بيروت - ناصر زيدان
المنتدى الوطني حول اتفاق الطائف الذي عقد في قصر الأونيسكو في بيروت، بمناسبة الذكرى الـ33 على توقيع الاتفاق، له دلالات واسعة، وحمل أكثر من رسالة للداخل وللخارج.
أولا لأن الدعوة جاءت من سفير المملكة العربية السعودية د.وليد بخاري الذي استضافت بلاده المؤتمر عام 1989. وثانيا لأن الحضور في قصر الأونيسكو كان واسعا ومتنوعا، ولم يغب عن المناسبة سوى حزب الله، الذي لم يكن مشاركا في حينه في الطائف. وثالثا لأن سفير خادم الحرمين الشريفين أعلن أمام الحضور أن أصدقاء لبنان في العالم، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يؤكدون على الثوابت الدستورية التي أرساها الاتفاق، ولا يوجد أي توجه لإعادة النظر فيها.
لكن البارز في منتدى الأونيسكو أيضا أن الأطراف اللبنانية بغالبيتها جددت تأكيدها أنه لا حرب جديدة بين اللبنانيين، ومحاولات البعض استغلال الظروف الصعبة التي يمر فيها لبنان لإحداث فوضى أمنية أو اضطراب دستوري، لن يكتب لها النجاح، والواضح أن رسائل متعددة وجهت الى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لأنه الوحيد الذي تحدث عن الفوضى، وقد فسر الهجوم الذي قامت به مجموعة من «الحرس القديم» الذين يدورون في فلك التيار العوني، كما خطاب الرئيس ميشال عون الوداعي قبل مغادرة قصر بعبدا، والذي ذكر فيه بخطاباته في أوج أيام الحرب عام 1988 بأنهما مؤشران على بداية فوضى، مما استدعى تأكيدا حاسما من قائد الجيش في اليوم التالي، على عدم السماح بالعبث بأمن البلاد مهما كانت المبررات.
الإشارات التاريخية التي عرضت في المنتدى، وتحديدا على لسان كل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومنسق أعمال مؤتمر الطائف في العام 1989 وزير خارجية الجزائر الأسبق الأخضر الإبراهيمي، زادت بعض التوضيحات على الصورة، خصوصا عند الذين لم يعايشوا تلك الفترة قبل 33 عاما. ولاسيما لناحية إلقاء الضوء على دور فريق عمل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، حيث كان واضحا أنه حاول عرقلة مهمة لجنة المساعي العربية الحميدة، لكنه لم ينجح في إجهاض التوافق العربي والدولي على إنهاء الحرب اللبنانية، بينما تمكن هذا الفريق من إدخال تعديلات جوهرية على نص اتفاق الطائف، لاسيما في استبدال كلمة «انسحاب» الجيش السوري من لبنان، بعبارة «إعادة تموضع» هذه القوات على مراحل، وهو تهرب حتى من تنفيذ أي منهما لاحقا. كما أن ممثلي الرئيس الأسد أعادوا صياغة الفقرة التي تتعلق بإنشاء مجلس الشيوخ، التي كانت قد نصت على ولادته فورا المادة 22 من الدستور قبل تعديلها بصياغة سورية ربطت إنشائه بقيام برلمان غير طائفي.
واذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من الإشارة الى أننا كنا شهودا على ساعة انفعال لنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، وكان بجانبه مسؤول أمني كبير، إبان معركة سوق الغرب في 13 أغسطس 1989، والتي كانت بمنزلة المحرك للرأي العام العربي والدولي والمحلي للولوج الى تسوية الطائف، حيث قال: بلغوا الاستاذ وليد (ويقصد وليد جنبلاط) «بيكفي» من دون ما يدخل الى «موقع الخزانات»، ما النا شي هناك «والمقصود موقع الخزانات الإستراتيجي في سوق الغرب»، حيث كانت ستنهار قوات عون نهائيا، لو وصلت قوات الحزب التقدمي الاشتراكي إليه. علما أن المساندة التي وعدت بها بعض الفصائل الموالية لسورية بالقصف المدفعي آنذاك، لم تحصل، بينما مدفعية «قوات المارينز» قصفت مواقع الحزب الاشتراكي في ذلك اليوم.
لا يبدو أن الأجواء المحلية، ولا الخارجية، توحي بالموافقة على مغامرات أمنية أو دستورية جديدة. على العكس من ذلك، فإن المحاولات الأخيرة التي قام بها فريق رئيس الجمهورية السابق ميشال عون لإحداث فوضى، يتيمة، وهي لن تلقى صدى حتى عند حلفاء هذا الفريق.