بيروت - داود رمال
توجّه نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي بنداء للإسراع في إقرار الإصلاحات، وقال «يقف لبنان الآن على مفترق طرق ويبرز مساران لا ثالث لهما: الاعتراف بالواقع وبالأزمات العميقة التي نعاني منها، والتعامل معها وجها لوجه، ما يعني اتخاذ الإجراءات المطلوبة والقيام بالإصلاحات الضرورية والملحة، والتي تضع البلد على السكة الصحيحة، أو ترك الأمور على ما هي عليه، واستمرار حالة الإنكار عند البعض لن يبقينا حيث نحن الآن، بل سيدفع بالبلاد إلى المزيد من الانزلاق إلى الهاوية».
وأضاف «إن التقاعس عن القيام بما يجب القيام به ليس خيارا بالنسبة لنا، ولم تعد مسألة شراء الوقت التي اتسمت بها معظم السياسات المالية والنقدية على مدار السنوات الماضية ممكنة لأن الوقت أصبح نادرا جدا وبالتالي ذا قيمة جد مرتفعة. لن ينقذنا أحد إذا لم نحاول إنقاذ أنفسنا. إن مشاكلنا كبيرة لدرجة أن القليل من المساعدة من الأصدقاء المتبقين لنا في العالم لن يؤتي بالنتائج المرجوة. مشاكلنا أكبر من أن ينقذنا الآخرون، ولكن مع اتخاذ الإجراءات الصحيحة وبمساعدة المجتمع الدولي، يمكننا أن نخطو أولى الخطوات على طريق التعافي. أي تأخير في المضي بالإصلاحات لن يؤدي إلى زيادة حدة الأزمة فحسب بل سيزيد من الوقت اللازم للخروج منها».
وتابع «لقد رسمنا خارطة طريق الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي من خلال الاتفاق على صعيد الموظفين مع صندوق النقد الدولي والذي نحدد فيه بشكل واضح ما يجب علينا فعله على مدى السنوات الأربع المقبلة. لا ينبغي لأحد أن يقلل من أهمية هذا الاتفاق الذي علينا احترامه والسير به بعدما أيده الرؤساء الثلاثة. كما يجب أن نمضي قدما بتنفيذ جميع الإجراءات المسبقة للوصول إلى اتفاق نهائي مع الصندوق. ويمكن لهذا الاتفاق أن يعدل لاحقا بعد أن يوضع موضع التنفيذ وعلى ضوء التطورات التي ستحصل عند التطبيق. أما القول بأنه ليست هناك من خطة إصلاح شاملة فهو قول مناف للحقيقة. فهذه الخطة أقرت من قبل مجلس الوزراء وهي في متناول الجميع وموجودة على موقع رئاسة الوزراء».
واكد «إن البرنامج المتفق عليه مع الصندوق هو اتفاق شامل وجريء ومتكامل مع أجندة إصلاحات تتناول جميع أوجه الإصلاح، وهذه الإصلاحات تأتي متناسقة مع حجم الصعوبات التي نواجهها. إن تنفيذ كل البنود الواردة في الاتفاق يتطلب جهودا متناسقة ومتسلسلة كما ووجود إدارة فعالة مما يستجوب معالجة التردي الإداري وتحسين ظروف العاملين في القطاع العام بشكل جذري من خلال خطة متكاملة والأفضل من خلال موازنة 2023 والتي يجب البدء بالتحضير لها بأسرع وقت ممكن».
وقال «أما بالنسبة للأولويات، فلابد أن تنصب جميع الجهود في الوقت الحاضر على تنفيذ الإجراءات المسبقة. ويجب أن ندفع في هذا الاتجاه بقدر ما نستطيع. فمن الواضح والمشجع أن هناك اهتماما متجددا من قبل جميع المعنيين لوضع كل هذه الإجراءات موضع التنفيذ وقبل بدء الدعوات إلى انتخاب رئيس الجمهورية. وكما رددنا دائما، فإن الوقت ثمين جدا، وكل يوم تأخير في تنفيذ ما هو مطلوب منا سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة على الوضع النقدي والمالي والاقتصادي».
وشدد على «أن إقرار قانون التعديلات على السرية المصرفية من قبل مجلس النواب هي خطوة في الاتجاه الصحيح وان كنا ما زلنا ننتظر رأي الصندوق بالتعديلات التي طرأت عليه. وكما أقر هذا القانون بسرعة قصوى، نتمنى أن تسري هذه الفعالية على الإجراءات المسبقة المتبقية. والمطلوب اليوم قبل الغد هو إقرار موازنة 2022 وإن كان ذلك متأخرا، وذلك للانصراف إلى تحضير موازنة 2023. إن النقاش الدائر اليوم حول سعر الصرف المعتمد في الموازنة والدولار الجمركي هو نقاش مفيد ولكنه استحوذ على الكثير من الوقت وفي بعض الأحيان خرج عن إطاره الصحيح».
وقال «لقد أعدت موازنة 2022 على أساس سعر صرف 20000 للدولار الواحد وهو سعر الصيرفة الذي كان سائدا في ذلك الوقت، ولذلك فإن أي تعديل في سعر الصرف يجب أن يكون منسجما مع سعر الصرف الحالي. إن الطروحات الحالية التي تنادي برفع سعر الدولار المطبق على الجمارك بالتدرج سيحرم الموازنة من الحصول على الإيرادات التي هي بأمس الحاجة إليها لتحسين ظروف العاملين في القطاع العام ولزيادة الإنفاق على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية والتي ستعود بالنفع على كل اللبنانيين. إن رفع الدولار الجمركي بالتدرج سيزيد من الاستيراد والتخزين (وذلك بانتظار رفع السعر من جديد) وسيكون ذلك لمصلحة المستورد وعلى حساب الخزينة ومعظم اللبنانيين. إن الأثر الاجتماعي لرفع سعر الصرف سيكون بالمبدأ محدودا نظرا للإعفاءات الجمركية الموجودة على السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية من جهة، ومن جهة أخرى، فإن رفع سعر صرف الدولار الجمركي ليتساوى مع سعر السوق أو أقله مع سعر الصيرفة سيخفف من الطلب على الكماليات والسلع والمواد الفاخرة، وبالتالي على الطلب على الدولار مع ما لذلك من تداعيات إيجابية على سعر الصرف، مما لذلك من أثر اجتماعي إيجابي».
وحذر من «أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لن ينقذ بحد ذاته البلد إذا لم نكن نحن جديين بما يكفي في متابعة التزاماتنا. لم تكن تجارب جميع البلدان مع صندوق النقد الدولي تجارب ناجحة، وذلك لأن السلطات المعنية لم تقم بما يجب القيام به، هذا إذا ما استثنينا الأخطاء التي تحصل من قبل الصندوق أحيانا في تشخيص الأزمة ووضع الحلول. إن متابعة الإصلاحات المطلوبة تتطلب عزيمة قوية ومثابرة وإرادة سياسية جامعة كما تتطلب من صناع القرار، بعد إجراء الاستشارات اللازمة للوقوف على رأي جميع الجهات المعنية، المضي قدما بالإصلاحات، حتى ولو لم يكن هناك إجماع من جميع فئات المجتمع. قد يكون القادة وخاصة في الأزمات الاقتصادية الكبيرة كتلك التي نعيشها اليوم عرضة للانتقادات والتهجم، ولكن مع ذلك عليهم أن يتخذوا القرارات الجريئة والصعبة ويتحملوا وزرها ونتائجها».