- المخبل السعدي ذكر اللؤلؤ والغوص والبوارح والمحالة والقيلولة والقطا واللخم والشخت وكلها ألفاظ في اللهجة الكويتية
- «أغدرة السيدان» اسم قديم للموقع المعروف لدينا باسم «السادة» الموجود على خريطة الكويت على يمين المتجه إلى السالمي غرباً
- نحذّر اللاعبين بأسماء الأماكن الكويتية من تغيير«الضباعية» لأنها تاريخياً قديمة وسكنها فرع من قبيلة بكر بن وائل اسمه «ضبيعة»
- الشاعر ضويحي بن رميح وصف حاله وقت رحلته إلى الغوص ورأى أن الرزق موجود بالبحر لكن الحصول عليه صعب يحيط به الخطر
نحلّق فيما يلي مع قصيدة شاعر غريب الشأن، ذلك أن لقبه الذي اشتهر به هو: المخبل السعدي، ولفظ المخبل معروف فهو في الفصحى بمعنى ارتخاء المفاصل من ضعف، أو جنون، وفي اللهجة الكويتية: الخبال هو الجنون، والمخبل هو المجنون. ولكن هذا الرجل كان شاعرا جيد الشعر، مشهورا بقصائد لا ينساها الرواة، وهو رجل من قبيلة بني تميم التي كانت تسكن المنطقة الشرقية الشمالية من جزيرة العرب، وهي التي كان يطلق عليها اسم: البحرين، وسماها أحد أصحاب الكتب الخاصة بالأماكن: البحرين العظمى، وذلك في كتابه «صفة جزيرة العرب»، أما المؤلف فهو: الحسين بن أحمد الهمداني. واسم المخبل السعدي هو: ربيع بن مالك السعدي نسبة إلى أصوله التي تنتهي إلى سعد بن زيد مناة من تميم. وقد ورد ذكره في كثير من الكتب القديمة وله شعر متناثر فيها وقد ذكر أنه عاش في الجاهلية والإسلام، فقد عمر عمرا طويلا. وقيل إنه قد توفي في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب أو سيدنا عثمان بن عفان، وهو شيخ كبير السن.
اختار المفضل الضبي في كتابه «المفضليات» قصيدة من أجمل قصائد هذا الشاعر، فهي ذات معان تلفت الأنظار وجرْس آسر. وفيها دلالات على الموقع الذي كان يذكره فيها من حيث طبيعته، ومن حيث ما فيه من نشاط كان أهله يقومون به. يبدأ قصيدته بقوله:
ذكر الرباب وذكرها سقم
فصبا وليس لمن صبا حلم
وإذا ألم خيالها طرفت
عيني فماء شؤونها سجم
كاللؤلؤ المسجور أغفل في
سلك النظام فخانه النظم
جاء الشاعر في البداية على ذكر من يحب، واسمها (الرباب)، وبين أن تذكره لها يزيد في سقمه، وذلك بسبب فراقه لها، ولذلك فقد حن إليها واستبد به الشوق (صبا)، وفقد الصبر. ذلك لأن خيالها إذا خطر بباله جعل عينه تسبل الدموع حتى صارت شؤونها (مجاري الدمع فيها) سائلة لما أثارته الذكرى في نفسه الولهى.
هذه الدموع تشبه اللؤلؤ الذي كان منظوما في سلك، ثم انقطع ذلك السلك، وتناثر ما علق به. ثم ينتقل إلى وصف المكان الذي كانت الرباب تسكنه مع أهلها قبل أن ينتقلوا منه، فصار خاليا ليس فيه إلا بقية آثارهم:
وأرى لها دارا بأغدرة السـ
يدان لم يدرس لها رسم
إلا رمادا هامدا دفعت
عنـه الرياح خوالد شحـم
وبقية النؤي الذي رفعت
أعضـاده فثوى لـه جـذم
فكأن ما أبقى البوارج والـ
أمطار من عرصاتها الوشـم
ها هو يصف دارها في (أغدرة السيدان)، وسوف نعود إلى الحديث عن هذه الأغدرة فيما بعد، فيقول: إن دارها هناك خالية، ليس فيها إلا آثار ما أبقاه سكانها، وإلا الرماد الخامد بطول المكث، وقد منعت الحجارة التي تنصب للقدور الرياح من إزالته، ووصف تلك المناصب بأنها سحم فهي تميل إلى السواد بسبب الوقود. ولم يبق ـ أيضا ـ من ذلك المكان إلا بقية من حاجز يوضع حول البيت ـ عادة ـ حتى يمنع دخول مياه الأمطار إليه. وقد أزيلت جوانبه، فلم يبق منه إلا ما يدل عليه (جذم)، حتى لكأن ما ابقته رياح البوارح الشديدة والأمطار المنهمرة مما في ساحة تلك الدار: وشم، والوشم هو ما ينقش على الأيدي ونحوها.ثم يمضي المخبل السعدي في وصف موقع تلك الدار، وما آلت إليه بعد أن غادرها سكانها: أهل الرباب. فيقول: إن هذا المكان صار مجالا للرعي، تتتبع فيه الأبقار مسارب العشب، وتختلط بها الظباء البيض (الآرام)، وتلك التي في بطونها سواد، وكل هذه الحيوانات تجري حولها صغارها وتحيط بها.
ثم ينتقل إلى وصف الرباب فيخبرنا أنها كانت عزيزة على أهلها، لا يفرطون بها فهم إذا أرادوا الانتقال من مكان إلى آخر أرسلوا في المقدمة من يستكشف لهم الطريق، ويبحث عن المكان الآمن الذي يمكنهم أن يعيشوا فيه بلا متاعب. وهي جميلة ذات صورة رائعة، عاشت في نعيم زاد في رونق شبابها، وأعلاها على قرائنها. فهي تشبه الدرة البيضاء الغالية الثمن التي:
أعلـى بها ثمنـا، وجاء بهــا
شخـت العظام كانه سهـم
بلبانـه زيـت وأخـرجـهـا
من ذي غوارب وسطه اللخم
يقول: هذه الدرة دفع بها مالكها مبلغا كبيرا من المال، ونالها بعد أن جاء بها غائص دقيق العظام (شخت) كأنه السهم في السرعة والمضاء، وقد جعل على صدرة زيتا (اللبان هو: الصدر) لكي يقاوم ملوحة ماء البحر، وقد غاص لها في ذلك القاع حتى أخرجها منه، متحديا أعلى الأمواج (الغوارب)، وأسماك اللخم. ثم شبه الشاعر (الرباب) ببيضة لنعامة باضتها لأول أمرها بالبيض. ثم استمر في ذكر محاسن الفتاة، وانتقل إلى وصف شعرها وعناية الماشطات به. وتساءل بعد ذلك مع استمراره في الوصف، فقال: ألم يحن لك أن تسلو هذه الحالة التي التصقت بك.
ثم يبدأ بوصف طريقه إلى تلك الديار وما شاهده فيها، ووصف ناقته التي حملته إلى هناك وهي ناقة قوية تطأ الحصى فتجعله قطعا صغيرة بسبب صلابتها وقوتها. وكان سيره في صحراء يملؤها السراب الذي كان يراه وكأنه يجري في شدة الحر أمامه. ثم يصف سرعة سيرها فيقول:
قلقت إذا انحدر الطريق لها
قلق المحالة ضمها الدعم
اندفعت في مسيرها (قلقت) كاندفاع المحالة، وهي البكرة التي يسحب بها الماء من البئر بدلو مربوط بحبل يمر بالمحالة، وهذه المحالة (مفتوحة اللام) هنا تأتي في اللهجة الكويتية بالمعنى نفسه مع تشديد الحاء، والدعم هو ما يسند المحالة حتى تبقى في مكانها فلا تسقط في البئر عند سحب المياه. وهو لا يستغنى عن هذه الناقة القوية الفارهة فهي وسيلته إلى حيث يريد من الأمكنة. وعندما يختم المخبل السعدي قصيدته هذه، فإنه يختمها بحديث مختلف عما سبق له أن تحدث به، حتى لنظن أن ما بين هذا الحديث وما قبله فجوة من أثر شعر غاب عن الرواة، فهو يقول هنا:
وتقول عاذلتي وليس لها
بغد ولا مـا بعـده علـم
إن الثراء هو الخلود وإن الـ
مرء يكرب يومه العـدم
إني وجدك ما تخلدني
مائة يطير عفاؤهـا، أدم
ولئن بنيت إلى المشقر في
هضب تقصر دونه العصم
لتنقبن على المنية إن
الله ليس لحكمه حـكم
إني وجدت الأمر أرشده
تقوى الإله وشـره الإثـم
وهذا ختام جيد لقصيدة جيدة، فالشاعر يفصح فيه عن توكله على الله عز وجل، بعد أن قالت له عاذلته - وهي لا تعلم الغيب - أن الثراء هو الخلود الحقيقي للإنسان، وأن فقد المال (العدم) يدني المرء من وقت وفاته. ولكنه يرد عليها بأن المال لا يهب المرء خلودا. وأنه ـ شخصيا ـ لو نال مائة من الإبل السمان يطير لفرط سمنها وبرها، وهي بيضاء ناصعة البياض. وأنه لو ابتنى قرب حصن المشقر في البحرين بناء عاليا لا تصل إليه الوعول، فإن المنية سوف تأتيه، لأن حكم الله ليس كمثله حكم. ويا عاذلتي إني وجدت أن أقرب الطرق إلى الرشاد إنما هو: تقوى الله وشر الطرق هو الإثم.
٭ ٭ ٭
نلقي الآن نظرة على ما مضى من أبيات القصيدة، وعلى ما بقي من شرحها، وذلك بحسب النقاط التالية:
1 ـ مرت بنا ألفاظ دارجة في اللهجة الكويتية ذكرت في أبيات متفرقة، وقد أشرنا إلى بعضها مثل: المحالة، ونشير هنا إلى 3 ألفاظ أخرى:
ـ لفظ تقيل، ومعناها تنام في وقت القيلولة ظهرا، وهي في اللهجة: القايلة.
وقد جاء هذا اللفظ في بيت لم نختره. وفيه يصف ناقته فيقول:
وتُقيل في ظل الخباء كما
يغشى كناس الضالة الرئم
يريد أنها معززة مكرمة، تمضي القيلولة في ظل وارف كما تأوى الريم (الظبي) إلى السدرة البرية.
ـ القطا: وهو طائر معروف.
ـ اللخم: وهو جمع لخمة كما في اللهجة، وهذه من أنواع الأسماك، الواحدة منها عريضة ولها ذيل طويل تلسع به من حولها للدفاع عن نفسها.
ـ ومر بنا لفظ (شخت) وهو الرجل السريع يمر وكأنه السهم. ولفظ الشخت دارج في اللهجة فيقال: فلان شَخَتْنا بمعنى مر بنا سريعا.
2 ـ أما غير ذلك فقد ورد لفظ (البوارح) وهي: جمع بارح، وقد وصف بأنه ريح شديد يهب في وقت محدد من السنة، وهو معروف لدينا بهذا الاسم مفرده بارح، وجمعه بوارح، وزمنه يبدأ منذ اليوم السابع لشهر يونيو إلى اليوم التاسع عشر منه، وفيه يهيج البحر وتشتد الرياح.
3 ـ وفي القصيدة ـ أيضا ـ ذكر موضع هو: أغدرة السيدان التي كانت بها دار (الرباب) صاحبة المخَّبل السعدي، وإذا أردنا أن نعرف شيئا عن هذا المكان فإن بالإمكان الرجوع إلى كتابنا: «السيدان، قبس من ماضي الكويت»، ففيه تفصيل واف يتضمن الدلالة عليه، ومما ينبغي أن نذكره هنا أن هذا الموقع وهو: السيدان كان يضم - أيضا - أغدرة السيدان، وحفر السيدان. وأن نذكر أن السيدان هو الاسم القديم للموقع المعروف في يومنا هذا باسم: السادة.
وقد ذكر المرحوم الأستاذ أحمد البشر الرومي السيدان وهو أول من نبه إلى أنه: السادة، ولم يكن تحت يديه عندما كتب مقاله في أول خمسينيات القرن الماضي من المراجع ما يشفي غليله، فاكتفى بالإشارة، وأفاد على الرغم من إيجازه. هذا وأغدرة السيدان موضع تتجمع فيه مياه الأمطار، وحفر السيدان آبار في الموقع ذاته. أما موقع السادة ـ حاليا ـ فإننا نراه على خريطة الكويت عن يمين المتجه إلى السالمي ـ غربا ـ وسوف نرى موقعين آخرين عرفا قديما هما فردة والرحا وهما اليوم: الفريدة والرحية.
4 - وذكر المخبل السعدي الغوص على اللؤلؤ في ثلاثة أبيات من قصيدته، وليس ذلك بمستغرب منه، فهو من قبيلة تعيش في هذه المنطقة المتاخمة للمغاصات، وكان عدد من أهلها يعملون في هذه المهنة، وشعراؤها يذكرون الغوص والإبحار بشكل عام في أشعارهم. وقد ذكر البحر والسفن طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي المشهور، وذكر الشاعر المسيب بن علس الغوص وطريقة العمل به، وهو أيضا من شعراء هذه المنطقة، وهو القائل واصفا الغوص ومن يقوم به، وما هي نتائجه بقوله:
كجمانة البحريّ جاء بها
غواصهـا مـن أجـة البحـر
صلب الفؤاد رئيس أربعة
متخالفـي الألوان والجـر
(ألوانهم وأصولهم مختلفة)
فتنازعوا حتى إذا اجتمعوا
ألقوا إليه مقالد الأمر
وعلت بهم سجحاء جارية
تهوي بهم في لجة البحر
حتى إذا ما ساء ظلهم
ومضى بهم شهر إلى شهر
ألقى مراسيه بتهلكة
ثبتت مراسيها فما تجري
فانصبّ أسقف رأسه لبد
نزعت رباعيتاه للصبر
أشفى يمج الزيت ملتمس
ظمآن ملتهب من الفقر
قتلت أباه فقال: أتبعه
أو أستفيد رغيبة الدهـر
نصف النهار الماء عامره
ورفيقه بالغيب ما يدري
فأصاب منيته فجاء بها
صدفية كمضيئة الجمر
يعطى بها ثمنا ويمنعها
ويقول صاحبه: ألا تشري؟
وترى الصراري يسجدون لها
ويضمها بيديه للنحـر
ولقد نسبت هذه القصيدة للأعشى ميمون بن قيس، وليست في ديوانه وأثبتت المواجع أنها للمسيب بن علس وهو خال الأعشى. وكان هذا من الشعراء القدماء المقلين في شعرهم، ولكنهم من المجيدين فيه. واسمه المسيب بن علس بن مالك بن عمرو حتى ينتهي إلى ضبيعة بن عمرو، وضبيعة فرع من قبيلة كبيرة هي بكر بن وائل كان قسم كبير منها يسكن في الجزء الذي فيه الكويت من جزيرة العرب ومما يدل على ضبيعة الموقع الكويتي المعروف على الساحل إلى الجنوب وهو الضباعية. ولما كان هذا الاسم تاريخيا قديما فإن من المهم أن نحذر اللاعبين بأسماء الأماكن الكويتية من تغييره بما يشاؤون من أسماء. أصل الجمانة حبة كالدُّرة تصنع من الفضة، ولذا شبه الشاعر الدرة التي أتى بها الغواص من لجة البحر بها. وهذا الغواص كان قوي القلب رئيسا لأربعة يطيعونه فيما يأمر به بعد أن اتفقوا على ذلك. وساروا في سفينة طويلة انزلت المجموعة مراسيها حتى لا تتحرك. وقد هبط الغائص في تلك اللّجة بما له من استعداد، وبما له من رغبة في الحصول على تلك الدرة التي كانت السبب في مقتل أبيه حتى انتصف النهار فوجد ما يطلب، وجاء بتلك الصدفة المضيئة كأنها الجمر، واستخرج الدرة فعرض بها فيها سعر عال، حتى لقد قال له صاحبه بعها، ولكنه يظن بها على البيع، ويفخر حين يرى البحارة وقد سجدوا إكبارا لها، فضمها بيديه وإلى نحره وصدره، وجاء في رواية: ويضمها بيديه للتجر، وكأنه لا يريد المتاجرة بها. بعد هذا الوصف الرائع لعملية الغوص وبعد العثور على الدرة ووصف الشاعر لها، قال إن هذه الرائعة شبيهة بفتاته المالكية حين تخرج ببهجتها من خدرها الذي يكنها عن الناس:
فلتلك شبه المالكية إذ
طلعت ببهجتها من الخدر
هذا ومما مر بنا في هذه الأبيات مما يستدعي إيضاحه ما يلي:
اسقف: فيه طول مع أنحاء.
أشفـى: أشرف وأطـل.
يمـج: يقذف من فمـه.
الرغيبة: العطاء الجزيل.
٭ ٭ ٭
وذكر الغوص ـ أيضا ـ شعراء الكويت، فقد كانت هذه المهنة تشغل الناس جميعا، وقليل من القادرين على القيام بها هم الذين لم يشاركوا في رحلاتها. وقد وردت إلينا أشعار كثيرة فصيحة ونبطية وكلها تذكر الغوص. ومن هؤلاء الشعراء الخال الشاعر داود سليمان الجراح الذي كان في رحلة من رحلات الغوص المرهقة، فعبر عن ذلك بقصيدة تحدث فيها عن العناء الذي تكبده هو ومن كان معه على متن سفينتهم، وذكر مواقع الغوص التي تسمى: الهيرات، وهي جمع: هير، ومن هذه القصيدة قوله:
وإذا رأيت الحظ يمشي القهقري
فاعلم بليت بآفة الخذلان
فظللت مشغوف الفؤاد مولها
ومشتت الأفكار كالحيران
لا حالة (المشعاب) تسلي خاطري
عن حالة الأحباب في الأوطان
كلا ولا أسلو (بعارض يوسف)
أبدا ولا (قمرا) ولا (البلداني)
ويمضي في ذكر أماكن الغوص، ثم يعرج على ذكر مجموعة ممن كانوا معه على متن السفينة، وبعد أن ينتهي به المطاف يختم أبياته بقوله:
استغفر الله العظيم وأسأل
المولى الكريم يمُنُّ بالغفران
ومن الشعر النبطي نختار نموذجا مما قاله الشاعر الكويتي ضويحي بن رميح يصف الحالة التي كان يعيش في ظلها وقت رحلته إلى الغوص، ويوجه شعره إلى صديق له هو: أبومنصور، واسمه ناصر الفنيده فيقول له مبتدئا بالحديث إلى البحر:
يا بحر فيك الرزق لاشك مخطور
أكبر خطر غوص البحور الغزيرة
اكبر مصيبة عندنا يا بومنصور
لا هبت رياح قوية خطيرة
ولا نساك السيب في جمة بحور
إما نعس ولا تعومس مريرة
والنوخذة لا صار ضايق ومحشور
انضيق من ضيقه، ونعجب نظيره
وهو هنا يرى أن الرزق متوافر في البحر، ولكن الحصول عليه صعب يحيط به الخطر، وذلك إذا كان البحر غزيرا، ولكن أكبر المصائب تأتي عند هبوب الرياح الشديدة العاتية، أو عند نسيان السيب (وهو الذي يسحب الغواص من قاع البحر) أو عند عدم متابعته لمهمته، فيتركه في قاع البحر بسبب استيلاء النعاس عليه أو بسبب اضطراب نفسه. ومن أصعب الأمور أن يكون النوخذة ضيق النفس متكدر البال، فيؤثر ذلك على البحارة حتى إنهم يتكدرون لكدره ويعملون كل ما يرضيه.
٭ ٭ ٭
هذا حديث متنوع، ولكنه يحمل دلالات واضحة على أساليب الحياة التي كانت سائدة في بلادنا منذ ما قبل نشأتها إلى أن صار أبناؤها يسيرون على ما كان عليه آباؤهم، فقد كان البحر يناديهم ويفسح لهم صدره كي يغوصوا فيه ويستخرجوا منه تلك الدرر التي نفعت في أوقات الضيق إلى أن رزق الله البلاد بما أغنى عنها. ونحن نحمد الله على نعمته، ونرجوه دوامها، ونتوسل إليه عز وجل ألا يغير علينا، وأن يمنع عنا كل ما يكدرنا.