بقلم: محمد إيراني - سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى الكويت
نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية في إيران حيث يحتفل المواطنون الإيرانيون في أنحاء العالم في يوم 11 فبراير بهذه المناسبة المجيدة. ومن دواعي سرورنا أن يتزامن هذا الاحتفال مع ذكرى عيدي الاستقلال وتحرير الكويت من دنس الغزو البعثي الغاشم.
قبل 43 عاما وفي الحادي عشر من فبراير قرر الشعب الإيراني أن تكون لديه حكومة مستقلة دون التبعية للقوى العالمية وأن يختار نوع حكومته المستقبلية بنفسه.
واليوم بعد هذه السنوات الطوال لازلنا نشاهد الحضور الجماهيري الواسع من قبل كل أبناء الشعب من مختلف الميادين السياسية والاجتماعية، حيث كانت لدينا انتخابات حرة ونزيهة في إيران بعدد سنوات عمر الثورة واليوم يقرر الشعب مصيره بيده دون أي هيمنة أجنبية، إذ شاهدنا 13 دورة لانتخاب رئيس الجمهورية و11 دورة لانتخابات مجلس الشورى الإسلامي فضلا عن انتخابات مجلس الخبراء والمجالس البلدية المحلية وكلها تمخضت عن إنجازات الثورة الشعبية العظيمة بقيادة الإمام الخميني الراحل عام 1979.
ومن الطبيعي خلال هذه الفترة تحمل الشعب الإيراني الكثير من الضغوط والمصاعب، ففي السنوات الأولى للثورة شن نظام صدام المقبور حربا شعواء على بلادنا تسببت في تضعيف الكثير من الإمكانيات الشعبية وراح ضحيتها المئات من الشهداء والمعاقين ولاتزال آثارها باقية حتى اليوم.
وبعيد هذه الحرب الغاشمة مارست الولايات المتحدة الأميركية وبحجج مختلفة حصارها على الشعب الإيراني والذي استمر حتى اليوم لكن شعبنا وعلى الرغم من كل الضغوط الاقتصادية الصعبة قرر أن يعيش مستقلا وحرا وحقق بنفسه العديد من الإنجازات الكبرى في مختلف المجالات العلمية والتقنية والتنموية والصناعية والبنى التحتية الاقتصادية الهامة والتي نتجت عن الحصار ولبت احتياجات البلاد.
ان تنمية القطاع الزراعي وإنتاج المواد الغذائية والذي لم يكن بوضع مناسب في السابق وصلت أهم محصولاته اليوم الى مرحلة الاكتفاء الذاتي ولم يعد بحاجة الى الاستيراد من الخارج.
أما في المجال الصحي فإن معدلات الأمل بالحياة تصاعدت بشكل ملحوظ من خلال الخدمات العلاجية ومقاييس الصحة والسلامة في إيران وانخفضت معدلات الوفاة بسبب الأمراض المعدية وتضاعف عدد الأطباء والمختصين في قطاع الصحة والسلامة، حيث ان من خلال تطوير شبكة الصحة والعلاج.
ونيل الخبرات المتراكمة تعتبر الجمهورية الإسلامية من أحد الدول العامة في مجال استقطاب السياح في الصحة العلاجية.
ان إيران ومن خلال إنتاج 97% من حاجتها للأدوية نالت المرتبة الأولى في المنطقة وبعد انتشار جائحة كورونا نجحت في إنتاج 6 أنواع من اللقاحات للقضاء على كوفيد-19 في مختبراتها الداخلية.
من الطبيعي ان استعراض الإنجازات التي تمخضت عن الثورة الإسلامية في إيران ولاسيما في مجال الصناعة وتنمية القوى البشرية لا يمكن حصرها في هذا المقال لكن من الضرورة الإشارة إلى هذه النقطة الهامة وهي أن أهم وجهة لنيل هذه المنجزات في اقتصاد البلاد هي الشعور بالإيمان بالذات والقدرات الداخلية.
فاليوم الإيمان الوطني بالقدرات والعودة الى الذات والذي طرح من قبل قادة ومفكري الثورة في السنوات الاولى لانطلاقها قد تبدل الى مبدأ وطني وثقافي في إيران.
أما بخصوص العلاقات الثنائية فإن شعبي البلدين يحتفلان هذا العام بالذكرى الـ 60 للعلاقات الديبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكويت.
وأن هذه العلاقات واصلت مسيرتها الحثيثة بفضل حكمة وحنكة المسؤولين في البلدين وفي مقدمتهم سماحة آية الله الخامنئي وصاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد حفظهم الله لكن ظهور جائحة كورونا قبل عامين ترك آثاره كبقية الأمور على علاقات البلدين في المجالات التجارية والسياحية والزيارات الدينية وتبادل الوفود لكن العلاقات التاريخية بين البلدين في المجالات المختلفة ومن خلال عمقها المتجذر عبر التاريخ في المجالات الثقافية والتقاليد الشعبية والتجاور بين البلدين ساهم في إعادة هذه التواصل من جديد.
وفي المجال الديبلوماسي فقد شارك معالي الشيخ د.أحمد الناصر الصباح وزير الخارجية ممثلا عن صاحب السمو الأمير في مراسم حلف رئيس الجمهورية الجديد اليمين الدستورية في طهران بتاريخ 5/8/2021، حيث التقى معاليه بفخامة آية الله إبراهيم رئيسي ومعالي الدكتور حسين أمير عبداللهيان، حيث جرت لقاءات وزيري الخارجية في بلدينا ووصلت الى 3 جولات لحد الآن خلال الحكومة الإيرانية الجديدة مما يدل على أهمية عمق العلاقات الثنائية ودورها في قضايا المنطقة.
ونأمل من خلال تحسن الظروف وزوال الجائحة أن نشهد المزيد من التواصل التجاري والاقتصادي بين البلدين والذي لايزال متعثرا ويعاني من بعض العراقيل والمشاكل. ولحسن الحظ فإن التواصل بين شعبينا مستمر، حيث تستمر زيارات المواطنين الكويتيين الى إيران لزيارة الأماكن السياحية والمزارات الدينية الهامة أو للعلاج بسبب التفوق الطبي للمستشفيات الإيرانية والكلفة الرخيصة للعلاج وكذلك استمرار حركة الطيران التجاري، حيث هناك 15 رحلة الى مدن إيران المختلفة أسبوعيا، وبالمقابل نأمل أن يتم فتح التأشيرات لمواطنينا لزيارة أهاليهم في الكويت لاسيما وأن المواطن الإيراني يزور عمان وقطر والإمارات بكل سهولة ويسر مما يحقق النفع والفائدة لهذه الدول بسبب حضور التجار والمستثمرين، حيث ان العلاقات الاقتصادية تحظى بأهمية كبرى لأن معظم ما تحتاجه الكويت يمكن توفيره في إيران بوفرة وبكيفية أفضل وسعر أرخص.
وفي المجالات التقنية والصناعية فان خبراءنا ومهندسينا على استعداد لتقديم خبراتهم العلمية والتكنولوجية لأهلهم في الكويت وفي مختلف المجالات خاصة في قطاع النانو الذي حقق إنجازا وتطورا كبيرا في إيران خلال السنوات القليلة الماضية.
ان التبادل التجاري بين البلدين لاسيما في مجال المواد الغذائية والعمرانية ومواد البناء والأحجار يعزز الترابط الشعبي القائم بين البلدين ويضمن استمرار وديمومة العلاقات الثنائية.
وفيما يتعلق بموضوع المنطقة فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعربت عن استعدادها مرارا للمشاركة والتعاون مع دول الجوار، بغية الوصول الى أهداف مشتركة ولا شك أن استقرار وهدوء المنطقة هو لصالح كافة دولها.
وفي هذا المجال فإن إيران طرحت عدة مشاريع مبنية على ضرورة العودة لبناء الثقة بين الأعضاء ودراسة كافة الاختلافات عن طريق الحوار ونحن نبني أملنا على هذا الخيار ونطلب مساعدة سائر الدول، حيث نعتقد أن الأمن الجماعي دون التدخل الأجنبي هو الضمان لتحقيق مصالح سائر الأعضاء.
وأنتهز هذه الفرصة لأكرر التهاني بمناسبة ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران وذكرى استقلال وتحرير الكويت مباركا هاتين المناسبتين لمسؤولي وشعب البلدين لاسيما المواطنين الإيرانيين المقيمين في الكويت سائلا العلي القدير لهم التوفيق والسداد.