لاحظت في نفسي سؤالا عادة ما أكرره في مختلف المناسبات عند لقاء شخصيات جديدة في حياتي، ألا وهو: ما تجربتك مع غزو الكويت عام 1990 وأين كنت حينها؟ فكانت الإجابات متنوعة بين الرد عن ذكريات حزينة، وآخر بطولي، وثالث بذكريات فرحة النصر والتحرير.
وما هزني رد من أحد أبطال المقاومة الذين لم تُروَ تجربتهم إبان الغزو، حاله كحال العديد من الأبطال الذين لم يكن في نفسهم سوى تحرير الكويت من الغزاة، وافتدوا بأرواحهم لها، منهم من استشهد ومنهم من أسر ومنهم من عاش فرحة النصر وما زال يعيش بيننا إلى اليوم، تجربة قاسية لم تعد الكويت بعدها كما كانت، بل لم يعد الوطن العربي كله كما كان.
أسامة المذن أحد أبطال المقاومة من سكان منطقة مشرف الذي كان في عمر الـ 18 ربيعا آنذاك، تم أسره خلال فترة الغزو مع أحد أصدقائه من سكان منطقة بيان الذي هاجر من الكويت بعد التحرير ليعيش في قطر إلى يومنا هذا بسبب الأزمة النفسية التي لازمته بعد هروبه من سجون الأسر مع أسامة من العراق، حيث روى لي أنهم تلقوا اضافة إلى التعذيب الجسدي شبه اليومي حتى فقدان الوعي، تعذيبا نفسيا صعبا، حيث كان الرجال والأطفال والنساء في سجن واحد، وكانوا يعدمون فورا من يغمض عينه لتحاشي النظر إلى قهر الرجال خلال الاعتداء الجماعي من السفلة والأنذال من جنود الاحتلال المهزوم للنساء أمام أعينهم! ما تسبب في استمرار أخذ البطل أسامة لجلسات علاج نفسي في الولايات المتحدة الأميركية التي عاش فيها لمدة سنتين بسبب تداعيات الجروح النفسية التي خلفها الغزو عليه، وما زالت مستمرة معه الى اليوم، مثل أسامة المذن وصديقه الذي هاجر إلى اليوم لقطر وأتحفظ عن ذكر اسمه، فماذا لو أرجع القدر بعد كل هذه السنين أحد أسرى الغزو إلى الكويت، وشاهد الوضع العام فيها؟، أقسم بالله أنني أرتجف خجلا وأنا أكتب هذه المقالة ممن استشهدوا وأسروا وصمدوا معنا داخل الكويت خلال الغزو!
وأتساءل: لماذا لا نشعر بقيمة الوطن إلا عندما نفقده؟! لماذا يتعامل البعض مع الكويت وكأنها دولة مؤقتة، أو كأنها جمعية نفع خاص؟
إن دم وعمر وروح وجسد من قام بالتضحية غال على قلب الكويت وشعبها الوفي، فلماذا ترخصونه بالنسيان وعدم تقديم نفس الإخلاص والوفاء الذي يستحقه هذا الوطن الغالي؟!
[email protected]