[email protected]
من الصعوبة إقناع بعض الناس بأن لبعض حملة الدكتوراه مسارا آخر قد يكون أكثر أهمية وقيمة من التدريس وهو البحث العلمي في الجامعات لاسيما في الجامعات البحثية Research Based والتي لم تكتف بالتدريس ونقل المعرفة فقط، وإنما أصبح البحث العلمي أهم أولوياتها، وما يميزها عن الجامعات التعليمية التقليدية!
سبقت ألمانيا غيرها بتبني فكرة الجامعات البحثية ثم تبعتها بريطانيا، ثم الولايات المتحدة بتأسيس جامعة «جون هوبكنز» عام 1876، ونما بالتدريج عدد الجامعات الأميركية التي تبنت النهج البحثي حتى أصبحت الولايات المتحدة أولى دول العالم في الجامعات البحثية عددا وتصنيفا ومن أبرزها جامعة برنستون حيث ضمت لغاية الآن 45 من الفائزين في جائزة نوبل للبحث من بين أعضاء هيئة تدريسها وخريجيها!
وتفترق الجامعات البحثية عن تلك التعليمية، بمنح الأولوية للبحث العلمي وكثافة الاستثمار فيه، وتوفير فرص واسعة لطلاب الدراسات العليا وطلاب ما بعد الدكتوراه والأساتذة من أعضاء هيئة التدريس لإجراء بحوث أصيلة في مجالات متنوعة من المعرفة وتبدع في جذب الباحثين المميزين ومنهم طلاب الدكتوراه كما ذكرت سابقا عن تجرية جامعة برنستون كنموذج.
في المقابل، تعطي الجامعات التعليمية الأولوية للتعليم المباشر، مع قدر أقل من البحث الأصيل لغايات التقدم، كالترقية من درجة إلى أخرى، وبينما يجب على الأساتذة في الجامعات البحثية الموازنة بين مسؤولياتهم التعليمية والبحث والنشر، يتم تشجيع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات التعليمية على جعل توجيه الطلاب المباشر على رأس أولوياتهم.قد تمول الجامعات البحثية من القطاع الخاص أو العام، إلى جانب حملات جمع التبرعات لدعم عمل أعضاء هيئة التدريس والموظفين، بالإضافة إلى توفير رأس المال للمختبرات والتكنولوجيا، وعادة ما تكون أفضل الجامعات البحثية هي تلك التي تمتلك أوقافا أكثر مخصصة للبحث، وبفضل هذه الأخيرة، تغدو الجامعات البحثية قادرة على جذب أعضاء هيئة التدريس البارزين، الذين يتم جذبهم من خلال توفير مردود مالي أعلى وظروف ملائمة تمكنهم من إجراء البحوث الأصلية في مجالاتهم. على حين تفتقر الجامعات التعليمية إلى تلك الأوقاف الضخمة أو المنح الحكومية.
ولذا، تمتلك الجامعات البحثية التمويل اللازم لدعم الجهود البحثية الرائدة رغم تكلفتها، وتستثمر الجامعات البحثية بكثافة في مرافق التكنولوجيا والبحث، مما يجعلها غالبا موقعا للاكتشافات المهمة والابتكارات المثيرة والاختراقات الطبية، وتاريخيا كانت أفضل الجامعات البحثية حول العالم هي بالتحديد من ابتكرت أول أجهزة كمبيوتر رقمية، وأجرت أول عمليات زراعة قلب ناجحة، كما طورت أدوية ولقاحات مهمة.كما بات للجامعات البحثية دور مهم في التنمية الاقتصادية، من خلال التعاون بين هذه الجامعات والمؤسسات الاقتصادية وإنشاء مراكز البحوث المشتركة، وهو ما قاد بدوره لجعل البحث العلمي يعود بمردود مالي على الجامعات التي تعتني به، وأن يغدو واحدا من مصادر تمويلها، فضلا عن دورها في أصل الاختراعات والإبداعات التي قامت على أسس بحثية.
ليست هذه المقالة انتقاصا من الجامعات التعليمية فلها دورها وأهميتها وأثرها، ولكنها دفاعا وتوضيحا عن دور الجامعات التي تولي البحث والمعرفة والابتكارات اهتماما لا يقل أهمية عن التعليم والتدريس، وأن من يقوم بالحفر في أعماق الظواهر لفهمها سيقدم للمدرس المعلومة التي يحتاجها في منهاجه لينقلها لطلابه على طبق من ذهب!