مفرح الشمري
وسط حضور كبير من مختلف المجالات نظمت أكاديمية لوياك للفنون- «لابا» بالتعاون مع شركة «أجيال» العقارية، حلقة ذاكرة الأندلس الرابعة تحت عنوان «خاتمة السبعينيات»، طارحة آفاق المستقبل والنهضة المنشودة.
ومن خلال ثلاثة محاور أساسية، حاولت الأكاديمية الغوص في كيفية إحياء دور سينما ومسرح الأندلس وإعادة إرساء المنارات الثقافية التي رسمت هوية الكويت في تلك الحقبة الذهبية، فسطعت كمعالم مرموقة وصلت إلى أقاصي العالم العربي.
ومنذ أكتوبر الماضي، يستضيف مقر مركز الأندلس ندوات حوارية تبحر في المشهد الفني والثقافي في الكويت «زمن الطيبين».
وقد استهلت الحلقة الرابعة بتعريف من الأستاذ والباحث الإعلامي حمزة العليان، الذي رحب بضيفيه الفنان مصطفى أحمد (أبو مشعل) أحد رموز الجيل الذهبي للأغنية الكويتية الذي أثرى الوسط الفني بعطاءاته وأغانيه، ووزير الإعلام الأسبق د.سعد بن طفلة، الذي برع في الإعلام كما في العمل السياسي والوطني.
وعن وقفاته الطربية الأصيلة على خشبة مسرح الأندلس، سرد «أبومشعل» ذكرياته الجميلة عن تلك المرحلة، قائلا: «لم نكن معتادين على اعتلاء مسارح بمستوى الأندلس، فكان الصعود الأول محفوفا بالرهبة والخوف، وكان من المفترض أن أقدم أغنيتين، غير أنني انطلقت بمجموعة من الأغاني، لقد كانت حفلات الأندلس تقتصر على الأعياد الوطنية وتحتضن كبار الفنانين من الراحل سعود الراشد وعبدالله الفضالة ومحمود الكويتي وعوض الدوخي، إلى جانب فنانين من دول عربية عديدة.
وكل هذا بفضل الشيخ جابر العلي الذي نشر الفن الكويتي في أرجاء العالم وأتاح للفنانين العرب أن يعرفوا الكويت ويغنوا لها.
بعد ذلك، انضم إلى فناني الأندلس كل من غريد الشاطئ وعبدالحميد السيد وصالح الحريبي، قبل أن نلتحق بهذه الكوكبة، بناء على رغبة الشيخ جابر باحتضان المغنين الشباب، فكان أن غنيت على خشبة الأندلس، إلى جانب عبدالمحسن المهنا وعبدالكريم عبدالقادر وحسين جاسم».
وبعد عرض مقطع من أغنية «مادرينا بك» التي أداها الفنان مصطفى أحمد خلال حفل أقيم بمناسبة دورة كأس الخليج في الكويت عام 1976، استذكر «أبومشعل» تلك الحفلة التي نظمت في سينما الأندلس على شرف الفرق المشاركة، قائلا: «غنيت حينها (سرى ليلي سرى) وغيرها، وكان المشرف على الحفلة الراحل محمد السنعوسي الذي خصص مجموعة من الفتيات للرقص على المسرح، وطلب إعادة هذه الأغنية خمس مرات».
«أبو مشعل» الذي سجل أول أغنية له «ليش تنسى الأيام» عام 1963 في برنامج «ركن الهواة»، كان أن انطلق بمسيرته الفنية أواخر العام 1964، ليعاصر بذلك الحقبة الذهبية للأغنية الكويتية في عقدي الستينيات والسبعينيات ويترك بصمات واضحة في الطرب والغناء وفن السامريات.
ورأى أن «الأغنية الكويتية كانت مميزة خلال الستينيات، في إيقاعها ولحنها وكلماتها، بحيث يدرك المرء هويتها بمجرد سماعها، سواء كانت أغنية كويتية أو سعودية أو إماراتية أو قطرية، لكن اليوم مع الأسف، لم تعد للأغنية الكويتية هوية تحت ذريعة التطور و«الجمهور عايز كذا»، وضاع بالتالي ثقل الكلمة.. لقد أصبح جيل الستينيات والسبعينيات وأغانيه من الذكريات».
وإذ استذكر زمنهم الجميل، عبر الفنان الكبير الذي لقب بـ «فتى الكويت»، عن سعادته بأغان أداها قبل 40 و50 عاما، كان من ضمنها أغنية «ترى الليل عودني»، وهي أغنية سامرية ما زالت تغنى لليوم في الأفراح والمناسبات والجلسات الخاصة.
وعن تعامله مع العديد من الملحنين من أبناء الكويت ومن الخليج ومصر، تحدث عن «تفاهم كبير مع المؤلفين والملحنين الكويتيين، غير أن العمل كان ينتابه الكثير من التغيير والتعديل. في حين أن أغنية «سرى ليلي سرى» تعاونت فيها مع إخواننا السعوديين وأنجز العمل بسرعة».
من جهته، عاد العليان بالذاكرة إلى عام 1977 حين زارت الفنانة الإيرانية غوغوش الكويت لإحياء حفل فني وستعود اليوم إلى أرض الكويت بعد 46 سنة، وكان ذلك حينها دلالة على مدى حيوية الكويت والمجتمع والحركة الفنية والثقافية ومدى انفتاحها وتطورها، حيث كانت تأتي بأهم المطربين في منطقة الشرق الأوسط، لإقامة حفلات على مسرح الأندلس وغيره.
لذلك، مستمرون اليوم في الندوات واسترجاع الذكريات على أمل إعادة الأمجاد وإحياء هذا التنوع الثقافي والفني والطربي في مسارح وسينما الكويت.
بدوره، أثنى الوزير السابق د.سعد بن طفلة على سلسلة حلقات ذاكرة الأندلس، مختصرا التحولات الكبرى في المشهد الثقافي الكويتي من خلال ثلاث روايات، قائلا: «في العام 1980 حضرت زفافا رقص فيه الرجال والنساء، وكان العرس تلقائيا وطبيعيا، وهذا آخر عرس مشترك حضرته.
أما القصة الثانية، فعن أحد الأقارب التي كنت أحب تفكيرها بالسبعينيات والثمانينيات، والتي عندما التقيتها بعد سنوات مديدة وقد أصبحت متقدمة في العمر، لم تصافحني، فكانت آخر امرأة كنت أحب تفكيرها».
وتابع: «تكمن القصة الثالثة في آخر عمل فني شاهدته مع زملاء الجامعة في الأندلس عام 1979 أو 1980، وهو عبارة عن مسرحية «كاسك يا وطن» للفنان دريد لحام، ومن بعدها هدمت سينما الأندلس وتلى ذلك إزالة العديد من المباني ودخلنا في مرحلة من التحولات الجذرية في المشهد الثقافي والفني. كما أن الكويت زمن الطيبين لم تكن وحدها، فالمنطقة بأسرها كانت تشهد حينها فترة تنوير».
ومن جهته، توجه الكاتب خالد الطراح - أحد الحاضرين - بالشكر إلى أكاديمية «لابا» ورئيسة مجلس الإدارة، والعضو المنتدب للوياك ولابا، فارعة السقاف، على تنظيمهم الندوة، معتبرا أن الإعلام الرسمي لا يكترث للثقافة أو للتصدي للغلو والإرهاب الفكري، لكن لا يمكننا أن نغفل الدور الذي لعبه تشرذم العمل السياسي والمدني، حيث نجد القوى المستنيرة لا تقف بجانب بعضها بعضاً، فنحن اليوم أسرى الماضي لا نقدم مشروعا ثقافيا مستنيرا، يكون هو البديل.