- الخميس: الشائعات محرّمة وهي مصيبة تجلب الفساد في البلاد ولا يجوز الاستماع لها سواء عن طريق «تويتر» أو غيره
- المهيني: الله تعالى توعّد من يروّج الشائعات ويطلق الأخبار الكاذبة بالبوار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة
- الشمري: لها أثر سيئ في إضعاف المجتمع وتثبيط أفراده وتوهين عزائمهم وإثارة المشاكل والبلبلة والمشاجرات
- الكندري: للشائعات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية تؤثر على استقرار المجتمع وزعزعة الأمن
- السويلم: قانون مكافحة تقنية المعلومات حظر نشر كل ما فيه مساس بكرامة الأشخاص وتطبيق العقوبة بالمادة 27
مع انتشار السوشيال ميديا زادت الشائعات بشكل كبير من حساب لحساب، لتصل للجميع في وقت قصير، وقد اجتمع علماء الشرع والاجتماع على خطورة هذه الشائعات التي يصل ضررها للمجتمع كله، فكيف تعامل الإسلام مع مروجي الشائعات؟
في البداية يؤكد الشيخ د.عثمان الخميس ان الشائعات محرمة وهي مصيبة تجلب الفساد في البلاد، واستشهد ببعض ما حدث من شائعات وقال: يكفينا ما أسهمت به الشائعات في أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك والتي كانت عبارة عن شائعة حتى أنزل الله تبارك وتعالى براءتها من السماء (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم - النور: 11).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما سمع»، فليس كل ما تسمعه هو حق، فلا يجوز ان نستمع لشائعة سواء عن طريق «تويتر» أو «فيسبوك» او غيرهما، ففي انتشارها اضفاء لبعض الكذب عليها، فتربك الناس، وتعتبر امورا خطيرة تثير الفتنة وتفرق الجماعات والأفراد.
ولفت د.الخميس إلى ان الاصل قول الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين - الحجرات: 6) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال»، فلا ينبغي للإنسان أن ينشر كل ما يسمع وكل ما نراه على وسائل التواصل، ولعله ينشر نميمة أو غيبة أو بهتان، فلنتقِ الله وليحفظ الإنسان سمعه وبصره ولسانه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وقوله عزّ وجلّ (بل الإنسان على نفسه بصيرة).
آثار جسيمة
يقول د.صلاح المهيني: جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت الليلة رجلين أتياني قالا: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة»، فالشارع الحكيم جعل عقوبة الكاذب ان يشق من فمه، حيث إن العقوبة تكون في العضو الذي مارس هذا الفعل المحرم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا»، ولا شك ان الممارس لهذه الأفعال واقع في الإثم لا محالة، وهذان نصان صريحان على تحريم الكذب في الإسلام وتشديد الإثم والعقاب إذا كانت الكذبة تبلغ الآفاق، لما لهذا الفعل من آثار جسيمة على المجتمع المسلم، لذا حرمتها الشريعة لآثارها المدمرة في الأفراد، قال سبحانه وتعالى: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم - النور: 15)، وقد توعد الله تعالى من يروج الشائعات ويطلق الأخبار الكاذبة بالبوار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، وقد ذم الله تعالى كلا من قائلها وناقلها (سماعون للكذب) و(إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم - النساء: 83).
من كبائر الذنوب
من جهته، قال الشيخ سعد الشمري: لاشك أن الشائعات وهي الاخبار الكاذبة التي تنتشر في المجتمع لها أثر سيئ في ضعف المجتمع وتثبيط افراده وإضعاف عزائمهم بخلاف المشاكل والبلبلة قد تصل الى المشاجرات والمقاتلات، وإذا حصل ذلك جراء تلك الشائعات لا يفرح بذلك إلا أعداء الوطن أصحاب الأغراض السيئة.
أما حكم اطلاق الشائعات فحرام بلا شك بل كبيرة من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ولا يعفى المرء من قوله: لم يكن قصدي، وأنا على حسن نية، ونحو ذلك من الاعذار التي لا تقبل.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا الطويل «انه رأى رجلا يشق شدقه «جانبي فمه» فسأل عنه فقيل له: هذا الرجل الذي يكذب الكذبة فتؤخذ عنه فتبلغ الآفاق» والذي ينشر هذه الشائعات والاخبار الكاذبة قد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع»، وعلى كل فموضوع الشائعات خطير، فلا يتساهل فيها الناس أبدا، فإذا جاءك خبر ليس له مستند فليقف عندك وخاصة الحسابات الوهمية او اصحابها المغرضين في وسائل التواصل ونحوها.. حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة. والله المستعان.
تستهدف فئات المجتمع
من جهته، شدد أستاذ علم الاجتماع د. يعقوب الكندري على ضرورة التصدي للشائعات من قبل الاجهزة الإعلامية والأمنية، ومن خلال تحري الشفافية والسرعة في بث الاخبار الصحيحة، حيث ان وسائل التواصل ساعدت وساهمت في سرعة انتشار الشائعات، لذا يجب مواجهتها بسرعة تضاهي سرعة انتشارها بشفافية ودقة حتى تسقط الشائعة وتموت.
وقال د.الكندري ان حظر الشائعة يمتد ليشكل خطرا امنيا وهو ما تلحظه القوانين والدساتير متضمنة عقوبات ضد مطلقي الشائعات بما في شأنه تحصين المجتمع من هذا الآفة والحد من انتشارها، لافتا الى انها تتضمن اخبارا كاذبة يبثها شخص او عدة اشخاص، وتنتشر في المجتمع بسرعة لتشكل خطرا على كيانه في معظم الأحيان.
وأوضح د. الكندري ان الشائعات نوعان: الأول الشائعات الدائمة طويلة المدى، أي تنتشر بسرعة كبيرة وتهدد امن المجتمع واستقراره وتستهدف كل فئات المجتمع بلا استثناء، والنوع الثاني هي الشائعات التي تستهدف فئة بعينها او مجتمعا معينا وتكون شائعات مؤقتة تنتشر بشكل بسيط وتنتهي بسرعة دون اثر واضح.
ولفت د. الكندري الى ان هناك شائعات متعمدة تصدر احيانا من جهات القرار لقياس الرأي العام تجاه قرار معين، وشائعات غير مقصودة من خلال كلمات تصدر من اشخاص بغير قصد ويتناقلها الآخرون بطريقة مختلفة، وكلما زادت رقعتها الجغرافية انحرفت عن مقاصدها الحقيقية، مشيرا الى ان للشائعات ابعادا سياسية واجتماعية واقتصادية واجتماعية ودينية تؤثر في المجتمع واستقراره وكيانه، وتساهم في خلق مفاهيم سلبية مثل الفئوية والمذهبية وزعزعة الأمن.
القضاء الكويتي
من جهته، بين المحامي منصور السويلم رأي القانون في مروجي الاشاعة، فقال: حرية الرأي والتعبير مكفولة بالدستور في المادة 36، وقد استقر القضاء الكويتي في أحكامه على أن الاصل وفقا للمادتين 36 و37 من الدستور هي حرية الفكر وابداء الرأي بما في ذلك حق النقد، والاستثناء هو القيد ولا يجوز ان يمحو الاستثناء الاصل او يجور عليه او يعطله، بل يجب ان يقتصر اثره على الحدود التي وردت به، والمقصود بتقيد حرية الرأي هي وضع الحدود والمعالم لهذه الحرية عن طريق قوانين جزائية، حتى لا يكون الحق الدستوري في ابداء الرأي والتعبير وسيلة لنشر الشائعات وتقويض نظام الدولة وفضح الناس او النيل منهم، فالنقد المباح هو الذي لا يتضمن اشاعات واخبارا كاذبة، لذلك استجاب المشرع الجزائي في المادة 15 من القانون رقم 31/70 المعدل لقانون الجزاء، بتقريره عقوبة السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، لكل من ينشر شائعات او بيانات كاذبة من شأن تداولها اضعاف هيبة الدولة وانعدام الثقة بمؤسساتها، كنشر شائعات على سبيل المثال: حول نضوب البترول في حقل برقان فهذا يؤدي إلى إضعاف الثقة المالية في البلاد، وكما عاقب قانون الوحدة الوطنية رقم 19/12 بالمادة 2 منه، بالسجن مدة لا تتجاوز 7 سنوات، لكل من ينشر شائعات من شأنها ان تؤدي إلى إثارة الفتن الطائفية او القبلية، وذلك على النحو الوارد في المادة الأولى من القانون سالف الذكر.
وحظر قانون مكافحة تقنية المعلومات رقم 63/15 نشر كل ما فيه مساس بكرامة الاشخاص او حياتهم، حيث نصت المادة 6 منه على تطبيق العقوبة المنصوص عليها بالمادة 27 من قانون المطبوعات والنشر، لكل من يخالف احكام المادة 21 من قانون سالف الذكر، بعقوبة الغرامة التي لا تقل عن 3 آلاف ولا تزيد على 10 آلاف، ولا شك في ان الشائعات التي تلقى على شخص هي في حقيقتها مساس بكرامته وحياته، وما ننتهي اليه، هو ان الخبر الكاذب او الشائعة التي تكون غير مطابقة للحقيقة او منافية للصدق، قد تشكل جريمة امن دولة اذا وقعت على الدولة او جريمة مساس بالوحدة الوطنية او جريمة مساس بحرية الاشخاص وكراماتهم، ووضعت هذه القيود للحد من اثار الشائعات المضرة بالدولة والافراد على حد السواء.