ياسر العيلة
عندما تجتمع مشاعر الحب والكراهية في قلب امرأة مجروحة تكون الرغبة في الانتقام هي الحل، باختصار هذه هي الفكرة الرئيسية التي تدور حولها أحداث مسلسل «النون وما يعلمون» للنجمة إلهام الفضالة الذي تنافس به في سباق الدراما الرمضانية لهذا العام، والذي تخلت فيه عن أدوارها الأخيرة التي تحمل طابعا كوميديا نوعا ما وتحديدا مسلسل «أمينة حاف» بجزئيه الأول والثاني، خاصة أن الجزء الثاني منه لم يحقق النجاح المتوقع وتعرض لانتقادات عنيفة، ما جعل الفضالة تتريث قبل الإقدام على عمل جديد حتى لو اضطرت للغياب عن الشاشة في رمضان، إلا أنها وجدت ضالتها في نص للكاتب الشاب عبدالرحمن أشكناني وهو «النون وما يعلمون» من خلال تجسيدها لشخصيتين توأم «نور» الطيبة البسيطة و«فجر» المتسلطة التي تعمل محامية وعانت في طفولتها أشد المعاناة بسبب فقدانها لأمها وأبيها وضياع حقوقها، ما يجعلها تحقد على الجميع ومنهم إخوانها وعمتها وحيدة (طيف) التي تهدد «فجر» بفيديو تظهر من خلاله وهي تقتل السائق، بالإضافة إلى معرفتها أن «فجر» تستخدم طرقا غير قانونية لتحصل على براءة موكليها.
فكرة العمل التي قدمها الكاتب أشكناني ثرية وجديدة وقالب درامي «حلو» جمع العديد من الخيوط، لكن بعضها كانت بحاجة إلى دراسة أكثر، لأن فيها أشياء غامضة لم يبرر لها بالشكل الكافي، مثل: لماذا «وحيدة» و«فجر» تنتقمان بهذا الشكل الشرس؟ وأيضا علاقة براك (شهاب جوهر) وحبه لليالي (رانيا شهاب) ورفض أبيها زواجه منها، وفجأة يحب أسرار (عبير أحمد) ويتزوجها، وبعض المشاهد كانت طويلة نوعا ما، وأيضا يؤخذ على الكاتب أن الممثلين في العمل يتحدثون بنمط واحد ونفس مستوى الثقافة، ومن الملاحظات السلبية أن بعض الممثلات المشاركات في العمل لم يجدن نطق بعض الكلمات الكويتية بشكل سليم، لكن لأنها التجربة الأولى لهذا الكاتب الواعد فتعتبر ناجحة ولا يوجد عمل متكامل أبدا، وأتوقع لأشكناني مستقبلا كبيرا في عالم الكتابة من خلال الخبرات التي سيكتسبها في كل مسلسل يقدمه.
«النون وما يعلمون» بشكل عام مشوق وإن كان يغلب على أحداثه الغموض، الذي يجعل الجميع يترقبه بفضول شديد لمعرفة وفك شفرة القصة دون ملل.
وبالنسبة لأداء الممثلين، تقدم النجمة إلهام الفضالة دورا من أحلى أدوارها، وكان واضحا أنها درست الشخصيتين التي تقدمهما بشكل كبير، فتجسد دور المرأة الثرية القوية المتسلطة التي تستعيد حقوقها بالقوة وبالانتقام بشكل رائع، وبالرغم من انتقاد البعض لها بأنها تظهر في العمل بكامل أناقتها وترتدي أحدث الماركات، فأنا أرى أن طبيعة الدور تتطلب منها ذلك، والدليل أنها تجسد الشخصية الثانية «نور» بشكل يتناسب مع طبيعة الدور، فهي إنسانة بسيطة لا توجد عندها مبالغة في الأزياء والماركات، على عكس «فجر».
وأستطيع القول إن خبرة نجوم العمل تلعب الدور الأكبر في نجاحه، بالإضافة لاجتهاد الفنانين الشباب، حيث تقدم النجمة طيف واحدا من أجمل أدوارها «وحيدة» التي تدعي أنها تعاني من العمى إلى أن تصبح عمياء بالفعل، وتقدم مع إلهام ثنائية في التمثيل جعلتنا نكرهها لحظات ونتعاطف معها لحظات أخرى، ويجسد شهاب جوهر دورا مميزا من خلال شخصية «براك، فأداؤه عفوي وغير مفتعل وتخلص من شخصية «فارس» التي قدمها على مدار عامين من خلال «أمينة حاف»، وأجمل ما في المسلسل أن شهاب يقدم دورا في خط درامي بعيد عن الخط الدرامي الرئيسي لزوجته إلهام الفضالة حتى لا يربط المشاهد بينهما، كونهما زوجين وفنانين في عمل واحد، ويقدم مشاهد مميزة مع النجمة عبير أحمد التي تجسد دور «أسرار» بحرفية شديدة وضعت فيها كل خبرات السنين التي جعلت الجميع يتعاطف معها.
ولا ننسى تميز النجم عبدالله الطليحي في شخصية «بشار» وعلاقته بزوجته هيام (هدى حمدان) وخيانته لها، فالطليحي من الفنانين الذين يحرصون على تطوير أدواتهم الفنية وتنمية مهاراتهم بشكل دائم، كما يجسد الفنان الشاب حسن المطوع شخصية «بدر» بشكل ينبئ عن قدوم ممثل جديد في الدراما الكويتية، فهو موهوب بمعنى الكلمة، ومن الفنانين الذين تحبهم الكاميرا. وتلعب رانيا شهاب وهدى حمدان وشبنم خان وسارة العنزي أدوارهن بشكل جيد جدا، لكن كما ذكرت بعضهن كن بحاجة لضبط لفظ بعض الكلمات الكويتية بشكل أكثر إتقانا.
ومن نجمات العمل أيضا الفنانة الإماراتية فاطمة الحوسني التي تجسد شخصية «سوسن» بشكل عفوي بسيط، حيث وصل أداؤها للجميع بشكل سلس، والشيء نفسه ينطبق على النجم محمد الصيرفي الذي يلفت الأنظار بشدة إليه من خلال دور «كمال» وهو دور مركب يتمتع بخفة ظل، وضعيف أمام الأكل، وكان من المفترض ان يقدم الفنان محمد الحملي هذا الدور لكن الصيرفي أجاد فيه، وحظيت مشاهدة مع الفنانة إلهام الفضالة بإعجاب الجمهور.
أما عن الإخراج، فكان اختيار المخرج حمد البدري لهذا العمل موفقا، حيث استطاع تحويل محتوى النص الى مشاهد مصورة فخمة بشكل رائع، تحمل الصدق والتلقائية والحس الإبداعي الخالص، لنشاهد عملا متكاملا قوامه 30 حلقة بلا ملل وبإيقاع سريع باستثناء بعض الحوارات الطويلة التي أشرت اليها في البداية، واستطاع ان يخرج من كل الفنانين أفضل ما لديهم من أداء.
أخيراً مسلسل «النون وما يعلمون» يستحق المشاهدة أكثر من مرة، خاصة أن صناعه وفروا له خلطة نجاح من غموض وتشويق وإثارة رافعين شعار «اللعب على المضمون».