ياسر العيلة
ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان أيام المسرح للشباب في دورته الرابعة عشرة، قدمت مساء امس الأول على مسرح حمد الرجيب بالمعهد العالي للفنون المسرحية، مسرحية «فانتين تحتضر» لفرقة المسرح الشعبي، تأليف وإخراج داود أشكناني والذي قدم نصا عبارة عن مزيج بين مسرحية «البؤساء» للكاتب فيكتور هوجو ومسرحية «فاوستس» للكاتب يوهان جوته، حيث استعان أشكناني بشخصية «فانتين» من البؤساء مع شخصيات من «فاوستس» مثل الشيطان ميفيستوفيليس، وأكثر من شخصية أخرى حملت اسم فاوستس، وكما علمت فإن الكاتب داود أشكناني يعمل على كتابة هذا العمل منذ ثلاثة أعوام وتحديدا منذ أيام الحجر بسبب جائحة كورونا.
تدور أحداث المسرحية حول «فانتين» التي شبهها الكاتب بالإنسانية، وهي أم لطفلة نتيجة علاقة غير شرعية عمرها 9 سنوات تدعى «كوزيت» تفقد الكثير من الحواس، فهي عمياء وبكماء وصماء، وتريد «فانتين» توفير حياة كريمة لطفلتها فتذهب للبحث عن عمل كخياطة في القرية لكنها تجد الرفض دائما بسبب أنها أم ولديها طفلة، فأصحاب العمل يعتقدون أن توظيف أم لديها طفلة يعني كسلا في العمل، والكسل بالنسبة لهم مرفوض، فتضطر لترك ابنتها عند احدى العائلات القاسية قلوبهم، (فالعالم الذي تعيش فيه فانتين كله بهذه الصورة)، ولكن لكون الطفلة طاهرة لا تستطيع هذه الأسرة إيذاءها ومع كل فعل قاس يأتيها من الحياة يعيد لها حاسة من حواسها المفقودة، وفي الوقت الذي تكتمل فيه حواس الفتاة وتصبح إنسانة طبيعية تموت الأم «فانتين»، في رسالة بأن هناك أملا في الحياة حتى لو كان ضعيفا، وان الإنسانية لا تزال موجودة رغما عن الجميع، هذه هي باختصار قصة المسرحية التي تدور أحداثها في 52 دقيقة، وجّه خلالها الكاتب العديد من الأسئلة، أهمها هل ستحتضر الإنسانية وتموت أم ستظل باقية؟ وماذا لو «فانتين» كانت في عالم تواجه من خلاله الشيطان بشكل مباشر؟ وهل كل ما حدث لها لعبة من ألعاب الشيطان؟ وكل ما حدث معها هل كان من وحيي خيالها الذي أوصلها الى هذا المكان؟
العمل دراما مأساوية سوداء تتناول العلاقة بين الخير والشر، بين النور والظلام، ممثلة في صراع الأبيض والأسود داخل النفس البشرية تخللها بعض اللمحات الكوميدية، وقد أجاد الكاتب في عمل توليفة جيدة بين شخصيات البؤساء ود.فاوستس برؤية شخوص جديدة، ومنذ بداية العرض ونحن ندرك أن «فانتين» نهايتها الموت، خاصة أنها طوال الوقت في احتضار، فمسيرتها كانت كلها مشقة رهيبة ومرارة قاتلة.
وأجاد اشكناني كمخرج في تقديم صور درامية رائعة خلال المسرحية، وكانت حركة الممثلين والمجاميع على المسرح رائعة، ومن الملاحظ أن كل الشخوص، كما رسمها داود اشكناني، تخدم عرض تجسيد الأفكار المطروحة، وتؤدي دورا وظيفيا في شحن المواقف الدرامية، كما أجاد في استخدام قطع الديكور والإضاءة اليدوية بشكل احترافي، والحقيقة أن المتفرج لا يمل من الدراما المعروضة أمامه في هذا العمل الفلسفي الذي يلامس الأعمال العالمية.
ومن عوامل الإبهار في المسرحية الإضاءة لفهد الأحمد، والديكور لمحمد بهبهاني، بالإضافة الى الموسيقى لعلي أكبر، فجميعهم كانوا من عوامل الجذب والتشويق والإبهار.
وبالنسبة لأداء الممثلين فقد قدمت الفنانة السورية إدما الأسمر شخصية «فانتين» بكل معاناتها وشقائها بشكل مميز، كما جسد الفنان عبدالله البلوشي دور «ميفيستوفيليس» الشيطان بصورة رائع، وأثبت انه فنان من العيار الثقيل وله حضور طاغ على خشبة المسرح، وكان الفنان سيد محمد وليد الذي جسد شخصية «فاوست»، الرجل الذي أخذ الطفلة هو وزوجته (سلمى شريف) لتربيتها، مفاجأة العرض، فهو له حضور وتوهج وخفة حركة على المسرح، وأتوقع له مكانة كبيرة في عالم الفن قريبا، وقدم عثمان الصفي شخصية «العمدة» و«المجرم جان» بوعي كبير وأداء طبيعي عفوي، وأجاد يحيي الحراصي وبدر الهندي وسلمى شريف وفراس السالم وشيخة الخارجي ومهدي اشكناني في تقديم أدوارهم بشكل استحقوا عليه إعجاب الحضور.