بيروت - جويل رياشي
ينتصر لبنان للثقافة ومكوناتها، لإدراك أهله تلازم المسار بين هويتهم والثقافة، تلازم لم تنل منه الحروب والأزمات التي عصفت بـ «وطن الأرز»، وسبقت قيام لبنان الكبير، كيف لا وقد انطلقت الأبجدية من جبيل الى العالم منذ قديم الزمان.
بين المحطات الثقافية يوم المسرح العالمي المكرس في 27 مارس، وللبنان مع المسرح حكاية لم تنته، ولاتزال تسمع وقع أعمال الممثلين والممثلات والكتاب والمخرجين على الخشبات التي لم تغب عن بيروت والمناطق.
بين المسرحيين اللبنانيين «الأوفياء للمسرح الكلاسيكي»، د.ايلي لحود، ابن عمشيت «المرتبط بالمسرح منذ الولادة، وما يربطه الله لا يفرقه انسان»، كما يقول لحود في تعريف لهويته المسرحية.
عن واقع المسرح في لبنان، تحدث لحود لـ «الأنباء» عائدا الى البدايات: «المسرحي مارون النقاش هو رائد المسرح اللبناني والعربي، وذلك منذ القرن التاسع عشر، وقد أخذ فكرة المسرح من الغرب، من خلال ما قام به من أسفار، لكنه حرص دائما على أن يكون مسرحه لبنانيا أصيلا، بلغته وممثليه وعالمه الحركي وملابسه ولوحاته التزيينية وأناشيده وأغانيه، وﺇن جاء في البداية مقتبسا، ظهرت أقلام لبنانية كثيرة من بعده، وضعت المسرح في حضن الأدب والشعر، لكنها بمواضيعها استلهمت واقعها الاجتماعي٬ والتاريخ العربي والديني والأساطير، لكنها أتت ملتزمة بوطنيتها على الرغم من السلطات الاحتلالية المتعاقبة على لبنان، والغريب في الأمر أنه في فترة الاستقلال أو فترة التحرر الوطني، عادت الأقلام المنتجة في هذا المجال الى الارتباط بالغرب فكثرت الاقتباسات والترجمات، وتم التأثر بالاخراج والسينوغرافيا والتقنيات الغربية، والمدارس والمناهج التي تهتم بإعداد الممثل وطرق تعامله مع التقنيات الأخرى».
وتابع: «بعد ذلك كان هناك تأثير كبير للحروب مع ﺇسرائيل وللاضطرابات الداخلية والثورات وحركات المقاومة والرفض، في المطالبة بمسرح وطني عربي يحمل هويته بصدق وفخر، ويرتبط بواقعه وهموم شعبه وقضاياه، وبرزت بعض الأعمال القليلة لخدمة هذا التوجه تحت أسماء، مثل المسرح السياسي والمسرح الشعبي والمسرح القومي، والمسرح الملتزم».
وتابع: «من البدايات الى استمرار الحركة المسرحية وتطويرها، لقد كان لقسم التمثيل في كلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية، الدور المهم في ضخ الوجوه الجديدة الواعدة للمسرح والتلفزيون والسينما، التي جددت في كتابة وتمثيل وﺇخراج الدراما اللبنانية التلفزيونية، وأعطت أساليب جديدة في العروض المسرحية، وقد حرصت بعض الجامعات الخاصة أيضا على ﺇدخال هذا الاختصاص في مناهجها، لكن الخطأ الذي وقع فيه المسرح، مع تقدمه في السن، هو محاولته اللحاق بالتلفزيون وتقليده بحثا عن اعداد اضافية من المشاهدين، وأدى ذلك الى نتيجة وخيمة جعلت المسرح ينسى خطه الصحيح من جهة، وعدم تمكنه من مجاراة التلفزيون القائم على الاعلان من جهة ثانية، فعلى المسرح أن يرتبط بالقضايا الانسانية الكبرى، لا باليومي والآني والعابر والواقعي، والفن المسرحي كأي فن آخر، هو غير الخبر أو التغطية الصحافية التي لا تعول كثيرا على المخيلة، لذا فقد شهدنا في الآونة الأخيرة مجموعة من المسرحيات الركيكة أو الجوفاء، عدا بعض الاستثناءات، مع موجات هائلة من التسويق أخفتت صوت الجديين، والمحترفات الرصينة والمعاهد الجيدة، والآن بعد كوفيد- 19 يحاول المسرح أن يلملم أذياله، ويسترجع أنفاسه، بمبادرات خاصة وصعبة جدا، في ظل غياب الدولة الكلي كما في السابق».
ولا يتعب لحود، بل يزداد مثابرة على عشقه للمسرح، ويتابع في محترفه في بلدة عمشيت، ويختار أعماله بدقة، ويعد ممثليه ويطلقهم بعد استخراج مواهبهم، ومنهم من يعبر من الخشبة الى «الشاشة الفضية».
يوم المسرح في لبنان والعالم يوم، وفي حياة لحود روزنامة من اليوميات لا تنتهي حتى «آخر نفس» على خشبة الحياة.