- مباراة في الأداء الرائع بين الممثلين نتيجتها فوز الجمهور بكأس السعادة والبهجة
ياسر العيلة
ثنائية جميلة تجمع بين الكاتب والمخرج المسرحي القدير عبدالعزيز صفر والنجم الفنان خالد المظفر تهدف إلى تقديم أعمال متميزة خارج النطاق التقليدي لمسرح القطاع الخاص، حيث قدما معا من قبل مسرحيات «مطلوب» و«كومبارس» و«عذوبي السالمية» و«موعد مع معاليه»، وصولا لمسرحيتهما التي تعرض حاليا «المحترمين».
ففي مسرح صفر والمظفر، سيشعر المشاهد للوهلة الأولى أنه أمام مسرحية كوميدية بامتياز كما هو الحال في «المحترمين»، ولكن هنا الضحك و«الأسى» لا يتوقفان أثناء صعود الحدث دراميا، فهما متلازمان طوال الوقت، وهذا شيء يدرك صعوبته من يعملون في مسرح الكوميديا.
عبدالعزيز صفر كاتب ومخرج مختلف عاشق للمسرح كما كان حريصا طوال مسيرته على متابعة بروفات أي عمل له من البداية للنهاية، وخالد المظفر لديه مقدرة على الوصول إلى الناس وهي ميزة قليل من يتمتع بها، ولكن هذه البساطة كانت تتطلب مجهودا كبيرا وتكنيكا مختلفا في التمثيل، بالإضافة إلى أن مسرحه متنوع، فلكل عرض شكل مختلف.
أدرك صفر والمظفر أهمية المسرح كأداة في تنوير الفكر وصقل الطابع البشري، فأتقنا قواعد اللعبة المسرحية بنصوص أحكما بناءها، بلغة بسيطة محملة بمعان عميقة تحترم عقل المشاهد ووجدانه من خلال إيصال فكرة «المحترمين» بسلاسة وخفة ظل، دون ابتذال أو إسفاف، فيضحكك على ما هو جدير أن يبكيك.
وبالنظر إلى لغة المسرحية، نجدها مناسبة جدا لهذا العمل الذي كتب كي يقدم للجمهور العادي والنخبوي، فجاءت سلسة خفيفة مبتعدة عن الشاعرية أو الخطابية (إلا في مواضع تستدعي ذلك)، كي تكون قريبة من المتفرجين في قصة تدور أحداثها في قرية تدعى «سيلمار» ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال عالم خاص ابتكره الكاتب عبدالعزيز صفر بما فيها من أسماء شخصيات الأبطال، وهو نهج خاص به في كل أعماله التي قدمها من قبل، بحيث لا تكون مشابهة لأي أعمال أخرى، فالعمل يتطرق إلى الشخص الوصولي المنافق، الذي يفعل أي شيء ليصل إلى مبتغاه في هذه الحياة، وذلك من خلال ضابط فاسد يدعى محضر خير (خالد المظفر) ومعه مجموعة من الضباط الفاسدين أيضا وهم بشوش (محمد الدوسري) وتركيز (زينب بهمن) ومعتمد (مهدي دشتي) ومعهم العسكري حبيس (سلمان كايد) بالإضافة الى مختار القرية ضعيف الشخصية (إبراهيم الشيخلي)، الذين يديرون القرية حسب مصالحهم الخاصة، الى أن تأتي ضابطة تدعى فترة (ايمان فيصل) لتكشف هذا الفساد.
العمل بشكل عام عميق في طرحة الدرامي والرسائل التي يحملها، وعكس قضايا جيل الشباب الحالي، وشخصياته كل واحدة منهم عبرت بشكل درامي عن نفسها وأهدافها وطموحها وهموها وخيبة أملها، وبالرغم من جرعة الكوميديا التي قدمها نجومه، إلا أنني كنت أرى أنه بحاجة إلى جرعة أكبر من الكوميديا انطلاقا من فكرة «شر البلية ما يضحك»، والقصة كانت تتحمل ذلك، خاصة في أدوار إبراهيم الشيخلي وزينب بهمن.
أداء الممثلين كان على مستوى النص، وقدموا مباراة رائعة في التمثيل كانت نتيجتها فوز الجمهور ببطولة كأس المتعة والسعادة، ووضح على أدائهم إيمانهم بالفكر الجديد والمختلف الذي يقدموه مع الكاتب عبدالعزيز صفر والنجم خالد المظفر الذي وصل إلى مرحلة عالية من النضج الفني، حيث قاد العمل بشكل مميز ولم يعتمد على فكرة النجم الأوحد، وإنما أتاح المجال لكل المشاركين في المسرحية لأخذ مساحة كبيرة لتقديم أفضل ما لديهم من أداء.
«المحترمين» بطولة جماعية تألق فيها بجانب المظفر النجم محمد الدوسري بأدائه المميز وحضوره الكبير، كما أبدعت ايمان فيصل وقدمت اجمل أدوارها المسرحية على الإطلاق، فملأت المسرح حيوية بأداء سهل ممتنع، كما أثبتت النجمة زينب بهمن الشهيرة بلقب «زنغوليا» أنها طاقة كوميدية كبيرة، حيث صالت وجالت على خشبة المسرح وتشع حالة من البهجة والسعادة، وكما ذكرت من قبل فدورها يتحمل زيادة في مساحة الكوميديا.
وتألق إبراهيم الشيخلي في دور مختار القرية، فقد قدمه بخفة دم شديدة وأداء عفوي وتلقائي بعيدا عن التصنع، وكان دوره بحاجة لزيادة جرعة الكوميديا التي يقدمها. ومن الفنانين الذين لفتوا الأنظار في هذا العمل مهدي دشتي الذي قدم أداء راقيا ينم عن موهبة كبيرة وأتوقع له مستقبلا كبيرا في الفترة المقبلة.
ونأتي إلى مفاجأة العمل الفنان سلمان كايد الذي يعد بالفعل فاكهة المسرحية، حيث ملأ الأجواء حيوية وخفة حركة، وأثبت أنه موهوب واستحق تصفيق الجمهور له أكثر من مرة، وأعتقد أنه من أهم اكتشافات «المحترمين»، وبالنسبة لفناني المفضل الذي أحرص على متابعة أعماله أحمد المظفر، وبالرغم من صغر حجم مساحة الدور الذي يقدمه في المسرحية، إلا أنه ترك بصمة من خلال تجسيده لشخصية مندوب إحدى شركات المقاولات، فقد جسد الشخصية بشكل سلس وبأداء جميل نال إعجاب الجميع.
وبالنسبة للكتابة وللإخراج فكان عبدالعزيز صفر عند حسن ظن الجمهور به، حيث قدم عملا مكتوبا بشكل رفيع المستوى يحمل داخله ذلك المزج العبقري بين الصبغة الشعبية الفلسفية، وبين التركيب الدرامي البنائي شديد البراعة، وبين الحبكة البسيطة السهلة من خلال فكر وتوجه مسرحي مختلف نوعا ما عما يقدمه الآخرون، وأشعر أمام تجاربه السابقة مع خالد المظفر أننا سنشاهد ثنائيا جديدا يذكرنا بالعديد من الثنائيات الناجحة في عالمنا العربي مثل ثنائية الفنان عادل إمام والكاتب وحيد حامد، وثنائية الفنان محمد صبحي والكاتب لينين الرملي وغيرهما، حيث قدم صفر من خلال العرض كل عناصر الإبهار التي تجذب المشاهدين بداية من أداء وحركة الممثلين الذين كانوا في حالة وهج والتزامهم الكامل بالنص، مرورا بالديكور والإضاءة والموسيقى والأغاني التي قدمها خالد المظفر.