كم من إنسان بسبـب صـاحــب السوء أودع سجنا، واقترف إثما، وعق والدا، وعاقر كبيرة، وأدمــن الــحـرام، وضيــع الصلاة، واستمرأ الزنا، وداوم شرب الخمر، ونزع الحياء، والأخبار في هذا كثيرة ولا عجب فقد شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بنافخ الكير الذي لا يسلم من جالسه إما على رائحة كريهة أو أن يحرق ثوب المجالس، فصاحب السوء قربه أذى ومجالسته شر، والدنو منه بلاء، ولو أردنا أن نستقصي كل الآثار السيئة المترتبة على صحبة السوء لطال بنا المقام، لكن حسبنا أن نشير إلى بعضها:
1 - فصاحب السوء يناله العذاب الدنيوي والعقوبة المعجلة ليس هو فقط، وإنما كل من جالسه قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نياتهم». متفق عليه، أخرجه البخاري، ومسلم.
2 - مجالسة صاحب السوء تستجلب طعن الناس في المجالس له وسوء الظن به.
3 - كذلك صاحب السوء غير صادق في صحبته، يصدق فيه نعت رسول الله بذي الوجهين الذي يقبل على هؤلاء بوجه وعلى هؤلاء بوجه.
ومجالسة أصحاب السوء تجرئ على المعصية.. فقد يتنزه بعض الناس عن مقارفة الحرام في أوله لسلامة فطرته ووجود الحياء في قلبه، ثم شيئا فشيئا قد يفوق صاحب المعصية أضعاف أضعاف، وهذا معلوم فإن بعض الناس قد يمتنع عن المنكر في أول الأمر، وربما يكره حتى الجلوس في مجالسه، ثم تحت الإكراه المعنوي المتمثل بالخجل تبدأ المجاملة، ثم يتطور الأمر شيئا فشيئا حتى يكون ذلك الغافل عالما بطرق الحرام بصيرا بمسالكه.
وصدق القائل:
واحذر مصاحبة اللئيم فإنه
يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
ومن شؤم أصحاب السوء أنهم يتبرؤون من أصحابهم عند أول نازلة وأدنى ملمة لسان حالهم قول القائل:
لا تصحبن رفيقا فاسقا أبدا
فإنه بائع المصحوب بالدون
فإذا كان هذا في الدنيا فكيف هو الحال في الآخرة، قال تعالى عن حالهم: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين - الزخرف: 67)، وقال تعالى عن أصحاب السوء في النار (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد - غافر: 47-48).
بل تعدى الأمر إلى أن يلعن بعضهم بعضا ولكن بعد ماذا؟ (كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون - الأعراف: 38).
وفي مقابل أصحاب السوء أمر الله بمجالسة الصالحين والتشبث بهم والحرص عليهم، قال تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - الكهف: 28).
فمجالسة الصالحين من متاع الدنيا ونعيمه المعجل، قال الشافعي: لم أتحسر على شيء عند فراق الدنيا إلا على مجالسة الصالحين.
سلام على الدنيا إن لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا
فالصالحون رابطهم الدين وجامعهم الألفة وحلاوتهم هو الحب في الله، قال ﷺ: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» متفق عليه.
فالصالحون يفيدونك علما ويزيدونك صلاحا، يذكرونك إذا نسيت وينهونك إذا غفلت، وينصحونك إذا أخطأت ويقيمونك إذا اعوججت، مجالستهم لا تخلو من فائدة أو نصيحة أو منفعة، لم تجمعهم مصلحة زائلة أو متاع من الدنيا راحل، يتفقدونك إذا غبت، لا يرضون بأن ينال منك أحد، فإن وقع أحد فيك دافعوا عنك دفاعهم عن أنفسهم وذبوا عن عرضك ذبهم عن أهليهم.
إن مما حث عليه العلماء مجالسة الصالحين من المساكين والفقراء، من يتفقد أحوالهم وعيادة مرضاهم، حتى يذكر نعم الله عليه فيحيا قلبه فيدعوه إلى التعوذ بالله من البلاء، وتسكين نفسه بدعوة صالحة من اهل الفقر والمسكنة والحاجة، بخلاف من قصر جلوسه ومحادثته على أهل المناصب والجاه والثراء، فمثل هذا يؤديه إلى دوام التطلع إلى ما هم عليه، وازدراء النعم، والبعد عن القناعة وهدوء القلب وراحة الضمير.