يحدثنا د وليد الربيع عن فضل القرآن ومقاصده في حياة المسلم فيقول:
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً).
من اهم مطالب الله عز وجل، كما قال ابن رجب: افضل العلم: العلم بالله، وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والصبر عليه، والرضا عنه والانشغال به دون خلقه، وشهر رمضان فرصة للتعرف على الله تعالى، وهذا ما يوضحه لنا د.وليد الربيعة استاذ الفقه بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية.
يقول د.وليد الربيعة: بين ايدينا كلام رب العالمين سبحانه، وهو ملك السماوات والارض ومالكها، خالق كل شيء وربه ومالكه، انزل لنا رسالة خالدة، وشرع لنا شريعة عادلة، وسن لنا دينا قيما، رحمة بنا وهو غني عنا، كما قال تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ـ فاطر: 15)، وقد اشتملت هذه الرسالة الربانية على مقاصد عظيمة، وحكم جليلة، تجمعها هداية الناس الى ربهم العظيم، وإلههم الكريم، قال سبحانه (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ـ البقرة: 2)، وقال تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ـ الإسراء: 9).
ومن اهم المقاصد القرآنية ان يعرف الناس ربهم وإلههم، واذا تأملت الآيات الكريمة تجد ذلك ظاهرا بينا، فمن ذلك قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ـ الذاريات: 56)، ومن اقوال السلف في تفسير (إلا ليعبدون) قول مجاهد وابن جريج «ألا ليعرفوني».
وجاء الامر الصريح في آيات كثيرة كقوله تعالى (فاعلموا أن الله عزيز حكيم ـ البقرة: 209)، وقوله سبحانه (واعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ـ المائدة: 98)، وقوله تعالى (واعلموا أن الله غني حميد ـ البقرة: 267)، وقوله سبحانه (فاعلم أنه لا إله إلا الله ـ محمد: 19)، وامر نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ان يعرف الناس بربهم، فقال سبحانه (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ـ الحجر: 49 و50).
وبين تعالى انه خلق الكون ليعرفه عباده بعظمته وقدرته، فقال جلا وعلا (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ـ الطلاق: 12).
واضاف: وبين انه سن الاحكام الدينية لنعلم كمال علمه وعدله، فقال سبحانه (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم ـ المائدة: 97).
مقصد عظيم
واهم غايات المسلمين دخول الجنة والنجاة من النار، وتلك غاية شريفة، ومقصد عظيم بلا شك، ولو تأمل المسلم ذكر الجنة في القرآن الكريم لوجد انها ذكرت بأسمائها وصفاتها قريبا من مائة وسبع وأربعين مرة، وذكرت النار في القرآن قريبا من مائة وخمس وأربعين مرة، في حين ان لفظ الجلالة (الله) ورد في القرآن قريبا من 2699 مرة، ولفظ (الرب) ورد في القرآن الكريم في 978 موضعا، وهذا على سبيل المثال، ولو تتبع المرء القرآن لوجد ان معظم آيات القرآن ختمت بذكر اسماء الله تعالى وصفاته، مما يؤكد ان القرآن يعتني بالعلم بالله تعالى اكثر من الجنة والنار، وذلك ان العلم بالله تعالى هو اهم مقصد من مقاصد الرسالة، واهم مطلب من مطالب القرآن، قال ابن القيم «ان دعوة الرسل تدور على ثلاثة امور: تعريف الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وافعاله، الاصل الثاني: معرفة الطريقة الموصلة إليه، وهي ذكره وشكره وعبادته التي تجمع كمال حبه وكمال الذل له، الأصل الثالث: تعريفهم ما لهم بعد الوصول إليه في دار كرامته من النعيم، الذي افضله واجله رضاه عنهم وتجليه لهم ورؤيتهم وجهه الاعلى وسلامه عليهم وتكليمه إياهم».
ويبين ان القلب محتاج الى معرفة ربه سبحانه، وبذلك يطمئن ويتغذى ويفرح، كما قال سبحانه (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ـ الرعد: 28)، قال ابن القيم «ليست حاجة الأرواح قط الى شيء اعظم منها الى معرفة بارئها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه والزلفى عنده، ولا سبيل الى هذا الا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها اعلم كان بالله اعرف وله اطلب وإليه اقرب، وكلما كان لها انكر كان بالله اجهل واليه اكره ومنه ابعد».