- الطبطبائي: القصاص شُرع عقوبة دنيوية لحفظ أرواح البشر
- العنزي: عقوبة رادعة فكيف نترك القاتل لنفس بريئة بغير حق؟
- المهيني: الهدف منها وأد الثارات وإطفاء نيران الانتقام
من آن لآخر تتعالى أصوات تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام على أنها ممارسة غير حضارية ووحشية تتنافى مع الإنسانية، وزعموا أن ما تضمنته شريعة الإسلام من عقوبات لا تتناسب مع جسامة الجرائم وتفتقر إلى العدالة وتتسم بالبربرية والوحشية. حول عقوبة الإعدام يحدثنا علماء الشرع:
في البداية، يوضح د.سيد محمد الطبطبائي عقوبة الإعدام في الشريعة الإسلامية فيقول: تميزت الشريعة الإسلامية عن غيرها من التشريعات الوضعية بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي تهدف الى نصح العصاة وسد المنافذ التي قد تؤدي الى الرذيلة أو الجريمة ولكن إذا لم يستجب بعض الناس لأوامر الشرع والقرآن وأصروا على ارتكاب الجرائم التي تعد في الوقت ذاته معصية لشرع الله وحدوده، ففي هذه الأحوال تقضي الشريعة الإسلامية بإنزال العقوبات الزاجرة لهؤلاء، وذلك لحماية الأمن وسلامة المجتمع، فكيف إذن تكون عقوبة الإعدام غير حضارية أو قاسية وتمثل عدوانا وتعديا على حق الإنسان في الحياة والله تعالى شرع القصاص من القاتل عقوبة دنيوية له لحقن الدماء والكف عن العدوان على أرواح الناس، فقال سبحانه: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة».
وردا على من يتهم المنهج العقابي للشريعة الإسلامية بالوحشية والتخلف، أكد د.الطبطبائي أن هذا الاتهام يفتقر الى الحقيقة فالعقوبات في الإسلام تتجه نحو تحقيق العدالة وسمو الفضيلة والأخلاق وأحكامها تتفق وتتلاقى مع الضمير الديني إذ إن هذه القوانين والعقوبات تقوم على الشريعة ورعاية مصالح الجماعة ورعاية مصالح الفرد وكذلك حماية لنفسه وماله وعرضه وفيها نفع للناس، حيث إنها تمنع الجرائم وتردع المنحرفين.
سند شرعي
من جهته، أكد المحامي وأستاذ الشريعة د.سعد العنزي أن المادة الثانية من الدستور الكويتي تنص على أن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ومع ذلك فإن الشريعة باعتبارها مصدرا رئيسيا للتشريع في الكويت، فقد نص قانون الجزاء الكويتي على عقوبة الإعدام في المادة 51، وبذلك فإن هذه العقوبة تجد لها سندا في التشريع الإسلامي كسائر الأديان السماوية الأخرى كاليهودية والمسيحية.
وأكد د.العنزي ان القرآن الكريم فرض هذه العقوبة جزاء جريمة القتل بقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)، وقوله أيضا: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، كما فرضت العقوبة ذاتها في القرآن الكريم على جرائم أخرى مثل جرائم الحرابة (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا)، وعلى ذلك فإن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام هي في الحقيقة مطالبة بمخالفة للتشريع الإسلامي وبالتالي مخالفة للنظام القانوني العام للدولة.
وأشار إلى ان النظام الداخلي للكويت لم يخرج عن الإطار الذي وصفته الاتفاقية الدولية، فعقوبة الإعدام مقررة بالنسبة للجرائم الشديدة الخطورة وفي مقدمتها جريمة القتل العمد وكذلك فإن الاختصاص بإصدار العقوبة معقود للمحكمة المختصة ولا يتم تنفيذها إلا بعد صدور الحكم الصادر بها نهائيا وباتا.
وأكد أنه لو أهمل حكم القصاص لما ارتدع الناس، فلو علم القاتل انه سوف يتجنب العقاب والقصاص لتمادى في الجرم واستخف بالعقوبات، ولو ترك الأمر بالأخذ بالثأر كما كانت عليه الأمم السابقة لأصبح التعدي والإسراف في القتل هو السائد ولفسدت الأمم والمجتمعات والدول فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة من الجانبين.
لوازم العبودية
من جهته، قال د.صلاح المهيني: إن من لوازم عبودية المؤمن لله تعالى، ومن براهين إيمانه بشريعته، رضاه بأحكامها وحدودها، واليقين بأن الله تعالى ما شرعها إلا لمصلحة العباد، وأنها لكل زمان ومكان، لأن خالق الأرض وما عليها، ومشرع الأحكام لأهلها واحد لا شريك له.
وإذا كانت جهة الخلق والشرع واحدة اتسقت الأحكام وانتظمت، ولم يقع فيها خلل ولا تناقض، وإنما يكون الخلل والتناقض بأن يشرع الناس لأنفسهم ما يضاهي شرع الله تعالى، أو يطبقوا أحكامه على وجه غير صحيح، بسبب الجهل أو الهوى.
ومما شرع الله تعالى لعباده القصاص في النفوس أو فيما دونها، والهدف هو وأد الثارات، وإطفاء نيران الانتقام، وإحلال الأمن في الناس، وإزالة أسباب الخوف والفوضى والاضطراب.
ولقد كان العرب في جاهليتهم يعظمون الثأر والانتقام، ويقدمونه على العفو أو القصاص، وإذا قتل القتيل فيهم لم يهدأوا حتى يصيبوا ثأرهم، ويشفوا صدورهم بالانتقام ممن قتله، ومن مقولاتهم المشهورة: «الدم لا يغسل إلا بالدم».
وهل فنيت بكر وتغلب إلا في دم وائل ربيعة، واستمر الثأر والانتقام فيهم 40 عاما.
فلما جاء الله تعالى بالإسلام ألغى به رسوم الجاهلية وثاراتها، وشرع القصاص العادل: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) (البقرة: 178)، وجعله الله تعالى حياة للناس باستبقاء النفوس البريئة، وإنزال القصاص بمن يستحقه (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (البقرة: 179)، كما شرع الله تعالى الصلح والدية والعفو، وجعل سبحانه القصاص حكمه الذي أنزله (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (المائدة: 45).
وحرم سبحانه قتل النفوس بما لا يوجب قتلها، كما حرم عز وجل مجاوزة الحد في القتل بأن يقتل غير القاتل من ذويه.
(ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) (الإسراء: 33).
لكن العقول إذا انحرفت قامت تسوق لك الأدلة في محاولة للتشكيك في شريعة الله.
نظم أبوالعلاء المعري البيت الذي شكك على الشريعة في الفرق بين الدية والقطع في السرقة، وهو:
يد بخمس مئين عسجد وُديت
ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض مالنا إلا السكوت له
ونستعيذ بالله مولانا من النار
أجابه القاضي عبدالوهاب المالكي بقوله:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها
ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
نعم نقر ونعترف بأن باب الحدود والعقوبات مغلظة في الإسلام.. لكن الهدف هو ردع شرار الناس ليكونوا عبرة لمن يعتبر.