- العريان: يخالف 4 من مواد الدستور والمحكمة ستنظر بعدم دستوريته 16 الجاري
- الفيلي: تدخل الدولة في قضية ليست موجودة لأجلها يسبب خللاً في صناعة التشريع
- المطوع: من 5 إلى 10% من أفراد أي مجتمع يعانون من الاضطرابات الجنسية
دارين العلي
خلص المنتدون في الندوة القانونية التي نظمت مساء أمس الأول في جمعية المحامين حول المادة 198 من قانون الجزاء في شقها المتعلق بتجريم التشبه بالجنس الآخر إلى أن هذا النص فضفاض وغير واضح وجاء بشكل انفعالي، وبالتالي يجب إعادة النظر به.
وكان المحامي علي العريان قد قدم طعنا بعدم دستورية هذه المادة أمام المحكمة الدستورية التي قبلت بفحص مدى دستوريتها وحددت جلسة 16 الجاري لإعلان حكمها.
وقد شارك العريان في الندوة متحدثا عن ظروف ووقائع الطعن وأوجه عدم دستورية المادة المطعون بها والتي أجري التعديل عليها عام 2007، حيث جرمت أي شكل من أشكال التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، وقد بدأت وزارة الداخلية منذ ذلك الحين تنفيذ هذا القانون وفق رؤيتها وتقدير ضبطيتها لتصل العقوبة إلى الحبس سنة.
وأوضح أنه من القضايا التي عمل عليها كانت قضية أحيل المتهم فيها إلى الطب النفسي الذي أورد تقريرا بإصابة المتهم باضطراب الهوية الجنسية أو الانزعاج من الجندر ولديه تقارير طبية من الولادة بإصابته بذلك وقد خضع للعلاج النفسي، إلا أن التقرير قد أورد عبارة ان «هذا المرض لا يفقد المتهم قدرته على التمييز» وبالتالي حكم عليه بغرامة ألف دينار وحينها تم رفع قضية بعدم الدستورية.
ومن أوجه عدم دستورية المادة التي قدمها العريان مخالفة النص لمجموعة من مواد الدستور مثل المادتين 11 و15، حيث تكفل الدولة المعونة والرعاية الصحية في حالة الشيخوخة والمرض وكذلك تعنى الدولة بالصحة العامة من الأمراض والأوبئة، مشيرا الى ان الصحة العامة تشمل الصحة النفسية وفق منظمة الصحة العالمية، وبالتالي وعلى اعتبار ان اضطراب الهوية الجنسية مرضا وفق المرجعيات الطبية ووفق أحكام قضائية اعترفت بوجوده، وبالتالي يستوجب الرعاية وليس التجريم، مشيرا الى أن القانون هنا جاء واسعا وفضفاضا ولم يراجع مرجعيات في الطب النفسي.
وقال العريان ان نص المادة يخالف أيضا المادة 32 من الدستور حول شرعية الجرائم والعقوبات اذ انه شمل حالات لا يجوز اعتبارها جريمة، كما يخالف المادة 30 التي تتعلق بالحرية الشرعية.
ولفت إلى ان البعض يتحدث عن مدى شرعية هذا القانون وانسجام هذه المادة مع الفتاوى الشرعية الإسلامية وتصوير كأن إلغاء هذا القانون اتجاه غير إسلامي، مؤكدا أن هناك فتاوى شرعية للمذاهب الإسلامية جميعها اعترفت باضطراب الهوية الجنسية، وقالت إنه مسوغ لإجراء عملية التحول الجنسي وفق ضوابط معينة موردا عددا من الفتاوى التي تدعم كلامه.
بدوره، تحدث أستاذ القانون العام في جامعة الكويت أ.د.محمد الفيلي عن أن مناقشة الموضوع يجب أن تتم من الجانب المنهجي لأنه متصل بالتشريع، فالإشكالات المتصلة بصياغة التشريع متعددة، اذ يفترض الالتزام بعدد من القواعد لتقليل عدم ملاءمة التشريع والإشكالات الدستورية فيه.
وقال ان الأصل هو أن كل فعل مباح ما لم يلحق ضررا بالمجتمع، وفي أي تصرف يتم البحث عن أمن المجتمع، فإذا ما ألحق ضررا بالمجتمع يصبح جرما.
وقال لا يجوز استخدام القوى العامة في مواجهة الناس إلا اذا كان ذلك ضروريا، لافتا الى ان ذلك جزء من المنهجيات القانونية في جميع المدارس القانونية، مشيرا الى ان هذا الجانب المنهجي يختلف عن الجانب الديني الذي يتحدث عن الثواب والعقاب.
وأوضح أن القانون يجرم الفعل الفاضح في المكان العام، وهذا أمر طبيعي للمجتمع الإنساني لأنه بحاجة للشعور بالحد الأدنى من الأمان ومنها عدم الاعتداء على مفهومه العرفي، لافتا الى ان الفعل الفاضح يختلف بين مجتمع وآخر.
وقال ان إضافة التشبه بالجنس الآخر الى هذا القانون تضعنا أمام تساؤل هل تمت إضافته لأنه فعل فاضح يضر بإحساسنا بالأمان الأخلاقي أم لمصلحة منفصلة، لافتا الى انه من المعلوم أن هناك تشبها بسبب حالة مرضية، متسائلا: عن التحول في هذه الحالة هل هو تشبه أم أمر مختلف يستوجب مصلحة طبية ويحل بعيدا عن القانون الجنائي، أم انه بقصد الإغواء ويقع فيه تجريم الفعل الفاضح.
وقال ان المشرع من خلال المادة المذكورة يريد أن يقول إنه يطبق توجيها دينيا، لافتا الى ان التوجيه الديني توجد له آلية وليس دور الدولة أن تدخل الناس جبرا الى الجنة أو تحميهم من النار، فيجب ألا تتدخل الدولة في قضية ليست موجودة لأجلها، وهذا الأمر يدخل خللا في صناعة التشريع، والخلل في هذه المادة بأنه لم يتم تحديد أسباب التجريم هل الفعل مجرم لذاته أم لآثاره، فإذا كان لذاته فهي مسألة طبية لا يحسن للمشرع التدخل فيها.
ولفت الى انه حين إدراج هذه المادة في القانون كانت أجواء التشريع انفعالية، والتشريعات لا تصنع نتيجة انفعالات، قائلا: «ليس على الدولة استخدام أدواتها لإرسال الناس إلى الجنة وحمايتهم من النار، فمن يرد الثواب فعليه ان يعمل بنفسه للحصول عليه».
وأضاف: «نحن أمام مادة غير متسقة مع القواعد الجيدة لصناعة القانون، حيث تم تجاهل مسألة الالتزام بالرعاية الطبية في حال كان الأمر مرضيا، والأمر شبيه بأن يقال لمريض السكر أو الضغط سوف تسجن لمدة عام، قائلا إن الدول التي لا تعتبر الصحة النفسية حالة من حالات الصحة العامة فيمكن أن يعاقب أي شخص إذا ارتفع ضغطه.
وشدد على أن الحرية الشخصية ليست مطلقة ولكن تقييدها يجب أن يكون في حدود إذا ما كانت متعارضة مع مصالح معتبرة والمحكمة هي الكفيلة بفحص ذلك.
وقال ان إشكالية الأمن القانوني بالنسبة للتشريع الجنائي له خصوصية إذ إن الوضوح في الصياغة التشريعية مهم وضروري في النص الجنائي تجنبا لعدم وضوح الفعل المادي الذي يكون الجزء المادي للجريمة، لافتا إلى ان إشكالية صناعة التشريع بشكل انفعالي خارج مبرر، وجوده سيؤدي الى حالات غير منطقية في تطبيقه.
من جهته، تحدث أستاذ علم النفس السريري في جامعة الكويت د.نايف المطوع قائلا: انه من الناحية العلمية هناك الكثير من المشاكل الجنسية المرضية موجودة، متسائلا: هل يعاقب الشخص على أفعاله أم على شيء ولد معه أساسا، كأن يعاقب الطفل لأنه حركي، وهذا أمر لا يجوز لأنه مصاب بذلك.
وقال ان هناك العديد من المشاكل المجتمعية الناتجة عن القوانين التي لا تراعي هذه الحالات، لافتا الى ان الاضطرابات الجنسية يمكن أن تحصل لسببين رئيسين: إما تكون ناتجة عن تحرش جنسي، وهذا يمكن ان يعالج نفسيا أو ان تكون منذ الولادة وهي بنسبة 70% من مجمل الحالات، وهذا لا يعالج نفسيا في الغالب، مشيرا إلى انه من 5 الى 10% من أفراد أي مجتمع لديهم هذه الاضطرابات.
ولفت إلى ان القوانين التي تجرم الاضطرابات الجنسية تنتج عنها مشاكل مجتمعية كثيرة، ومنها زيادة حالات الطلاق بسبب زواج المضطربين لإبعاد الشبهات عنهم وعدم قدرتهم على التعايش، فتحصل حالات الطلاق، وزيادة حالات أطفال الأنابيب بسبب عدم القدرة على الإنجاب بالشكل الطبيعي بسبب اضطراب الهوية الجنسية سواء للزوج أو الزوجة، كما ان هناك الكثير من النساء اللواتي يعانين من اضطراب الهوية الجنسية يلجأن للزواج والإنجاب لإبعاد الشبهات عنهن ثم يتطلقن ما يؤدي الى مشاكل نفسية إضافية.
التميمي: القانون غير قابل للتنبؤ ومربك بتقدير السلوك المجرّم
أستاذ القانون الجزائي في جامعة الكويت د.محمد التميمي أوضح أن الشرعية الجنائية هي الفيصل في سلامة النص الجنائي، لافتا إلى ان النص الجنائي يجب ان يكون واضحا وقابلا للتنبؤ للقاضي ولأجهزة الضبطية وللفرد المخاطب بالقانون، معتبرا انه لا يجوز ان يجرم عمل كل من تشبه بالجنس الآخر لأن التشبه يأخذ أكثر من صورة.
وقال ان النص موضوع النقاش كان وليد اندفاع وغضب وتسرع ونتيجة ردة فعل وهو نص عام ومعوم ومربك، والارتباك به واضح وجلي، إذ ان هناك ارتباكا في تقدير السلوك الذي يشير الى التشبه بالجنس الآخر سواء من قبل الضبطية او المحكمة والقضاء، هنا يحكم على أساس اقتناع وليس أوراقا، متسائلا عن الركن المادي الذي يشكل الجريمة في الحالات المرضية للتشبه.