بقلم: مهريناز العوضي مديرة مجموعة السكان والعدالة بين الجنسين والتنمية الشاملة في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)
مرت المنطقة العربية بسنوات عصيبة جراء جائحة كورونا وما خلفته من خسائر اقتصادية واجتماعية. وما كادت بلدانها تبدأ في التعافي حتى اشتعلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتجعل تحسن الأوضاع أملا بعيد المنال.
فقد كبدت الحرب البلدان العربية خسائر قدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بحوالي 11 مليار دولار، وفاقمت تضخما وصل إلى 14.8 بالمائة (باستثناء دول الخليج)، وشهد العديد من دول المنطقة تزايدا غير مسبوق في الدين الخارجي.
وتشابك تلك الأزمات المتلاحقة يجعل الحلول صعبة والبدائل محدودة، ما سيبقي المنطقة في وضعها كأقل مناطق العالم مساواة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
في وسط هذه الغيوم والكوارث المتلاحقة، تتدهور أوضاع المرأة ولا تصبح أجندة المساواة بين الجنسين أولوية، بل على العكس، تتسع الفجوة بين الجنسين بالرغم من كل الجهود لسدها. وهذا ما حدث في منطقتنا.. فنجد أنها سجلت نسبا مرتفعة جدا من عدم المساواة بحسب المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، وصلت الى 37 بالمائة في عام 2022، ما يجعلها ثاني منطقة في العالم من حيث ارتفاع عدم المساواة بين الجنسين.
وأفضل دولة عربية أداء في هذا المؤشر هي الإمارات العربية المتحدة، لكن يأتي ترتيبها رقم 68 عالميا. ولنا أن نتصور ترتيب الدول العربية الأخرى وخاصة تلك التي تمر بحروب ونزاعات.
كما أن مشاركة المرأة السياسية في المنطقة العربية هي الأقل عالميا، حيث تصل إلى 16.3 بالمائة مقارنة بمتوسط عالمي قدره الاتحاد البرلماني الدولي بـ 26.5 بالمائة. ومشاركة المرأة العربية في سوق العمل ليست أفضل حالا، فقد قدرت بـ 20.5 بالمائة مقارنة بـ 39.3 على المستوى العالمي.
أما العنف ضد المرأة فقد تزايد بشكل ملحوظ بسبب الانكماش الاقتصادي والإغلاقات الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
وفي كل بلد عربي، نجد المرأة تعانى من تحديات إضافية مرتبطة بالواقع الذي تعيشه. فالمرأة الفلسطينية تعانى من عنف مركب: عنف منزلي قدرته الإسكوا بقرابة 41 مليون دولار لعام 2019، آي ما يوازى ما أنفقه برنامج الغذاء العالمي لتوفير الدعم لـ 343.000 شخص، يفاقمه عنف الاحتلال الذي يستحيل تقديره.
أما المرأة في لبنان فهي تعانى الأمرين، من فقر متعدد الأبعاد طال جميع السكان، مرتفعا من 42 في المائة في عام 2019 ليسجل 82 بالمائة في عام 2021 بسبب انكماش الوضع الاقتصادي وتدهور للعملة المحلية بشكل غير مسبوق منذ مطلع القرن. وفي سورية، فقد استقبلت المرأة الشهور الأولى من عام 2023 بزلزال كان الأشد خلال القرن الحالي.
وبالرغم من أن الزلزال أصاب جميع البشر في المناطق المنكوبة، إلا أن أثره لم يكن متساويا على الجميع، واشتد خاصة على النساء الحوامل والمرضعات.
وإذا أضفنا إلى هذا الوضع السيئ ما كانت تعانيه المرأة السورية تحت وطأة الصراعات والحروب، لتخيلنا المأساة التي تعيشها اليوم. والمرأة اليمنية حلمت بالحرية التي كان من المفترض أن تأتى بعد مشاركتها الفعالة في ثورة بلادها وكتابتها للدستور ومشاركتها في الحوار الوطني، ولكن، وللأسف، كانت النتيجة مخالفة للحلم، من صراع وجوع وفقر وتشرد.
فكيف لنا أن نحتفل بالمرأة في ظل هذه الغيوم والقلق؟ كيف نحتفل في ظل أوضاع اقتصادية مخيفة وتراجع لوضع المرأة وخوف على مكتسباتها البسيطة التي حازتها خلال السنوات السابقة؟
لا أرى حلا سوى الاعتراف بضرورة التغيير والعمل الجاد عليه، والإيمان بأن عدم المساواة بين الجنسين ليس قدرا مكتوبا على المرأة العربية، بل وضع يمكن تغييره إن أردنا، وإن وجدت الإرادة السياسية الجادة. وبداية التغيير تكمن في التعامل مع قضايا المرأة على أنها قضايا تمس الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكل دولة عربية، وليس فقط من منظور حقوقي.
كما أن التضامن الاجتماعي لحل المشاكل يجب أن يفرض نفسه على الوضع الحالي. فالمشاكل عديدة والإمكانيات محدودة، ولكن الطاقات الفردية والمجتمعية لا حصر لها. فالتغيير ممكن وليس حلما بعيدا.