نحن مازلنا بين يدي سورة فصلت بعد أن أخبرنا الله عز وجل عن دلائل الإيمان في تاريخ البشرية يخاطب نبيه الكريم فقل لهم: فإن أعرض هؤلاء المشركون بعد أن بين لهم أوصاف القرآن العظيمة ومن صفات الله العظيم قل لهم قد أنذرتكم عذاباً يستأصلكم مثل عذاب عاد وثمود حين كفروا بربهم وعصوا رسله.
الاغترار بالنعم
حين جاءت الرسل عادا وثمود يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له قالوا لرسلهم: لو شاء ربنا أن نعبده ونوحده ولا نعبد أحدا غيره لأنزل علينا ملائكة من السماء رسلا بما تدعوننا إليه ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا فإنا بما أرسلكم الله به إلينا من الإيمان بالله وحده جاحدون.
(فأما عاد فاستكبروا في الأرض.. الآية) كلمة الكفر واحدة في كل الأزمنة، أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو إنكار عاجز، أصبحت القوة والاغترار بالنفس وقالوا في غرور: من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وبطشا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون ويكذبون بآيات الله (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا.. الآية) ريحا شديدة البرودة عالية الصوت في أيام مشؤومات عليهم لنذيقهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشد ذلا وهوانا. (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى.. الآية)، هذه الآية من دلائل تميز الإنسان بالاختيار فإن الله بيّن أنه قد هدى ثمود والهداية نوعان هداية بيان وإرشاد بأن أنشأ لهم المعجزة العظيمة «الناقة» فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب، فالذل والهوان جزاء كل متكبر وما كان من عذاب قد وقع عليهم إلا بكسب أيديهم، ونجى الله تعالى أهل الإيمان وأهل التقوى. ولما أخبر الله تعالى عن عذابهم في الدنيا أخبر عن عذابهم في الآخرة (يوم الحشر).
يلومون جوارحهم
(حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) الكافر يجادل ربه لعله ينجو بنفسه فإذا بهذه الأعضاء وهذه النفس هي التي تشهد عليه، حتى إذا ما جاءوا النار وأنكروا جرائمهم شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ فأجابتهم جلودهم: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو الذي خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئا وإليه مصيركم بعد الموت للحساب والجزاء.
(وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) وذلكم ظنكم السيئ الذي ظننتموه بربكم أهلككم، فأوردكم النار فأصبحتم من الخاسرين خسرتم كل شيء. فإن يصبروا على العذاب فالنار مأواهم وإن يسألوا الرجوع إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا لا يجابون الى ذلك ولا تقبل لهم أعذار.
منهج المنافقين
(وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم.. الآية) الله هيأ لهؤلاء قرناء السوء من شياطين الجن والإنس يزينون لهم قبائح الأعمال في الدنيا ويدعون إلى لذاتها وشهوتها المحرمة وزينوا لهم من خلفهم من أمور الآخرة فأنسوهم ذكرها ودعوهم الى التكذيب بالمعاد وبذلك كانت النار مثواهم من جملة أمم سابقة من كفرة الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة. وقال الكافرون بعضهم لبعض متواصين فيما بينهم (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) لا تسمعوا لهذا القرآن ولا تطيعوه ولا تنقادوا لأوامره وارفعوا أصواتكم بالصياح والصفير لعلكم تغلبون.
(فلنذيقن) فلنذيقن الذين قالوا هذا القول عذابا شديدا في الدنيا والآخرة ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من السيئات.