قد لا يكون «All the Old Knives» فيلما يعطي شعورا بالسرور، لكنه ينجح في أن يكون مرضيا في نطاقه، وقد يحمل بعض العيوب إلا انه يمثل عودة مرحبا بها للماضي، والتي توفر ابتعادا عن أفلام الأبطال الخارقين والأفلام المليئة بمؤثرات CGI التي تعج بها دور السينما حاليا، وفي حين قد لا يكون أفضل الأفلام من نوعه، غير انه دراما رائعة حول الشخصية، حيث يستفيد من الأداء القوي لطاقم ممثلين مذهل.
منذ أكثر من 8 سنوات بقليل لعب «كريس باين» دور البطولة في «Jack Ryan: Shadow Recruit»، وهو دور آخر في سلسلة محاولات «Paramount» الطويلة لصنع ريبوت حول الجاسوس الفائق من «توم كلانسي»، وعلى الرغم من أن هذه المحاولة التي كانت من المحتمل أن تتحول إلى سلسلة قد تلاشت على الشاشة الكبيرة، لكن باين كان مناسبا للشخصية وعالمها، لذا فإن دوره الرئيسي في «All the Old Knives»، الذي يعرض الآن على Amazon Prime إلى جانب مسلسل «Tom Clancy›s Jack Ryan»، يمثل عودة مرحبا بها للنجم إلى هذا النوع، وإن كان ذلك بموجب أوامر إدارية مختلفة تماما.
يأتي «All the Old Knives» مبنيا على رواية تحمل العنوان نفسه للمؤلف أولين شتاينهوار والتي صدرت في 2015، وهو يعود إلى حقبة سابقة من روايات التجسس ويستحضر (من ناحية الطموح والتنفيذ) روايات المؤلف جون لي كاري مثل «Soldier» و«The Tailor of Panama».
إنه فيلم يتعمق بالشخصية ببطء، والذي كان قد يفضل في وقت من الأوقات أن يتم إنتاجه كفيلم سينمائي ضخم، لكن في عصر شبكات البث، تصدر أفلام كهذه على Amazon Prime وغيرها وتكتسب ضجة لأسبوع أو اثنين قبل أن تنغمر تحت ضجة الفيلم أو المسلسل الكبير التالي والخوارزميات، إنه لأمر مؤسف.
تبدأ أحداث الفيلم في أعقاب عملية اختطاف إرهابية لطائرة في 2012، ثم تقفز إلى عام 2020، حيث يقوم محلل وكالة الاستخبارات المركزية هنري بيلهام (باين) بتعقب زميلة محللة وصديقته الحميمة السابقة سيليا هاريسون (ثانديوي نيوتن)، التي أصبحت لديها الآن عائلة وتقاعدت من الخدمة، بالطبع، كون الفيلم من نوع تجسس وإثارة، يمكننا أن نفترض أن الأشياء أكثر تعقيدا مما تبدو عليه.
يقوم رئيس المركز فيك والينغر (لورانس فيشبورن) بتكليف «بيلهام» بإغلاق الكتاب بشأن بعض الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها من ذاك اليوم المأساوي، حيث فقد جميع ركاب الطائرة حياتهم، وهكذا يعاود هو وسيليا التواصل بعد 8 سنوات من عملية اختطاف الطائرة، مع استمرار الشغف بينهما تحت السطح، ولكن لا يطول الأمر قبل أن تبدأ تلك السكاكين القديمة في الظهور.
التجسس مؤذ، وهذا الفيلم الذي يأتي من إخراج جانوس ميتز بيدرسن يتجنب الانفجارات والمشاهد الضخمة التي رأيناها في أفلام «بوند» و«رايان» لصالح تقديم فيلم أكثر حميمية وهدوءا، يركز إلى حد كبير على اللقطات المقربة التي نرى فيها الشخصيات المختلفة والتي تحدق في بعضها البعض عبر الطاولات في المطاعم والصالات، ويتعمق بمسائل التجسس، وبالخسائر العاطفية والنفسية التي ينطوي عليها تحريك ناس حقيقيين هنا وهناك كما لو كانوا مجرد بيادق على رقعة شطرنج خيالية.
ومن هذه الناحية يبدو هذا الدور ملائما لباين بشكل فريد، حيث يستفيد بشكل كبير مما يقرب من 10 سنوات من الخبرات التي جمعها منذ مغادرته «Jack Ryan»، إنه يجسد بشكل رائع من خلال عينيه الحذر والتروي البارد والاضطراب الواضح وتساعده بشكل كبير تلك اللقطات المقربة المذكورة أعلاه، كما يبدو الانسجام بين الممثل و«نيوتن» ملموسا خلال الأحداث، ليس فقط في مشاهد الحب بينهما، بل أيضا في الشوق والمسافة التي يجسدانها، حيث تتكشف تفاصيل الحبكة بشكل منهجي، ويضيء تقاطع كل منهما من الماضي إلى الحاضر والمزيد من التفاصيل في خليط معقد للغاية من الأحداث المصيرية.
بالنسبة إلى تلك الحبكة (مع سيناريو من تأليف شتاينهوار نفسه)، لسنا متأكدين تماما حول كيف سيكون الشعور بعد بضع ساعات من المشاهدة، لكن بالتأكيد خلال اللحظة، هناك الكثير من المفاجآت والتقلبات التي تبرر انسجام المشاهدين، وفي حين لمن المزعج أنه مجرد فيلم هوليوودي آخر يبرز الصور النمطية المخيفة للإرهابيين الهمجيين، إلا أن هناك على الأقل محاولة لإبراز تعقيدات هذه الأمور أكثر من الكثير من الأعمال التي تركز على خطاب «انهم يكرهوننا بسبب حريتنا» في أعقاب 11 سبتمبر.
هناك جو من السوداوية المنسوجة بطريقة منهجية في «All the Old Knives»، فبعيدا عن الشعور بالبطولة أو النبل، يضفي الفيلم شعورا بأن هذا النوع من العمل (رغم أنه ضروري في كثير من الأحيان) قد حطم إلى حد ما جميع الأشخاص المكلفين بتنفيذه ليس فقط «بيلهام» و«هاريسون»، ولكن أيضا «والينغر» والضابط الذي يليه رتبة بيل كومبتون (جوناثان برايس)، وصحيح أن الفيلم يتمحور حول الموت والخيانة والمأساة، لكنه في الغالب يتمحور حول الحزن، حزن غير قابل للشفاء.