بقلم: عبدالله خالد الغانم - كاتب ومحلل سياسي
سأبدأ المقال بقراءة تحليلية أولا لإستراتيجية قائد القوات
الروسية الجديد في أوكرانيا الجنرال ألكسندر دفورنيكوف بعد تحليل الجزء الذي افتتح به قيادته بقرار سحب القوات الروسية المتجهة لكييف وإعادة نشرها في أوكرانيا بشكل يركز على كامل الشريط الساحلي في الجنوب والشرق الأوكراني فقط في هذه المرحلة، وبناء على تحليل هذه الافتتاحية التي بدأ بها قيادته للعمليات الروسية، أعتقد أن استراتيجية قائد القوات الروسية الكسندر دفورنيكوف تعتمد بشكل أساسي على أربعة مراحل رئيسية، عناوينها كالآتي:
1- عزل أوكرانيا بحريا بالسيطرة على كامل شريطها الساحلي بما يسمى استراتيجية «الأنكودا».
2- عزل أوكرانيا بريا عن مولدوفا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا.
3- عزل كييف عن لفييف.
4- إسقاط كييف بعد عزلها بشكل كامل عن كل المجالات التي يمكن أن يصل لها من خلالها الدعم الغربي.
وبناء على هذه الفرضية يمكن توقع التحركات الروسية في أوكرانيا مستقبلا، ولو حصل أي تغيير فسيكون التغيير تكتيكيا لتحقيق ذات الأهداف، ويمكنني هنا أن أتصور التحركات الروسية القادمة بشكل مرجح على هذا الأساس.
وفيما يلي تصور سيناريو التحركات الروسية القادمة مع التسبيب:
1- لأن عزل كييف بحريا هو الهدف الاستراتيجي لروسيا في المرحلة الاولى فسيكون التركيز الآن على ميكولايف ثم اوديسا.
2- لأن هدف الروس عزل اوكرانيا بريا في المرحلة الثانية، فسيكون التحرك الروسي بعدها باتجاه السيطرة على المناطق الأوكرانية الحدودية المتاخمة لمولدوفا من اقليم فنتسا الاوكراني، ثم سيكون التحرك الروسي على الأرجح باتجاه السيطرة على الاراضي الاوكرانية المتاخمة لحدود رومانيا من اقليم تشيرنوفستي الاوكراني، ثم سيستهدف الروس الأراضي الاوكرانية المتاخمة لحدود المجر وسلوفاكيا في الجزء الحدودي من اقليم يوزجورد الأوكراني، ليكونوا بذلك قد عزلوا كييف بحريا وبريا، وبذلك يضمن الروس عدم وجود خط إمداد غربي لسلطات كييف إلا من خلال الحدود الأوكرانية مع پولندا فقط، وعندها فقط سيبدأون بتنفيذ المرحلة الثالثة من استراتيجيتهم.
3- المرحلة الثالثة ستكون عزل كييف عن لفييف المتاخمة للحدود الپولندية ليعزلوا كييف عن خط الامداد الپولندي، وحتى يتمكنوا من تطبيق هذا العزل فغالبا ستستهدف القوات الروسية السيطرة على أجزاء متصلة من ثلاثة أقاليم اوكرانية وهي كالآتي: (يوزجورد وترنوبل ولوتسك)، وفي هذه المرحلة من المتوقع ان تدخل بيلاروسيا بكامل قوتها وثقلها بجانب القوات الروسية للسيطرة على الاجزاء الضرورية من هذه الأقاليم الثلاثة.
4- وأخيرا ستكون المرحلة الرابعة والاخيرة قد بدأت بعد السيطرة على المناطق الضرورية من الأقاليم الثلاثة المذكورة لتطبيق هدف عزل كييف عن لفييف، وهدف المرحلة الرابعة هو محاصرة كييف من كل الجهات والسيطرة عليها وعلى باقي المناطق الاوكرانية بعد النجاح بعزلها بريا وبحريا عن مجالات الامداد الغربية.
ختاما: سيحاول الإنجليز والأميركان بشكل خاص خلال مسيرة الروس باتجاه تحقيق اهداف المراحل الأربعة المذكورة أعلاه، تشتيت الروس بفتح جبهات جديدة معهم من خلال جرهم للدخول إلى فنلندا، ولأن الروس قد حسبوا لهذا الأمر لذلك لا نراهم يرمون بثقلهم العسكري في اوكرانيا، وبدلا من ذلك يؤثر الروس التقدم البطيء باتجاه تحقيق اهدافهم في اوكرانيا مقابل الحفاظ على معظم قواتهم في روسيا لاستخدامها لاحقا إذا اقتضت الضرورة باتجاه فنلندا قبل لحظة انضمامها للناتو لمنعها من الانضمام اولا، وثانيا لإكمال مشروع توسع روسيا الجيوسياسي الكبير الذي يجعل من الجغرافيا الروسية «قلب العالم»، وجدير بالذكر أن القيادة الروسية تؤمن بأن من يسيطر على «منطقة قلب العالم الأوراسي» سيسيطر لاحقا على باقي العالم بالضرورة لأهمية هذه المنطقة الجيوسياسية الكبيرة، ولذلك لا يمكن أن يفرط الروس بانضمام دول الهلال الداخلي كفنلندا وأوكرانيا للناتو حتى لو كلفهم ذلك قيام حرب عالمية ثالثة، لأن انضمامهما سيعني بالضرورة تحجيم القوة الروسية وتحويلها من قوة عالمية إلى قوة إقليمية فقط وهو ما لا يمكن أن تسمح به عقلية ونفسية بوتين والقيادات الروسية من خلفه إلا إذا انهزمت روسيا في حرب شاملة مع الغرب.