تجددت الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لليوم الثاني على التوالي، وسط تقارير عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين، فيما سادت حالة من الغموض بشأن التطورات الميدانية بسبب تضارب بيانات الطرفين وحديث كل منهما عن تحقيقه «انتصارات» وسيطرة قواته على قواعد ومقار عسكرية ومطارات إقليمية، في حين ناشدت أطراف دولية وإقليمية عديدة المتقاتلين من أجل مراعاة الظروف الإنسانية المأساوية التي تشهدها مناطق القتال.
وسمع دوي القصف بين الجانبين في شوارع الخرطوم الخالية من المارة والتي انتشرت فيها رائحة البارود القوية.
وتحدث شهود عيان عن معارك بالأسلحة الثقيلة بين الجانبين في الضواحي الشمالية للعاصمة، وكذلك في جنوب الخرطوم.
وأعلن الجيش السوداني أن «القوات الجوية السودانية ستقوم بعملية مسح كامل لمناطق تواجد ميليشيا الدعم السريع المتمردة»، موضحا أنه يطلب من «المواطنين الالتزام بالبقاء في المنازل وعدم الخروج». وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، لا يتوقف الأطباء عن طلب المساعدة والممرات الآمنة لسيارات الإسعاف ووقف إطلاق النار لعلاج المصابين.
وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في منشور أوردته عبر صفحتها الرسمية بموقع «فيسبوك» أمس السيطرة والاستيلاء على قواعد ومقرات لقوات الدعم السريع في 7 مدن كبرى، هي: بورتسودان وكسلا والقضارف والدمازين وكوستي وكادوقلي ومعسكر كرري بشمال أم درمان بالعاصمة الخرطوم، منوهة إلى أن عناصر الدعم السريع «ولوا الأدبار وتركوا كل عتادهم ومركباتهم».
ونشر الجيش فيديوهات مصورة تظهر دخول قواته الى مقار «الدعم السريع» في بعض هذه المدن.
وأشار الى «هروب ميليشيا حميدتي المتمردة واحتمائها بالأحياء السكنية والخلاوي والمدنيين»، وناشد المواطنين «بتوخي الحذر بعد هروب قوات حميدتي المتمردة قام البعض منها بارتداء الزي المدني والدخول للأحياء السكنية».
كما أعلنت القوات المسلحة السودانية هروب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو من مخبأه بعد هروب طاقم حراسته وجنوده المكلفين بتأمينه، وقالت في منشور ثان بصفحتها على «فيسبوك»: «جاري الحسم».
في الوقت ذاته، نفى الجيش السوداني صحة ادعاء قوات الدعم السريع التي اطلق عليها وصف «الميليشيا المتمردة» باستيلائها أو مجرد اقترابها من أي من مقرات القيادة العامة، لافتا الى تعرض برج القوات البرية للحريق نتيجة لنيران الاشتباكات حيث تمت السيطرة عليه ولم يصب أحد بأذى.
في المقابل، تحدثت قوات الدعم السريع عن تعرضها لهجوم من «طيران أجنبي» في بورتسودان، ونشرت فيديو لقواتها داخل مطار مروي وقالت: «من مطار مروي تطمئن الشعب السوداني وتعلن السيطرة الكاملة».
أما بالنسبة إلى التلفزيون الحكومي الذي يبث أغاني وطنية من دون أي تعليق على الأحداث، كما حدث أثناء الانقلاب في أكتوبر 2021، فإن كلا الجانبين يؤكد أنه استولى عليه. وفي المناطق المحيطة به، أفاد سكان عن قتال مستمر.
في غضون ذلك، أصدرت لجنة أطباء السودان المركزي حصرا مبدئيا لضحايا اليوم الاول من الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، مشيرة إلى مقتل ما لا يقل عن 56 مدنيا وعشرات العسكريين، وأصيب اكثر من 600 شخص بجروح. في هذه الاثناء، تضاعفت دعوات المجتمع الدولي إلى وقف القتال في السودان.
وعقدت الجامعة العربية اجتماعا طارئا على مستوى المندوبين الدائمين وذلك بطلب من كل من القاهرة والرياض لبحث تطورات الأوضاع في السودان. كذلك عقد مجلس السلم والأمن الأفريقي اجتماعا مماثلا لبحث للغرض ذاته. وعرضت مصر وجنوب السودان الوساطة بين الأطراف السودانية المتقاتلة، ووفقا لبيان صادر عن الرئاسة المصرية فقد ناشدت جارتا السودان الأطراف كافة «تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي»، وذلك خلال اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس جنوب السودان سلفا كير.
وقد دعا مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين إلى ضرورة الوقف الفوري لكل الاشتباكات بالسودان والعودة السريعة إلى المسار السلمي لحل الأزمة، مؤكدا استعداد الجامعة لبذل كل المساعي لمعاونة السودان على إنهاء الأزمة بشكل قابل للاستدامة، كما دعا المجلس السفراء العرب في الخرطوم للتحرك للمساهمة في استعادة استقرار الأوضاع بالبلاد عبر الاتصال بكل الأطراف.
جاء ذلك في البيان الصادر عن اجتماع الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين التي عقدت اليوم برئاسة مصر لمناقشة التطورات بجمهورية السودان، وذلك بناء على طلب مصر والسعودية.
وطالب بضرورة الوقف الفوري لكل الاشتباكات المسلحة حقنا للدماء وحفاظا على أمن وسلامة المدنيين ومقدرات الشعب السوداني ووحدة أراضي السودان وسيادته.
وأكد على أهمية العودة السريعة إلى المسار السلمي لحل الازمة السودانية، والتأسيس لمرحلة جديدة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني الشقيق وتسهم في تعزيز الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي في هذا البلد المهم.
وحذر من خطورة التصعيد العنيف الذي تشهده جمهورية السودان، وما يصاحب ذلك من تداعيات خطيرة يصعب تحديد نطاقها داخليا وإقليميا، مما يحتم على كل الأطراف إعلاء مصلحة السودان دولة وشعبا عبر ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والعمل معا على تهدئة الأوضاع تفاديا للتفاقمها ومنعا لتدهورها.
وأكد المجلس استعداد جامعة الدول العربية لبذل كل المساعي من أجل معاونة السودان على إنهاء هذه الأزمة بشكل قابل للاستدامة، وبما يتسق مع مصلحة الشعب السوداني، والعمل على المتابعة الحثيثة بشكل مستمر لتطورات الأزمة الراهنة وتكثيف الاتصالات العربية اللازمة لتحقيق ما تقدم.. والدعوة لإبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الوضع في السودان.
ودعا مجلس جامعة الدول العربية مجموعة السفراء العرب المعتمدين في الخرطوم إلى التنسيق فيما بينهم والتواصل المستمر مع السلطات والأطراف والمكونات السودانية وتقديم الدعم اللازم للمساهمة في استعادة استقرار مع الأوضاع في السودان والتنسيق مع الأمانة العامة والدولة الرئيس للمجلس على المستوى الوزاري (مصر).
بدورها، دعت الصين طرفي الصراع في السودان إلى إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن ومنع تصعيد التوترات.
مقتل 3 موظفين أُمميين في اشتباكات بدارفور
أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس عن مقتل ثلاثة عاملين في برنامج الأغذية العالمي خلال اشتباكات في دارفور غرب السودان، ما دفع البرنامج إلى إعلان تعليق مساعداته هناك حتى إشعار آخر.
وأشار إلى أن الموظفين الثلاثة قتلوا في الاشتباكات التي اندلعت في كبكابية شمالي دارفور وذلك «أثناء أدائهم لواجبهم».
وأدان بيرتس الهجوم على موظفي الأمم المتحدة والأصول والمباني التابعة لمنظمات الإغاثة في دارفور.
ونقل بيان للبعثة عن بيرتس قوله أمس «أشعر بالانزعاج الشديد من التقارير التي تفيد بأن مقذوفات أصابت منشآت الأمم المتحدة ومباني إنسانية أخرى، بالإضافة إلى تقارير عن نهب مباني الأمم المتحدة وغيرها من المباني الإنسانية في عدة مواقع في دارفور».
وأكد بيرتس أن أعمال العنف المتكررة تخل بعمليات توزيع المساعدة، داعيا جميع الأطراف إلى احترام التزاماتها الدولية، بما في ذلك ضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة وجميع العاملين في المجال الإنساني واحترام سلامة المباني والأصول.
طرفا النزاع المسلّح في السودان يوافقان على فتح «مسارات آمنة» للحالات الإنسانية
أعلن طرفا النزاع المسلح في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع) الموافقة على فتح «مسارات آمنة» للحالات الإنسانية.
وقالت القيادة العامة للجيش السوداني في بيان صحافي امس، إن «القوات المسلحة السودانية توافق على مقترح الأمم المتحدة بفتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية، ولمدة 3 ساعات تبدأ من الساعة الرابعة عصر» بالتوقيت المحلي.
وأضافت قائلة: «على ألا يلغي ذلك حقها في الرد عند حدوث أي تجاوزات من قبل المليشيا المتمردة».
من جهتها، قالت قيادة قوات الدعم السريع في بيان صحافي امس، إنه «في إطار طلب الأمم المتحدة ورغبة القوات في تيسير جزء من حياة الناس، تعلن عن السماح للمسارات الآمنة والحالات الإنسانية للمواطنين ولمدة 4 ساعات».
وأكدت احتفاظها بالحق في الرد على «أي اعتداءات».
السعودية والإمارات وأميركا تدعو إلى وقف التصعيد بالسودان والعودة للاتفاق الإطاري
تلقى وزير الخارجية السعودي سمو الأمير فيصل بن فرحان اتصالا هاتفيا، من وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وذكرت وكالة الانباء السعودية الرسمية «واس» في بيان انه جرى خلال الاتصال المشترك بحث الأوضاع الراهنة في السودان، مع التأكيد على أهمية وقف التصعيد العسكري، والعودة إلى الاتفاق الإطاري، بما يضمن أمن واستقرار السودان وشعبه الشقيق.
وفي سياق متصل، دعا وزير الخارجية السعودي إلى «سرعة وقف العمليات العسكرية في السودان والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس وتجنب التصعيد».
وقال الأمير فيصل بن فرحان عبر حسابه على موقع «تويتر»: «ندعو الأشقاء في السودان إلى سرعة وقف العمليات العسكرية والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس وتجنب التصعيد وتغليب مصلحة الشعب السوداني الشقيق بالحفاظ على مكتسباته ومقدراته وبالعودة إلى الاتفاق الإطاري الذي يهدف للوصول إلى إعلان سياسي يحقق الأمن والاستقرار والازدهار للسودان وشعبه الشقيق».
بدوره، عبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن بالغ قلقه إزاء تقارير عن تصاعد العنف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ودعا إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية.
وكتب في حسابه الرسمي على «تويتر»: «نحن على اتصال بفريق السفارة في الخرطوم وجميعهم بخير، ونحث جميع الأطراف على وقف العنف فورا وتجنب المزيد من التصعيد أو تعبئة القوات ومواصلة المحادثات لحل القضايا العالقة».
خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية: مصر تدعو إلى وضع حلول سلمية للخروج من الأزمة الراهنة بالسودان
القاهرة ـ هناء السيد
دعت مصر إلى وضع حلول سلمية للخروج من الأزمة الحالية بالسودان وضمان تحقيق استقرار البلاد.
جاء ذلك في كلمة وزير مفوض عبيده الدندراوي نائب مندوب مصر بالجامعة العربية في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية غير العادي (الطارئ) لبحث تطورات الوضع في السودان.
وأعرب عن ترحيب مصر بكل بمساعي جامعة الدول العربية لمعاونة جمهورية السودان في حل الأزمة الحالية.
وقال إن مصر على تواصل مع سفارتها في الخرطوم ومتابعة أوضاع الجالية المصرية خاصة الطلاب المصريين وجميع المؤسسات المصرية.
وشدد على مسؤولية جمهورية السودان وأجهزتها المعنية في ضمان وسلامة البعثة والجالية المصرية في السودان.
وأشار إلى أن التوقيع على الاعلان الدستوري وضع أساسا لشراكة قوية بين المكونات في الحكم، ومصر لم تتوان في تقديم كل سبل الدعم للسودان سعيا للمرور بهذه المرحلة الحساسة وتحقيقا لمصالح الشعب السوداني.
وأضاف أن كل هذا مهدد نتيجة الأزمة الراهنة التي تعد إهدارا لثمار التضحيات التي قدمها الشعب السوداني من أجل الحرية والديموقراطية والازدهار.
وقال إن مصر ستظل داعمة للسودان باعتبار أن السودان العمق الإستراتيجي لمصر، سعيا لتحقيق التكامل المنشود بين البلدين استنادا الى واقع تاريخي وجغرافي أثبت أن مصلحة مصر والسودان واحدة، وأن مصير البلدين هو مصير مشترك.
وأكد أن مصر تواصل دعمها لنموذج السودان على القائم على الشراكة بين المدنيين والعسكريين ووضع الأسس الصلبة لنظام ديموقراطي راسخ ومستقر.
وكان اجتماع الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية قد انطلق اليوم برئاسة السفير محمد مصطفى عرفي مندوب مصر لدى جامعة الدول العربية باعتبار مصر الرئيس الحالي لمجلس الجامعة العربية في دورته العادية، والذي أكد في كلمة مختصرة أن الوضع في السودان جلل وخطير ويستدعي سرعة التحرك.
من جانبه، أكد السفير الصادق عمر عبدالله، مندوب السودان الدائم بالإنابة لدى جامعة الدول العربية، أن ما يحدث في السودان شأن داخلي، غير أن جهود الدول العربية الشقيقة مطلوبة للمساعدة في تهدئة الأحوال بالبلاد، مطالبا الدول العربية بترك الأمر للسودانيين لإنجاز التسوية فيما بينهم بعيدا عن التدخلات الدولية، ومؤكدا أن هذا التوصية مهمة لأن المنظومة الدولية ستأخذ بها في أي موقف قد تتخذه حيال أحداث السودان.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها أمس خلال الاجتماع الطارئ الذي عقد اليوم بمقر الجامعة العربية برئاسة مصر لبحث الأوضاع في السودان.
وقال مندوب السودان الدائم بالإنابة، إن الدعم السريع هو الذي بدأ الهجوم على مقر سكن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في القيادة العامة للجيش في التاسعة من صباح أمس، علما أنه كان هناك اجتماع مقرر له مع الرئيس البرهان في اليوم ذاته، وقام الجيش السوداني بتحركات لدحر الهجوم وطرد قوات الدعم السريع الذي انتشر بكثافة في المقار والمؤسسات الحكومية كالإذاعة والتلفزيون والقصر الجمهوري ومطار الخرطوم، معتمدين على عنصر المباغتة، لكن القوات المسلحة السودانية كانت لهم بالمرصاد.
وأضاف: تمكنت القوات المسلحة من إلحاق خسائر فادحة بالمتمردين ولاتزال تمشط بعض المناطق والجيوب، علما أن أعدادا كبيرة من المتمردين استسلموا أو هربوا الى الولايات المجاورة للخرطوم.
وأوضح مندوب السودان الدائم بالإنابة، أن الحكومة قامت بحل ميليشيا الدعم السريع وأعلنت أنها قوة متمردة يتم التعامل معها على هذا الأساس.
وكشف مندوب السودان الدائم بالإنابة عن فشل كل الوساطات الوطنية والإقليمية والدولية في إقناع الدعم السريع المحلول بالاندماج في الجيش الوطني حسب نص الاتفاق الإطاري، مؤكدا أن الجيش السوداني يعتمد الآن استراتيجية قتالية مع التمرد تهدف الى تقليل الخسائر وسط المدنيين والمرافق الحكومية والممتلكات الخاصة الى حدها الأدنى، لذلك يلاحظ أن إنهاء التمرد وطرده من المواقع التي سيطر عليها أو يحتمي بها أخذا وقتا أطول.