الصوم مدرسة تربوية أخلاقية راقية يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصوم جنّة» أي وقاية للصائم من المعاصي وليس الهدف من الصوم الجوع والظمأ وحبس النفس عن شهواتها ولكن للصوم آدابا ومقاصد، من هذه الآداب نتعرف من خلال تلك السطور على ما قاله العلماء.
عن أهم آداب الصوم، يقول د.خالد الخراز: لا يكون الصائم كامل الصوم مقبولا عند ربه عز وجل إلا إذا صام صوما حقيقيا وتاما، بأن يكف جوارحه وشهواته ويمتنع عن المفطرات وعن المعاصي، ما ظهر منها وما بطن، ويمتنع عن قول الزور، وعن العمل به. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» وإن الصيام بهذا المعنى يكون كاملا مقبولا يتكفل الله سبحانه وتعالى بجزاء الصائمين، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الله عز وجل: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» فالصيام أمانة يجب على المؤمن أن يؤديها على أكمل وجه وأتمه، وأن يصون صيامه من كل ما يبطله أو ينقص ثوابه، مؤكدا ان آداب الصوم يجب ان يراعيها كل مسلم ومسلمة، وأن سلوكيات الصائمين مرآة تعكس صيامهم، ففي مدرسة الصوم يتعلم الناس دروسا نافعة ومبادئ هادية وقد بينت السنّة سمات الصوم الحقيقي المقبول، وعلى ضوئها يمكن للصائم ان يستشف ما عليه عبادته ويتعرف على ثمرة طاعته، وذلك بما تثمره عبادة الصيام من الكف عن المعاصي وغرس الفضائل والتحلي بمكارم الأخلاق والصدق في القول والعمل.
وأشار د.الخراز إلى ضرورة ان يوازن المسلم بين مسلكه مع الله تعالى ومسلكه مع الناس، فالتقرب إليه سبحانه بترك المباحات لا يستكمل أثره وثوابه إلا بترك المحرمات، إذن فهي دعوة الى تحسين الخلق وترشيد السلوك وتحصين الصائم نفسه من أن يصدر الى الناس شرا أو أذى فقد أحسن الله ثوابه وحصن صومه من ان ينتقص ويستنفد. فيجب على المسلم والمسلمة ان يكونا في سماحة النفس وحسن الخلق في العلاقات الإنسانية والاجتماعية، لأن ثواب الصائمين وهم على هذا الخلق الطيب يجل عن التقدير لأنه في نطاق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ولفت الى المظاهر السلوكية والأخلاقية التي تصنع حوادث الطرق والتي سببها الأول سوء الأخلاق والرغبة في السرعة وفي الوصول قبل الآخرين، نحتاج الى العودة الى الأخلاق التي أمرنا بها الإسلام لنرد الناس الى خلق السكينة والتمسك بمبدأ السلامة قبل مبدأ الغنيمة التافهة، غنيمة السبق والتخطي، لقد أصبحت أخلاق التحدي والسرعة هي السائدة، مؤكدا ان الصيام فرصة طيبة حتى نستفيد من أخلاق رمضان التي تدعو الى التخلق الحسن وتقديم الغير على النفس، ولعل المسلم اذا عود نفسه في رمضان على اتباع سلوك حسن وتصرف فاضل، فإن هذا يدعوه الى التخلص بهذا الخلق في كل أوقاته، وقد بين الله عز وجل الحكمة من الصيام في قوله تعالى: (كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فالتقوى هي أن يجعل الإنسان بينه وبين الله تعالى وقاية من عقاب ولا يكون ذلك إلا بأن يمتثل لأوامره ويجتنب نواهيه، وذلك باتباع حسن السلوك وحسن التصرف إزاء الآخرين وتقديم كل أشكال المساعدة لهم، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
الصوم بنهج التربية
من جهته، قال الشيخ يوسف السويلم ان صيام رمضان منهج عظيم للتربية يرتكز على الإخلاص والخشية من الله والحب لله والإيثار لمرضاته سبحانه، فهو عبادة بعيدة عن الرياء ولا يطلع عليها إلا علّام الغيوب وهو عبادة تترفع بالإنسان عن مطالب الشهوة، وتجعله يمتلك الإرادة الطاهرة وتمنحه صفاء العقل ونور البصيرة.
وقد جعل القرآن الكريم غاية الصوم هي التقوى والتي هي جماع الخير كله.
وزاد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم» فالصوم يضبط سلوك الإنسان ويعلمه الصبر ويقوي إرادته ويربيه على الفضائل ومكارم الأخلاق ويزيد من سلوك العفو والتسامح والتعاطف والشعور بالفقراء والمحتاجين والإحسان إليهم وإدخال السعادة عليهم.