اعلم أنك تمتلك وقتا قصيرا جدا في هذه الحياة التي تعيشها، مما يجب عليك التمعن فيها، وبمَ وكيف ستقضيها؟ فإن لم تعش هذا الوقت من حياتك بقناعة كما تريدها، وبسعادة غامرة تفرحك، وببساطة ترضيك وتسعدك، فتأكد أنه لم يكن لك نصيب منها سوى كثرة التذمر والتعاسة والشقاء، وذلك طبعا وفقا لاختياراتك وقراراتك التي ستتخذها، وبكامل إرادتك ستحددها، لتصبح تلك القرارات والاختيارات فيما بعد جزءا لا يتجزأ من محيط حياتك، وكيفما كانت ستنعكس عليها.
فإن كانت تلك القرارات خاطئة وتفتقر إلى وجه الصواب، فتأكد أنك لن تستطيع عيش حياتك بصورة جميلة، سلسة ورائعة، ولن تشعر أبدا حتى بحلاوة لذتها، وخصوصا إذا سخرت قراراتك وضيعت لحظات عمرك وثمين وقتك، فقط على انصباب تركيزك على حياة هذا، وعلى ما يملكه ذاك، فتغرق نفسك وروحك وذاتك في دوامة المقارنات! تلك الدوامة التي لا بداية لها ولا نهاية لعواقبها، وبأسئلة غبية لا معنى لها ستغرق نفسك، حين تعيد وتزيد فيها طوال وقتك، بـ«كيف، ومتى، ولمَ، ولماذا»؟ أسئلة بسببها ستصبح وفي أغلب أيامك شخصا مندفعا، عصبيا، غيورا، وغير مهذب وخلوق مع غيرك بسبب ضغط التفكير الذي يدور في عقلك.
وليتك سخرتها بما يعود بالفائدة والنفع عليك، عل وعسى أن تصل لمقاصد رائعة وهادفة تنصب لصالحك، مقاصد مخصصة بطابعك الشخصي وميولك وتفضيلاتك، وبعيدة كل البعد عن تلك التركيزات العالية في مكبات الغير وما حولهم، والتي بدلا من أن تضيف لك ستدمرك، وتعرقل حياتك وتطمسك.
فهي صفة سيئة جدا ترتكز فقط على مراقبة حياة الآخرين، والتعمق فيما يتمتعون به من مال، كماليات، سلع فاخرة، ساعات، مناصب، سيارات..إلخ، والبحث في أمورهم الخاصة، والتمعن بأرزاقهم أو بالرفاهية التي يتمتعون بها، وإن كان أولئك الآخرون يحظون للأسف بأقل مما تحظى به أنت، يقول الشاعر:
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضا عيانا
فالخطأ كل الخطأ هو أن تنغمس كثيرا بتلك الأمور، لأن بسببها ستنخفض سعادتك، وستزداد تعاستك، وفي المقابل وبشكل تدريجي سيزداد فشلك وحزنك واستياؤك وتذمرك، ومن ثم سيعتريك ذلك الشعور الغامض، والذي سيجعل منك شخصا متعكر المزاج ومتخبطا من الداخل، ولأسباب مجهولة قد لا تعرف مصدرها، إلا أنها في الواقع هي بسبب ذلك الضباب الدماغي الناتج من التشويش الذهني والذي أنهكته أنت بالكثير من الأفكار بسبب تلك الصفة السيئة التي جعلتها تتغلغل بداخلك وتكبر! في حال يفترض بك أن تجعل تركيزك منصبا عليك، وتفكر كيف تطور من شخصيتك وترتقي بحياتك إلى مستويات جديدة، مستويات من خلالها ستركز أكثر على طاقاتك الكامنة ومهاراتك، وستتجاهل توافه الأمور وتبتعد عن كل ما يتعسك.
تعوّد أن تكون حامدا وشاكرا وقنوعا، انشغل بنفسك، نسق وقتك، ركز على ترتيب أمورك وأولوياتك، صفِّ نيتك، كي لا تصبح شخصا منبوذا تتلاشى مع مرور الأيام قيمتك، ويتلاشى معها كيانك، فيتزعزع اتزانك وتضطرب شخصيتك.
فالمؤمن الحقيقي ذو النفس الهادئة، الراضية، الصابرة، المحتسبة، تجده على الدوام سعيدا وقانعا بما قسمه الله له، وليس له علاقة بما يملكه غيره، لأن قلبه خال من أدران الغيرة، قال تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)، والمسلم الحكيم هو الذي يتجنب تلك الخصال والصفات السيئة في جميع الأحوال، لأن أهونها عند الله ترك الرضا بالقضاء، وانطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن الآخرين،
وذلك كله سينعكس بالسلب عليك وعلى حياتك.