- الخميس: يوم الثاني عشر هو يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم وليس مولده فهل نحن فرحون بموته؟
- الشمري: حب النبي صلى الله عليه وسلم عميق ومتجذر لا يقتصر على يوم في السنة نذكره في صباحنا ومسائنا
- الشريف: جمهور العلماء استحبوا الاحتفال بمولده ولم يشذ عن ذلك إلا بعض أهل العلم
- سالم: هو أسلوب لإظهار الفرحة والسرور وتعظيم اليوم الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد حدث تاريخي، بل كان ويبقى تجربة حية متجددة للأرض ككل وللإنسان في أي زمان ومكان، وهناك من يعتبر الاحتفال به بدعة، حيث لم يثبت أن الصحابة أو الخلفاء الراشدين قد احتفلوا به، وهناك آراء تؤيد الاحتفال بذكرى ميلاد الرسول وتدعو له.
فيرى الشيخ د.عثمان الخميس أنه ينبغي النظر في خمسة اوجه، فيقول على الوجه الأول: ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بهذا ابدا ولم يثبت او ينقل ولو ضعيفا ان النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بهذا اليوم.
أما الوجه الثاني: ان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر الصديق وعثمان، وعلي والحسن ولا الدولة الاموية والعباسية ـ لم ينقل عنهم شيء من هذا، وهم كانوا احرص الناس على فعل الخير ولو كان خيرا لسبقونا اليه.
وعن الوجه الثالث: قال د.الخميس ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبرنا في حديثه أنه ليس شيء يقربكم الى الجنة الا قد امرتكم به وليس شيء يقربكم الى النار الا قد نهيتكم عنه، فلو كان خيرا لنبهنا اليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الوجه الرابع: انه لا يعرف على اليقين متى ولد النبي صلى الله عليه وسلم وكل من يدعي ان النبي صلى الله عليه وسلم ولد في هذا اليوم لا يوجد اي دليل على ذلك، وقد اختلف اهل العلم في ولادة النبي صلى الله عليه وسلم على سبعة او ثمانية اقوال لا يدرون متى ولد، وإن كان الاكثر على انه ولد في الثاني عشر من ربيع الاول ولكن دون دليل وهذا ما تناقله الناس، ولا احد يجزم ان هذا اليوم قد ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، واعظم هذه الامور وقريب من الاجماع انه توفي يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول وذلك باتفاق اهل السير والحديث فكأننا نحتفل بوفاته صلى الله عليه وسلم، وهذا واقع الأمر، كأننا فرحون بموته صلى الله عليه وسلم وهذا لا يجوز وترك هذا هو الأصل، والذي يقال إن الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم كل يوم كما هو عيد الأم أن كل يوم عيد لأمك، ومن اراد ان نتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم نتكلم عنه كل يوم وكل اسبوع وفي كل شهر وفي كل سنة، فلا نخص يوما دون يوم ولا شهرا دون شهر، والقصد ان يترك الاحتفال بهذا اليوم، والله أعلم.
الحب الحقيقي
ويتفق الشيخ سعد الشمري مع د. الخميس في الرأي ويقول: حب النبي صلى الله عليه وسلم حب عميق ومتجذر لا يقتصر على يوم في السنة، في هذا الشهر ربيع الأول تتكرر مسألة متنازع فيها بين الناس، وهي الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ولا شك أن يوم مولده من أعظم ايام الدنيا، وقد حدثت فيه أحداث عظيمة، تدل على إرهاصات نبوته، وأنها مؤذنة بزوال الظلم، واندثار معالمه، وقوة الإيمان، وإشراق الاسلام، ونور القرآن، الذي بهذه الرسالة قد ساد المسلمون العالم وصاروا قوة لا تضاهى، ودولة لا تبارى، عنوانها لا إله إلا الله، ومضامينها مقتضاها، فالقرآن هو الصراط المستقيم والسنة هي التطبيق العملي للإسلام، وهو بجميع احكامه وتشريعاته دين الوسطية، الذي جاء به محمد بن عبدالله من عند ربه بالوحي، وهو لا ينطق عن الهوى، ان هو إلا وحي يوحى.
وزاد: ارتباطنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ارتباط الجسد والروح، ارتباط الحب الحقيقي المثمر للعلم والعمل والاتباع، والعمل لهذا الدين والتحاكم اليه، نعبر بحبنا له في كل وقت وحين وفي كل ساعة زمن، في هديه، ولا نقصر تعبيرنا في يوم واحد، يمر كسائر الأيام، فالذي يحتفل به ويحتفي يحتفل في سائر أيامه، لأن وجوده مرتبط بالسعادة، هو الذي أضاء الله به ظلم الدنيا، بعد ان نظر الله إلى أهل الأرض جميعا عربهم وعجمهم فمقتهم ـ وهو أشد البغض ـ الا قليلا من أهل الكتاب، فرحم الله البشرية جميعا برسالته وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وهو الصراط المستقيم، والسراج المنير، الذي فتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فأشرقت برسالته الارض والسماء، وما من مسلم إلا ويقر له بالرسالة ويتعبد الله عز وجل بحبه وتعظيمه وتوقيره، في كل يوم نذكره في صباحنا ومسائنا، في صلاتنا نذكره، في أذاننا نذكره، بقلوبنا مكانه، في أعيننا طيفه، فهل نحتاج إلى احتفال في يوم مولده، وهو لنا في كل يوم بل في كل ساعة.
مؤكدا: النبي صلى الله عليه وسلم محل تعظيم واقتداء عند كل مسلم، وحتى لا يطول الكلام، اختم كلامي بكلام الشيخ العلامة محمد الغزالي في كتابه العظيم فقه السيرة، الذي كتبه بقلبه ومداده، فجعل القارئ يعيش في ايام النبي صلى الله عليه وسلم وأحداث سيرته، بأسلوب فذ وألفاظ رائعة، في ميلاده إلى وفاته، مبينا مقاصد الرسالة وعوامل نهوض الدولة، رحمه الله وغفر له مغفرة واسعة: «وتحديد يوم الميلاد لا يرتبط به من الناحية الإسلامية في شيء ذي بال، فالأحفال التي تقام لهذه المناسبة تقليد دنيوي لا صلة له بالشريعة» ص 58، فاحرص أخي الكريم على اتباع سنته ونشرها، والتمسك بها والاعتزاز بها، فهذا والله هو الحب الحقيقي له عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي.
من أعظم النعم
ويرى د. محمد عبدالغفار الشريف ان «جمهور العلماء استحبوا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ولم يشذ عن ذلك الا بعض اهل العلم، واختلفت حججهم في ذلك، ولكن الجامع بينهم انه لم يرد في الشرع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفل به، لا هو، ولا احد من اصحابه، ولم يأمرنا بالاحتفال به»، مشيرا الى ان المبيحين لم يخالفوا بأن الاحتفال بالمولد النبوي امر حادث ولكنه بدعة حسنة مستدلين له بأدلة شرعية مختلفة منها مشروعية صيام الاثنين، وعندما سئل صلى الله عليه وسلم عن سبب الصيام فيه قال «ذاك يوم ولدت فيه»، ومشروعية صيام عاشوراء بسبب انجاء موسى عليه الصلاة والسلام وبني اسرائيل، وعلل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: «نحن أحق بموسى منكم» ومن اعظم النعم على الكون ولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم فكيف لا نحتفل بمولده، مشيرا الى ان أبا لهب يخفف عنه العذاب في النار كل ليلة إثنين لإعتاقه ثويبة ـ رضي الله عنها ـ عندما بشرته بولادة الهادي صلى الله عليه وسلم.
جائز ومستحسن
ويرى الباحث العلمي بالموسوعة الفقهية عبدالله نجيب سالم ان الاحتفال والفرح بمولده صلى الله عليه وسلم وإظهار البشر والسرور بذلك من الأمور الجائزة شرعا، المستحسنة طبعا، المألوفة عرفا.
وقال: أدعو المسلمين والمسؤولين في دولة الكويت والعالم الاسلامي الى اظهار الفرح والبشر والسرور بمولد البشير النذير صلى الله عليه وسلم كما كانت عوائدهم وعوائد آبائهم وأجدادهم، وأخص بالدعوة وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية التي عودتنا على رعاية الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة وغيرها ان تهتم بالأمر أكثر وأكثر، وان تعيد العمل الى ما كانت عليه الامور من قبل، بالإعلان عن احتفال كبير يرعاه كبار المسؤولين ويحضره جميعهم، ويشارك فيه القراء والخطباء والشعراء والعلماء وسائر المسؤولين.
وبين الداعية سالم أدلة الجواز والاستحسان للاحتفال فقال: ان يوم مولده صلى الله عليه وسلم من الايام المشار اليها على وجه التبجيل والاعتبار في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى ذلك في مواطن عدة مثل اختياره صلى الله عليه وسلم صيام يوم الاثنين من كل اسبوع لاعتبارات عدة «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الاثنين؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو انزل عليه فيه» كما نراه في ذكر ما خص الله أمه آمنة حينما ولدته «رأت أمي حين وضعتني انه سطع منها نور اضاءت له قصور كسرى».
وعن الأمر الثاني من أدلة الجواز قال: ان الله سبحانه وتعالى ذكر صراحة ميلاد كثير من الانبياء ونوه بما في مولدهم من معجزات أو أهمية، فها هو القرآن الكريم يفيض في ذكر مولد ابينا آدم ـ عليه السلام ـ وسرد وتفصيل احداث ميلاد عيسى ـ عليه السلام ـ وتساءل الشيخ سالم: أفيكون بعد هذا الحديث عن ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا مستنكرا وبدعة؟
يوم عظيم
وعن الأمر الثالث لأدلة الجواز، قال: في يوم مولده صلى الله عليه وسلم وقعت حوادث عظيمة تناسب مكانته وشرفه منها: منع الجن من استراق السمع في السماء، واهتزاز ايوان كسرى، وانطفاء نار فارس التي يعبدونها، ومنها بشارات لكثير من الرهبان والكهان، فيوم مولده صلى الله عليه وسلم يستحق ان يشار اليه كيوم عظيم حفل بأحداث جسام، مضيفا ان يوم مولده صلى الله عليه وسلم كان فيه من الخصائص النبوية ما يستحق النظر والانتباه، ومن ذلك ان امه لم تجد في حمله وحما ولا ألما، مؤكدا ان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والبشر بذلك كان سببا من أسباب الرحمة الإلهية ليس للمؤمنين فحسب بل حتى للكافرين، أما الأمر الأخير في جواز الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم فقال: لقد اثنى العلماء قديما وحديثا بجواز الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ومن ذلك فتاوى الإمام ابن حجر السيوطي، وفتاوى الازهر الشريف وفتاوى لجنة الافتاء في دبي ولجنة الافتاء في الكويت.
ويرد الشيخ سالم على الذين ينهون عن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ويعتبرونه بدعة بالأدلة فيقول: لم نقل ان الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم سنة مؤكدة او منقولة، انه أمر مستحسن مباح، فيه فوائد كثيرة، وله شواهد عديدة وهو داخل ضمن العادات الاسلامية الحسنة التي تحف وتحيط بالمفاهيم الاسلامية فتؤيدها وتخدمها، كما ان الاحتفال ليس فيه تقليد لأحد، بل هو اسلوب لإظهار الفرحة والسرور وتعظيم اليوم الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.