- الشيخ عبدالله السالم استحق هذا اللقب بمبادرته إلى اتباع النهج الديموقراطي بعد الحصول على الاستقلال.. وأبناء الكويت استقبلوا خطواته بسرور بالغ
- لم ينقطع اهتمام الشيخ عبدالله السالم بمجلس الأمة وكان حريصاً على حضور جلساته وشهد آخرها وهو يعاني من مرض شديد
تعارف أهل الكويت على إطلاق لقب خاص بالشيخ عبدالله السالم الصباح (1950م-1965م) وهو «أبو الدستور»، ذلك لأنه بادر إلى اتباع النهج الديموقراطي باعتباره نظاما للحكم بعد حصول الكويت على استقلالها في اليوم التاسع عشر من شهر يونيو لسنة 1961م، فتم - آنذاك - فسخ الاتفاق التعاقدي الذي كان يربطها ببريطانيا منذ سنة 1899م.
وسيأتي بيان ذلك وفقا لسير عجلة التاريخ الذي سجل الأحداث منذ إلغاء ذلك الاتفاق. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن أبناء الكويت قد استقبلوا هذه الخطوة من أميرهم بسرور بالغ، فقد كانت الدليل الحقيقي على الاستقلال، ولما كان أول الطريق هو إصدار الدستور، وكان الشيخ عبدالله السالم هو الداعي إليه فقد استحق هذا اللقب. وقد خاطب الشاعر عبدالله السنان الدستور يوم صدوره فقال مثنيا على الشيخ عبدالله السالم:
أطلعت في عهد عبدالله باركه الـ
ـمولى وحالفه الإسعاد والظفر
عهد (ابن سالم) عهد لا يماثله
عهد، به البركات الكثر تنهمر
***
دفعني إلى الكتابة، إضافة إلى تقديري للدور المهم الذي أداه شيخنا الراحل لهذا الوطن العزيز، ما قرأته مؤخرا ما يثير في نفسي كثيرا من عدم الرضا لأنه يسيء إلى الرجل الذي نال مودة الجميع.
كان سبب إثارة هذا الموضوع مقال كتبه الأخ الكريم عادل الخرافي في مقال نشره في إحدى صحف الكويت، وكان يقصد في مقاله الرد على من تحدث عن موقف المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح حديثا قصد به الغض من قيمة هذا الرجل الشامخ، الذي لا يمكن أن ينساه مخلص من أهل بلادنا، ولا أن يتجاهل أحدهم أعماله وتاريخه، وأنا هنا أضم صوتي إلى صوت الأخ الكريم كاتب المقال، وأؤيد وجهة نظره.
أشار م.عادل الخرافي إلى حديث نقلته إحدى وسائل الإعلام عن أحد الأشخاص، جاء فيه ما يشير فيه إلى أن اعتناق سياسة الديموقراطية عندنا كان فرضا أو - على الأقل - إيحاء من الإنجليز. وورد ضمن ذلك الحديث أن أربعة من المسؤولين البريطانيين جاؤوا إلى الكويت في أواخر الخمسينيات أو بداية الستينيات ونصحوا أمير الكويت آنذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح بأن يكون نظام الحكم لديه ديموقراطيا يحكمه نظام برلماني ودستور إلى آخر ما ورد حول هذا الأمر.
ومع تقديري للتعليقات التي كتبها المهندس عادل الخرافي حول هذا الحديث المستغرب فإنني أود أن أضيف إلى تعليقاته بعض ما يحضرني في هذا الشأن، وذلك كما يلي:
1 - من الملاحظ أن التاريخ المذكور لزيارة هذه المجموعة البريطانية الرباعية غير محدد على وجه الدقة. وحول هذا نقول ما يلي:
أ - الموعد المتوقع الأول وهو أواخر الخمسينيات موعد لا مجال للحديث فيه عن النظام المقترح، لأن الكويت لم تتخلص من الاتفاق التعاقدي مع بريطانيا، وتتحرر منه إلا في 19/6/1961م، كما هو معروف.
ب - أما موعد الزيارة المتوقع الثاني فقد أشار إليه المتحدث قائلا إنه قد يكون في بداية الستينيات، ومن المعروف أن هذه الفترة كانت تحتوي على أمور كثيرة تشغل بال الأمير، ومنها الانضمام إلى جامعة الدول العربية، ومحاولة الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة، وتبادل التمثيل الديبلوماسي مع عدد من الدول إضافة إلى ما أثارته مطالبة حاكم العراق الهالك عبدالكريم قاسم بالكويت، ومع ذلك فإن الفترة ما بين استقلال الكويت، وبدء التحرك الديموقراطي لم تأخذ من وقت الشيخ إلا أقل من ثلاثة أشهر، فقد أصدر نظام انتخاب المجلس التأسيسي في 6/9/1961م، ثم دعا إلى الانتخابات الخاصة به في 30/12/1961م، وجرى افتتاح المجلس في 20/1/1962م.
ومرت الأحداث تباعا على هذا النمط، فأنجز المجلس التأسيسي دستور الكويت وصدر في يوم الحادي عشر من شهر نوفمبر لسنة 1962م، ثم بدأ أول انعقاد لمجلس الأمة في البلاد في 9/1/1963م.
إذن، فإن اختيار النظام الديموقراطي كان راسخا في ذهن الشيخ عبدالله السالم منذ أمد كما أسلفنا، وإن العمل على البدء به كان جاريا قبل أن يجف الحبر من على التوقيع الذي ألغى بموجبه الاتفاق المعروف، فمتى جاء الوفد البريطاني المزعوم إلى الكويت لمقابلة الشيخ ونصحه بقبول النظام الديموقراطي؟
ومرة أخرى نقول: إن كنا قد ذكرنا أن الجزء الأول من الخبر لا يمكن أن يصدقه أحد، لأنه من غير الممكن أن تتم إثارة الحديث عن شكل النظام قبل الاستقلال، فإن الجزء الثاني الذي يقول إن الزيارة ربما أنها جرت في أوائل الستينيات، لا يقبله العقل بدلالة ما ذكرناه آنفا عن تسلسل البدء بالسير على النهج الديموقراطي في البلاد منذ سنة 1961م، بعد الاستقلال بأمد قصير.
إضافة إلى أن الشيخ عبدالله السالم، بطبعه الذي قدمنا له أمثلة في موضع آخر لم يكن من السهل أن يطرح عليه غريب مثل هذه الأمور فهو سرعان ما يحول دفة الحديث إلى موضوعات أخرى، فيلتبس الأمر على محدثه، ويجد أنه لن يصل إلى نتيجة تذكر.
وبناء على كل ما تقدم، فإن هذه الفقرة من أقوال المتحدث إنما تشير إلى أمر لا مكان له في الواقع. وإنه إن كان قد قام بنقل ذلك عن مصدر ما، فإن مصدره هذا - على الأقل - غير دقيق.
2 - لم تخضع الكويت في يوم من الأيام إلى حكم استبدادي، وإذا رجعنا إلى نشأتها وجدنا أن اختيار الأمير الأول كان برضا السكان وإجماعهم، وكان من أول أعمال هذا الأمير الاستعانة بقاض يحكم فيما يحدث بين الناس في معاملاتهم ويفصل بينهم.
3 - لفت هذا الموقف نظر الأجانب، وقد وجدنا خريطة رسمها ألكسندر جونستون، ونشرها ضمن أطلسه المنشور في سنة 1875م، وهي من نوادر الخرائط، تأتي ندرتها من أنها كانت أول خريطة تصدر في القرن التاسع عشر، وهي تحمل اسم مدينة الكويت بدلا من (القرين)، الاسم القديم لموقع الحكم، وفيها أن الدولة تحمل اسم «جمهورية الكويت». وفي هذا الشأن، كتب أخي الأستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم في كتابه: «الكويت... قراءة في الخرائط التاريخية» تعليقا نصه: توصل إلى ذلك بأن سأل الناس في هذه المنطقة عن كيفية تعيين الحاكم، فقالوا: إننا الذين اتفقنا عليه، ثم سأل عن أسلوب الحكم، فعرف أنه شورى بينهم، فسماها: جمهورية.
وذلك بموجب ما يعرفه من وصف هذا النمط من أنماط الحكم.
4 - وما يدل على حرص حكام الكويت - منذ القدم - على عدم إخضاع بلادهم للغير ما حدث في زمن الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح المتوفى سنة 1859م، فقد قام وفد بريطاني بزيارة الكويت، واستقبله الشيخ المذكور كما يستقبل غيره من الزوار، وفي أثناء اللقاء قدم ذلك الوفد طلبا يتضمن الرغبة في الحصول على بعض التسهيلات التي منها البناء في الكويت، فلم يقبل ذلك. وعندها سألوه: أتسمح للحكومة العثمانية في نزول بلدك، والبناء فيها أم تمنعها كما منعتنا؟ فقال ردا على ذلك: نمنعها من ذلك إذا كان فيه ضرر علينا، وعلى بلدنا.
وهذا يدل على موقف استقلالي تجذر في نفوس الكويتيين وحكامهم. وهو أقدم ما جاءنا من الأدلة على ذلك.
5 - وبعد مرور زمن، جاءت فترة حكم الشيخ مبارك الصباح (1896م-1915م)، وقد مرت البلاد في عهده بكثير من الأحداث التي كان بإمكان بعضها التأثير على استقلالها لولا حصافة هذا الحاكم، وحسن تقديره للأمور، وحرصه على التوازنات بينها، ولم يكن الإنجليز وحدهم هم الذين كانوا في الميدان، بل لقد لقي الشيخ وفودا من روسيا وفرنسا وغيرهما، ولكنه - بخبرته - وجد أن الجانب البريطاني هو الأجدر بالتعاون معه، وحين رأى الظروف المحيطة به تزداد خطورة عاما بعد آخر فضل الاعتماد على هذا الجانب، فقد رآه ربما كان أوفى بالالتزامات، إضافة إلى كثافة وجوده في المنطقة المحيطة. ولذلك عقد مع بريطانيا الاتفاق التعاقدي المشهور في سنة 1899م.
ولكن هذا الاتفاق لم يكن ليضيق على الشيخ في حريته، وقد كان لهذا ما يدل عليه مما مر به خلال فترة حكمه. وهنا نذكر أمرين لهما دلالة على ما ذكرناه:
أ - كان الشيخ مبارك حريصا على إظهار استقلاله في اتخاذ القرار، ومثال ذلك أنه عندما وافق على تأجير قطعة أرض في منطقة الشويخ المعروفة اليوم من أجل أن يستعملها الطرف المستأجر مخزنا، وكان ذلك الطرف ممثلا للإنجليز، تشدد الشيخ في شروطه بما لم يوافق عليه الجانب الآخر. فأراد أن يري ذلك الجانب أنه لا يعبأ به، فقام في بداية شهر يونيو لسنة 1907م بحملة لمساندة الشيخ خزعل حاكم المحمره، دون أن يبلغ الوكيل السياسي البريطاني في الكويت بعزمه هذا.
وقد أثار هذا الأمر ثائرة الإنجليز، ولكنهم سرعان ما عادوا إلى هدوئهم متأكدين من أن الشيخ لم يسبق له أن سلم سياسته الخارجية للسلطات البريطانية. ووجهت الإدارة المركزية البريطانية النصح إلى وكيلها السياسي في الكويت إلى التغاضي عن الأمر، بل وأن يستمر مع الشيخ في مسألة استئجار الأرض.
ب - مما يعرف عن الشيخ مبارك الصباح أنه كان حريصا على استغلال كل فرصة تتاح له كي يكتسب منها فائدة لوطنه، وكان منتبها إلى كل ما يحيط به، بما في ذلك ما يدور على ألسنة زواره من المسؤولين الإنجليز، ومن ذلك أن المقيم السياسي منهم في الكويت أرسل إلى الوكيل السياسي البريطاني في بوشهر (إيران) رسالة بتاريخ 27 من شهر مايو لسنة 1909م يقول فيها:
«لست متفائلا جدا حتى أتوقع من مبارك أن يحيطني بثقته الكاملة التي لا يوليها لأي شخص، لكنه يستغل بمهارة فائقة وحنكة كبيرة نفوذه على السلطات البريطانية بما يحقق أهدافه، وخططه الخاصة».
وهكذا نرى هذا الرجل وهو يتتبع خطى من كان قبله من حكام الكويت، وفق ما رأيناه عن موقف الشيخ جابر بن عبدالله الصباح، وقد تبع الشيخ مباركا من جاء من بعده من الحكام الذين حرصوا على استقلال هذا الوطن، فلم يخضع أي واحد منهم لمحاولات التدخل في مسيرته، مهما كان الأمر.
6 - وتولى حكم البلاد في الفترة ما بين سنة 1921م و1950م الشيخ أحمد الجابر الصباح، وفي عهده قفزت الكويت قفزات كبيرة في مجالات الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، وقد بدأ حكمه بأن أنشأ مجلس الشورى الذي كان من أمره ما يلي:
استجاب الشيخ لاقتراح مجموعة من أبناء الكويت في أيام حكمه الأولى فقرر إنشاء مجلس يتولى النظر في شؤون البلاد ويقدم المقترحات بشأنها إلى الأمير، وقد تشكل هذا المجلس من مجموعة منتقاة من أبناء البلاد ذوي الخبرة، وكان رئيسه السيد حمد العبدالله الصقر، ولكن هذا المجلس لم يعمر طويلا، وقد أكد أحد أعضائه وهو عبدالعزيز الرشيد أن خلافات الأعضاء كانت السبب في ذلك. فقد جاء في كتابه «تاريخ الكويت» قوله: «وقد تضاربت الأقوال في من عليه مسؤولية إخفاقه (يقصد المجلس)، أما أنا - وقد كنت واحدا من أهل ذلك المجلس فإنني أنزه سمو الأمير عن المسؤولية، وقد عرف إخواني الفضلاء على من تكون المسؤولية من أهل ذلك المجلس» - كتاب تاريخ الكويت 1926م. كما شكلت عدة مجالس خصص منها مجلس لكل دائرة حكومية، وكان أعضاؤها من ذوي الدراية فيما يتعلق بالدائرة التي يختار العضو لها. ولكل دائرة رئيس من الأسرة الحاكمة.
وفي عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح نشأ المجلس التشريعي، وصدر به قانون أميري بتوقيعه.
ونحن نشير هنا إلى ما كتبه خالد العدساني في صدر كتابه: «نصف عام للحكم النيابي في الكويت» حيث قال: «مولاي صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر الصباح. في عهدك السعيد المجيد بدأ هذا الإنشاء الرائع الفريد، فلئن حالت دون إتمامه ظروف، فقد اقترن - على كل حال - جلال ذكره بجلال اسمك، واتسعت لمداه بوادر طيبة من رحابة صدرك، وسعة حلمك، فإذا نظرت إليه نظرة العطف والرضا وجدت أنه بهما قمين».
هذا، وفي كتاب العدساني المشار إليه هنا ما يدل على أعمال المجلس، وعلى مساندة الأمير له في بداية الأمر إلى أن اضطرب هذا العمل بسبب تضارب الأفكار، وتنافر الآراء، وبسبب تطلعات بعض الأعضاء إلى ما لا يتفق مع مصلحة الوطن في بعض الأحيان. ومن هنا انتهى المجلس كما انتهى سابقه. ولا تزال آثار الأحداث التي جرت في أيام هذا المجلس الأخيرة مؤثرة في بعض النفوس، مذكورة لدى البعض الآخر. ولكن هذا الكتاب يعطي لكل ذي حق حقه.
7 - وفي سنة 1950م تولى حكم الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح إلى أن حانت وفاته في سنة 1965م. وقد كانت فترة حكمه فترة زاهية في مجالات الحياة الكويتية كلها، خاصة عندما اختار النظام الديموقراطي أسلوبا للحكم في البلاد، حيث قام المجلس التأسيسي بأمره، وبمتابعة منه حتى تم إنجاز الدستور الذي أنشئ هذا المجلس من أجل إنجازه، ثم بدأت المسيرة الديموقراطية الواضحة في البلاد.
لقد تابع الشيخ عبدالله السالم كل ذلك حتى جنى ثمار متابعته وجهده، وحقق أمله القديم الذي راوده في الوصول إلى هذه النتائج، ولم يكن - في يوم من الأيام - في حاجة إلى من يملي عليه ضرورة الاتجاه إلى هذا النظام أو ذاك، ولم يكن في انتظار من بوجهه إلى ضرورة السير وفق النظام الديموقراطي في الحكم. فقد كانت له من تجارب ماضيه ما يؤكد ميله إلى هذا النوع من أنظمة الحكم، وقد بدا ذلك منه قبل أن يتولى سدة الإمارة. ولقد قدم بسلوكه - قبل أن يتولى السلطة - شواهد على أنه كان من أهم الدعاة إلى الديموقراطية، وكان نشاطه الواضح في مجالها حاملا لمصداق ذلك.
وهذه أمثلة لبعض ما أشرنا إليه:
أ - كان للشيخ عبدالله السالم حس ديموقراطي، يجعله يتجه ببلاده إلى هذا النمط المهم من أنماط الحكم دون أن يحتاج إلى من يدله عليه. ومما يكشف عن ثبات هذا الحس لديه ما حدث في مجلس سنة 1938م، حين أبلغ القائمين بالدعوة إليه بتأييده لهم ومساندته لدعوتهم. وقد استمر في العمل مع مجموعة المجلس التشريعي الذين وجدوا فيه سندا لهم، فاختاروه رئيسا لهذا المجلس، وحرروا إليه كتابا بهذا المعنى كما جاء في كتاب العدساني.
ب - ومرت الأيام وتسلم الشيخ عبدالله السالم زمام حكم الكويت، وجاءت سنة 1954م، ونفذت بأمره أعمال كثيرة تذكر له، وتعبر عن اهتمامه بوطنه، ولقد كتبت في اليوم العشرين من شهر سبتمبر لسنة 2006م ما يلي: «في اليوم الخامس من شهر مارس لسنة 1954م صدر الأمر الأميري بتشكيل لجنة تشرف على انتخابات مجالس دوائر البلدية والمعارف والأوقاف، على أن يكون الانتخاب لنصف الأعضاء في كل مجلس، بينما يعين الأمير النصف الثاني. وقد بدأ المرشحون بأعمال الدعاية لأنفسهم، وكان ذلك في اليوم العشرين من شهر مارس للسنة ذاتها، ومنذ اليوم الثامن عشر من هذا الشهر ولجنة الانتخابات تعد لهذه العملية المهمة. وقد جرت العادة على أن يتم اختيار عدد من المواطنين قدر عددهم بأربعة آلاف شخص ترسل إليهم رسائل هي بمنزلة استفتاء حول المرشحين، فيفوز من هؤلاء من تأتيه أكثر الأصوات».
وهذا يدل على اهتمامه بأمر التمثيل الشعبي في الدوائر الحكومية المشرفة على الأعمال العامة. كما أنه - بالتأكيد - لم يكن بإيحاء من جهة أجنبية، لا بريطانيا ولا غيرها. بل هو من صميم إحساس الشيخ بمسؤوليته الوطنية باعتباره حاكم البلاد وقائدها.
ج - كان البريطانيون يرغبون بمعرفة خطط الأمير التي يعتزم اتباعها في عمله هذا، ومنذ اليوم الحادي والثلاثين من شهر يناير لسنة 1950م وهم يحاولون جس نبضه لكي يحيطوا علما بأفكاره. وعلى سبيل المثال فإنه كان - في ذلك الوقت - يتحدث إلى المندوب السياسي البريطاني في الكويت عن أمور وصفت بأنها ليست تقليدية، وكان منها حديثه عن العملة الدارجة في الكويت، ورغبته في أن تكون هناك عملة موحدة للخليج كله. ومنها حديثه عن المنطقة المحايدة. وفي هذه الأثناء كان المندوب يحاول أن يستخرج من الشيخ ما يريده من معلومات فيرى الشيخ يذهب به بعيدا إلى موضوعات أخرى وكأنه يقول له لا شأن لك بما تسأل عنه.
وهذا - بطبيعة الحال - يذكرنا بما جرى - مع الشيخ مبارك الصباح مما أثرناه فيما سبق، وقد لحق الحفيد بآثار جده.
وتعليقا على ما قرأناه في هذا الخصوص فإننا نجد الشيخ عبدالله السالم يوحي في حديثه إلى المندوب المذكور بأنه ليس في حاجة إلى نصح أحد مهما كان، وليس من الضروري أن يجيب عن أي سؤال يقدم إليه، ولكن سلوكه الديبلوماسي، وحرصه على أدب الحديث جعلاه يحجم عن كبح جماح هذا السائل، فرد على أقواله برد لا علاقة له بالموضوع مما جعل المستمع يدرك أن ما جاء من أجله (وهو الاستكشاف) قد ذهب أدراج الرياح.
فهل يستطيع أي عاقل أن يدعي أن هذا الذي حدث ضمن هذا اللقاء، وهو لقاء لم يفز فيه الطرف البريطاني بشيء، ولم يذكر فيه موضوع الديموقراطية، فيه دلالة على أن الشيخ عبدالله السالم قد سلك طريق التمثيل الشعبي بناء على نصح بريطاني؟
وحتى لو كانت هناك حادثة أخرى، تضمنت لقاء للشيخ مع أي زائر بريطاني، فإنها لم ولن تخرج عن هذا الإطار فإنه رجل يسير كما سار أسلافه بعيدا عن التأثر بما يريد الغير إملاءه عليه. وسيرته في إدارة البلاد في شتى النواحي تدل على وفائه لمسؤوليته بصفته والد الجميع، وهو يعرف أنه إذا أذعن إلى رغبة أي كان فإنه يفرط بمصلحة أولاده جميعا.
***
كان اهتمام الشيخ عبدالله السالم بالديموقراطية واتجاهه إليها من قبل أن يصبح أميرا للبلاد.
ولم يكن يدع فرصة لغريب كي يتدخل من خلالها في خصوصيات الوطن، بل كان يوقفه عند حده، في أدب جم، وحزم.
ولم ينقطع عن الاهتمام بمجلس الأمة، وكان حريصا على حضور الجلسات التي تقتضي وجوده، ويكفي أن نذكر أن آخر جلسة حضرها كان خلالها يعاني من مرض شديد، ولكنه كان مصمما على البقاء في مقعده إلى آخر جلسة ذلك اليوم، لولا أن سارع رئيس المجلس إلى التوقف رغبة في محاولة علاج الأمير الذي كتب الله له أن يكون آخر عمل رسمي له في بيت الأمة الذي حرص على إقامته، وسانده بكل ما يستطيع - رحمه الله.
***
لم يكن التشكيك في نيات المتحدث هدفا لي عندما كتبت هذه المتابعة لمقال المهندس عادل الخرافي، فأنا على يقين من أن ابن الكويت سيكون وفيا لبلاده. ولكنني قصدت بذلك الإيضاح، وبيان حقائق الأمور، وفق ما عرفته عن طريق مصادر موثوقة، ووثائق محفوظة.
وأنا إذ قدمت ما ورد في هذا الموقع لأتمنى أن نضع - كلنا - مصلحة الكويت فوق كل مصلحة، وما أجدرنا بالصمت إذا كان حديثنا يتنافى مع هذه المصلحة، وبخاصة حينما تكون مصادرنا من جهات بعيدة عنا.