحمر» في الحرب اللبنانية، حتى تاريخ اجتياحها من قبل القوات السورية في 13 أكتوبر 1990.
ففي 31 يناير 1990 كانت الطلقة الأولى على «بيت المستقبل» في منطقة النقاش بالمتن الشمالي من فرقة تقدمها الملازم الاول المغوار فادي داود (قائد عملية فجر الجرود ضد داعش في 2017)، وهو الذي قطع الطريق قبل أشهر في منطقة الرابية على «ماد ماكس» الذي أرسلته «القوات» الى بيت عون، وقد جرده من بندقيته بعد فرار الأخير تاركا خلفه مجموعة من الآليات.
هي ذكرى لحرب لم يتعلم منها البعض، وإن كان جعجع طواها بإلزام مناصريه الانضباط وهذا أمر تتميز به «القوات». وطوى جعجع مرحلة وكرس نفسه وجها مسيحيا مقبولا من العرب، وناطقا باسم معسكر لبناني مناوئ للأكثرية الحالية، وذلك عشية الانتخابات النيابية المقررة في مايو المقبل، وقبل انتهاء الولاية الرئاسية لعون.
تغيب العبر عن الساحة اللبنانية، وتحل محلها أزمات تؤكد حتمية دوران عقاب الساعة الى الخلف في لبنان!