- الخراز: كرّست الشعور بحب الوطن المتأصل في النفوس والذي يترجم إلى سلوك إيجابي بخدمته والدفاع عنه
- العنزي: علمتنا الهجرة النبوية كيف نربي الشباب على التضحية والفداء
- الحزيمي: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تعد نبراساً تهتدي به الأمة وسط التحديات والعقاب
في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة نجد كثيرا من الدروس والعظات والقيم النبيلة، فنجد ان الذين هاجروا لم يهاجروا من اجل متعة فانية، وإنما هاجروا من أجل خدمة دينهم وخدمة عقيدتهم، ومن أجل ان يكونوا لبنة قوية لإنشاء أمة هي خير أمة أخرجت للناس.
حول الدروس المستفادة من الهجرة يحدثنا علماء الشرع:
عن الدروس التي تعلمنا القيم والأخلاق والارتباط بالوطن وحبه وتحقيق المواطنة يحدثنا الشيخ د.خالد الخراز، مؤكدا ان حب الوطن غريزة في نفوس الناس جميعا يدافعون عنه، ويشترط الاسلام الا يتنافى هذا الحب مع تعاليم الدين، وذلك لأن الولاء يجب ان يكون لله وحده وأن الأرواح تبذل في سبيله، وأن حب المسلم للوطن يكون بمقدار حب أهل هذا الوطن للإسلام، وبغير الإسلام يصبح الوطن مجرد ارض، وقد أحب الرسول الكريم المدينة بعد إسلام أهلها، ولما اشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال: «هذه طابة وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه» رواه البخاري.
وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته وإن كانت دابة حركها، قال الراوي: حركها من حبها: رواه البخاري، وقال الحافظ بن حجر: وفي الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم برغم قسوة اهل مكة فإن ذلك لم ينقص من شعوره تجاهها لأنها مدينة يحبها الله، فهو يحب مكة ثم لما هاجر الى المدينة واستوطن بها احبها وألفها كما احب مكة، بل كان يدعو ان يرزقه الله حبها كما هو في صحيح البخاري «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد» وكذلك هو محب للمدينة التي ناصرته ودافعت عن الدين العظيم.
ولفت د.الخراز الى ان حب الوطن يتمثل في حب الخير للأمة والسعي فيما يصلحها وإبعاد شبح اي خلاف او نزاع او تفريق كلمتها، ولا تخرج الهجرة عن هذه المعاني الكريمة.
فإرادة الرسول الكريم الخير للأمة دفعته للهجرة من مكة، وفي نفس الإرادة جعلته يعود اليها متوجا بالنصر، وكذلك نصرة اهل المدينة للدين دفعه الى حب المدينة وأهلها ولم ينقص ذلك من حبه لمكة وهي البلد الحرام، ان حب الرسول الكريم لمكة جعله يدعو اهلها للدين الحنيف، وذلك لإرادة الخير لهم فهو أراد النفع لبلده وأهلها ولم يستجيبوا فهاجر ليعود، وكذلك نصرة اهل المدينة له جعلته يحب المدينة وأهلها ويحرص على غرس الإيمان في قلوبهم، وكذا نحن يجب علينا ان نحرص على وطننا من خلال إرادة الخير له ولأهله، وما الخير إلا التمسك بالدين الحنيف والعمل به.
مؤكدا ان الهجرة تؤكد حب الوطن، والمواطنة الصالحة هي ارادة الخير للناس، وتتمثل في سلوك المسلمين الايجابي وحبهم لدينهم وبلادهم، لافتا الى المواطنة وحب الوطن والاخلاص له فيما ينبغي على المسلم فعله والاستمرار فيه ولا تعارض بين حب الوطن وحب الاسلام والمسلمين، ولا تناقض في حب المسلم الاشياء المباح حبها من حب الاسرة وغير ذلك، وبين ان مظاهر حب الوطن ان يعمل الانسان ما استطاع من اجل حماية مكاسبه وصيانة خيراته ويكون عينا حارسا له من كل عدو متربص في الداخل والخارج، وكل ذلك مع تقوى الله والشعور بنعمته.
الإخلاص
وزاد: كما ان للهجرة دروسا كثيرة منها ان الحب الحقيقي للوطن هو تأصيل العقيدة الصحيحة بمفهوم سلف الأمة وترسيخها في الأجيال والوطنية الحقة عقيدة راسخة ومجتمعا موحدا، جيلا يحب الخير ويتصف اهله بالرحمة والألفة والإخاء والتكافل الاجتماعي، والقضاء على اسباب الشر والفساد.
التمسك بالحق
وحول استقبالنا للعام الهجري الجديد يقول د.سعد العنزي: علينا ونحن نستقبل هذا العام الهجري ان نستقبله بالإخلاص في العمل ومتابعة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومحاسبة النفس على تقصيرها، والحفاظ على الفرائض والسنن، ومحاسبة النفس ان قصرت بحقها، وذكر الله تعالى، فعلينا محاسبة النفس عما اكتسبت وماذا عملت.
قال الحسن البصري رحمه الله «لا تلقى المؤمن الا يحاسب نفسه ماذا اردت ان تعملي؟ ماذا اردت ان تأكلي؟ وماذا اردت ان تشربي؟ والفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه»، وقال ميمون بن مهران رحمه الله «لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه اشد محاسبة من الشريك لشريكه ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان ان لم تحاسبه ذهب بمالك».
وقال مالك بن دينار - رحمه الله تعالى - «رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عزّ وجلّ فكان لها قائدا، وأكد على ضرورة الالتزام بالإخلاص لله وتقوى الله التي كانت سببا في دعم الناحية الروحية في المجتمع النبوي الجديد وأن التمسك بالحق والإخاء والعدل والمساواة هو اساس الحياة، مؤكدا ان الهجرة ارست العديد من المفاهيم والعظات والمثل الاسلامية والتي منها الايثار الذي تجلى بعد هجرة الرسول من مكة الى المدينة، حيث ان الانصار آووا المهاجرين ونصروهم وقدموهم على أنفسهم (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون - الحشر: 9).
دروس وعبر
يقول الشيخ رائد الحزيمي: للهجرة النبوية الشريفة دروس وعبر رغم انه صلى الله عليه وسلم يحب مكة وفيها اهله وأحبابه، ولكنه صلى الله عليه وسلم هاجر منها الى المدينة طاعة لله، وفي الهجرة دروس وعبر، فمنها درس في هجر المعاصي المحبوبة للقلب وتركها طاعة لله، ومنها تحمل المشاق والصعاب لأجل نيل رضا الله، وهكذا التكاليف والعبادات التي فيها مشقة معتادة كالصيام ايام الصيف او الحج في الحر او الخروج للصلاة ايام الحرارة الشديدة او في الشتاء القارس، ومنها التوكل على الله والاعتماد عليه والثقة به، وإن غابت عنا النتائج وجهلنا المستقبل ثقة وتسليما لله أحكم الحاكمين، كما سلم النبي صلى الله عليه وسلم لربه وهو ذاهب الى المدينة، ومنها اختيار الصحبة الصالحة في السفر التي تعينك على الخير مثلما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا بكر الصديق رضي الله عنه، ومنها بذل الاسباب الممكنة وهو من تمام وكمال التوكل على الله كما فعل صلى الله عليه وسلم بالأخذ بالتدابير والإجراءات الممكنة، فكانت الاستعانة بعبدالله بن أريقط ليدلهم على الطريق وهو كافر مشرك، وكما اعد العدة وجهز الامر من الغذاء الذي تأتي به لهم اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها، ومن كل شيء يحتاجه في طريقه، وهذا هو التوكل الحقيقي على الله، ومنها عدم التهور وتعريض النفس للتهلكة، وعليه الاخذ بالأسباب المعينة على الأمن مثلما فعل صلى الله عليه وسلم بالاختباء في غار ثور هو وصاحبه، فلم يعرض نفسه للمشركين بل اختبأ عنهم، ومنها استشعار معية الله ومراقبة الله للإنسان، وأنه تحت رحمته وحمايته مثلما قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» والله يقول: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)، ومنها عدم الجزع والهلع عند حدوث الحوادث للإنسان، كما كان صلى الله عليه وسلم عندما حاصر المشركون بيته ليلة الهجرة متوكلا على الله وامتثل أمره بالخروج والهجرة رغم حصارهم له، لأن الله على كل شيء قدير، فألقى الله عليهم النوم، مشيرا الى ان الفوائد والعبر كثيرة والدروس لا تعد من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والتي تعد نبراسا تهتدي به الأمة ودروسا يجب ان يستفيد منها كل مسلم.
متى نزل الإذن بالهجرة؟
جاء أمر الله للنبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة الى المدينة عندما نزل قول الله تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ـ الإسراء: 80)، قال بعض المفسرين (مخرج صدق) هي مكة، و(مدخل صدق) هي المدينة، و(سلطانا نصيرا) أي الأنصار، ويروى ان الصديق أبوبكر رضي الله عنه كان ينوي الهجرة إلى المدينة مع من هاجر من المسلمين فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال له صلى الله عليه وسلم: «على سلك - مهلك - فإني أرجو أن يؤذن لي»، فاندهش أبوبكر وقال: هل ترجو ذلك بأبي وأمي أنت؟ أي وهل أنت تتمنى ذلك؟ قال: نعم، فانتظر أبوبكر حتى يأذن الله لنبيه بالهجرة ليكون معه رفيقا، وظل يعلف راحلتين مدة أربعة أشهر، وذات يوم كان أبوبكر جالسا في بيته وقت الظهيرة ففوجئ برسول الله صلى الله عليه وسلم يطرق عليه الباب وكان لا يأتيه إلا في الصباح أو المساء، فقال أبوبكر: والله ما جاء رسول الله في هذا الوقت إلا لأمر مهم، ودخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجلس معه وكانا بمفردهما وأخبره بأن الله أذن بالهجرة لرسوله، فقال أبوبكر: «الصحبة يا رسول الله».
مهمة عامر بن فهيرة رضي الله عنه
كانت مهمة الصحابي عامر بن فهيرة رضي الله عنه في الهجرة مزدوجة، حيث كان يرعى غنم أبي بكر رضي الله عنه نهارا، فإذا أمسى قصد الى الغار واحتلب للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه، وأن يتبع بالغنم مسار عبدالله بن أبي بكر بعد عودته من غار ثور الى مكة فيعفي على ما تركته أقدامه من آثار في رمال الصحراء، قوة إيمان وصدق عقيدة.
دليل الهجرة
اختيار النبي صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه لعبدالله بن أريقط الدليمي (وهو رجل من كفار قريش) ليكون دليلهما في الطريق الى المدينة يدل على حسن الاختيار لأن ابن أريقط قد سلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه طريق الساحل، الأمر الذي لم يرد على خاطر قريش، إذ لم يكن طريقا مألوفا في ذلك الحين.