يوم «قريش» الذي تناقلته أجيال الكويت عبر الزمن كمصطلح يشير إلى الإفطار أو الغداء في اليوم الأخير من شهر شعبان تحول من موروث شعبي خاص تتجمع فيه النساء داخل البيوت إلى كرنفال اجتماعي طال مختلف دوائر العمل ليجمع الأصحاب والأصدقاء والزملاء حول مائدة واحدة قبل دخول شهر رمضان المبارك.
وفي لقاءات متفرقة مع «كونا» قالت مريم العنزي وهي موظفة في أحد البنوك المحلية إن الموظفين بمختلف أعمالهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية والهيئات والشركات الخاصة والبنوك يحرصون على تنظيم مائدة (قريش) خلال الأيام الأخيرة من شهر شعبان كنوع من الترابط بين الزملاء من جانب والتمسك بالعادات المجتمعية من جانب آخر.
وأكدت العنزي أن يوم قريش بات كرنفالا اجتماعيا بعد أن كان موروثا شعبيا وجزءا من العادات والتقاليد في الكويت ويقام في آخر أيام شهر شعبان احتفاء واستعدادا لبدء شهر الصيام حيث يتناول خلاله أفراد العائلة بطريقة رمزية آخر وجبة نهارية قبل بداية شهر الصوم.
من جانبه، قال سعد الفايز إن قريش كان مقتصرا على أفراد الأسرة والأقارب والأصحاب على حول المائدة المنزلية كرمزية توديع وجبتي الافطار والغداء في النهار وعادة ما يكون عند كبير الأسرة أو بيت الجدة أو إحدى سيدات الحي من كبار السن فتجتمع النساء وتحضر كل واحدة منهن طبقا وتبدأ فترة التجمع حول المائدة من بعد الساعة العاشرة صباحا حيث يطلق على هذه الفترة اسم (الضحى العود) ثم تنصرف كل سيدة إلى بيتها.
من ناحيتها استذكرت أم عبدالعزيز ماضي يوم (قريش) بالقول انه لا يتعدى كونه يوما عائليا تجمع فيه العائلة ما تبقى لديها من طعام لا يصلح في رمضان مثل السمك المجفف والتمر المجفف ويقيمون احتفالا عائليا في بيت كبير العائلة لهدفين، الأول لكي لا يتلف في شهر رمضان والآخر لاجتماع العائلة على وجبة أخيرة قبل دخول الشهر الكريم أما ما وصل إليه (قريش) في السنوات الماضية فيعد تحولا كبيرا إذ أصبح مناسبة اجتماعية جميلة داخل أروقة العمل في شتى المؤسسات الحكومية والخاصة.
وأضافت أم عبدالعزيز أن مظاهر يوم (قريش) بالمعنى الشعبي والتقليدي كما كان في الماضي اندثرت وبقيت في الذاكرة فتغيرت من حيث البساطة وإعداد الأم للطعام بمساعدة بناتها إلى سفرة عامرة بمختلف أنواع المأكولات التي تعدها المطاعم ومطابخ البوفيهات نظرا لاختلاف أسلوب المعيشة بين الماضي والحاضر قائلة «لكل زمن نكهته وجماله فلا يمكن الوقوف عند موروث دون تطور».
أما محمد الراشد وهو موظف في إحدى الشركات الغذائية فقال لـ«كونا» إن الطلب على البوفيهات يزيد في يوم (قريش) ولا تقتصر هذه الطلبات على جهة بل تتنوع ما بين المؤسسات الحكومية والخاصة والبيوت لإقامة مائدة (قريش) وعلى أصناف الطعام المختلفة حتى ان البعض يحجز في مطاعم الفنادق قبل رمضان بأسبوع من أجل إقامة بوفيه خاص بهذه المناسبة.
ورأى أن ذلك «يعني أن هذا اليوم يفتح أبواب رزق وفيرة على بعض أصحاب المهن والحرف حيث يزيد الطلب ليس على البوفيهات فقط وإنما يشمل بعض الأكسسورات والديكور والبخور والعطور والملابس».
من جانبه، قال ناصر رشيد وهو موظف توصيل وجبات غذائية إن الأسبوع الأخير من شهر شعبان يشهد تزايدا وضغطا على خدمة التوصيل وتشمل الوجبات بجميع أنواعها كالوجبات السريعة بكميات صغيرة وكبيرة والوجبات العائلية أيضا والوجبات الغربية والعربية.
ومن ناحيته قال رئيس مركز عبدالله عبداللطيف العثمان التراثي أنور الرفاعي لـ«كونا» إن يوم (قريش) يعد جزءا من العادات والتقاليد في الكويت.
وعن تسميته أشار الرفاعي إلى تعدد الآراء بهذا الشأن فكلمة (قريش) تعني لغة السخاء «فيقرقش» الإنسان أي يسمع صوت النقود في جيبه أو في يده كما يقال إن الكلمة تدل على صغر الوجبة او قيمتها المادية ومن هنا جاءت التسمية.
وأوضح أن كل أسرة كانت تجود او «تقرقش» بما يتوافر لديها من طعام وشراب حيث اعتادت الأسر الكويتية على حمل أنواع مختلفة من الأطعمة المتوافرة بالمنزل والذهاب بها إلى البيت الكبير للاحتفال بهذه المناسبة واستبشارا بقدوم شهر الصوم الفضيل.
وأضاف الرفاعي أن البعض يرى أن النسوة قديما أوجدن هذه العادة بسبب الخوف من تلف الطعام نظرا لقرب الشهر الفضيل ولاسيما السمك خصوصا مع عدم توفر ثلاجات لحفظ الأطعمة في الماضي ولأن أفراد الأسر كانوا يتناولون الطعام المتبقي صباح اليوم التالي.
وذكر أن تطور الحياة الاجتماعية في الكويت عبر السنين ساهم بلا شك في تطور واختلاف العادات والموروثات عما كانت عليه في السابق ومن بينها شكل وحجم مائدة يوم «القريش» ومكوناتها وحتى أماكن هذه المأدبة لم تعد مقصورة على البيوت أو في منزل الجدة بل شملت كل الأماكن التي بها تجمعات ومنها أماكن العمل والالتقاء كما في المطاعم والفنادق.