- «الزند» كسر النمطية في القصة والصورة وتقديم أعمال أشبه بالملحمة الدرامية الشعبية
دمشق - هدى العبود
تشهد الدراما السورية المحلية نهضة في المواسم الأخيرة عبر عودة عدد من شركات الإنتاج الى العمل، وظهور شركات جديدة برأسمال جيد وتوجه فكري مختلف، حيث بتنا نشاهد مشاريع فنية مجتهدة في تطوير أعمال البيئة الشامية، وهو نمط درامي مطلوبا من قبل القنوات الشارية، والتي أخذت تقع في فخ النمطية والاستسهال خلال السنوات الماضية.
الاجتهاد في تقديم أعمال شامية مختلفة شاهدناه في رمضان الماضي عبر مسلسلات «العربجي» تأليف عثمان جحا ومؤيد النابلسي وإخراج سيف الدين سبيعي، و«حارة القبة» تأليف أسامة كوكش وإخراج رشا شربتجي، و«زقاق الجن» تأليف محمد العاص وإخراج تامر إسحاق. ولعل أبرز ما يجمع هذه الأعمال هو كسر النمطية في القصة والصورة وتقديم أعمال أشبه بالملحمة الدرامية الشعبية، وإفساح المجال أكثر لنجوم هذه الأعمال لتقديم أداء تمثيلي مختلف مع مساحة أكبر لمشاهد الأكشن، هذا الاجتهاد أصاب في مواضع وأخفق في أخرى، ما يحتم على صناع أعمال البيئة الشامية إعادة حساباتهم والتمحيص في كل تفاصيل ما يقدمون كي لا يقعوا في فخ الخروج عن المنطق فيما يقدمون، وانفلات نتاجهم الدرامي من ضوابط البيئة التي تنتمي إليها أعمالهم سواء في البعد التاريخي التوثيقي أو الشكل الاجتماعي العام أو تفاصيل الحياة والعادات والتقاليد.
ونظرا لأهمية هذا الموضوع، التقت «الأنباء» الكاتب والمخرج سمير طحان، فقال: تميز الموسم الرمضاني لهذا العام بالدخول الى عوالم البيئات السورية، ونحن طالبنا بأن يكون هناك ولوج لعوالم هذه البيئات سواء بيئة الجزيرة السورية او البيئة الجنوبية لسورية أو بيئة المنطقة الوسطى نظرا لغناها بصريا وفكريا، لكن مع الأسف كان هناك تقصير وخجل في الولوج الى تلك البيئات وسبر أغوارها وجماليتها البصرية والربانية، فمثلا بيئة البادية والصحراء جميعنا يعلم كم تمتلك تلك من الجمالية والأسرار بتفاصيلها، علما أن ثلاثة أرباع الشعب السوري بالكاد يعرف عنها شيئا، الا من خلال مسلسل بدوي شاهدناه في سبعينيات القرن الماضي وهو «فارس ونجود»، بالإضافة الى العوامل الخارجية التي حطت برحالها على سورية لمدة اثني عشر عاما، فالحرب عطلت الكثير من تلك الأعمال التي تخص هذه البيئة، واليوم بدأنا نعيش مرحلة دراما سورية ناجحة.
وتابع: الدورة الرمضانية شهدت أعمالا فنية بيئية منها مسلسل «الزند»، الذي أعتبره من وجهة نظري تكملة لمشاريع بيئية لم تكتمل، وللإنصاف كان لدينا في الماضي مشاريع فنية تشبه بعضها البعض من خلال ما يعانيه المكون الذي يعيش في تلك البيئة التي عانت الكثير، خاصة بالنسبة للفلاح ومعاناته من تواجد المستعمر العثماني والانتداب الفرنسي، منها مسلسل «الثريا» و«هجرة القلوب الى القلوب» والتي جسدت علاقة الفلاح بالإقطاعي، لكن «الزند» حظي بفريق عمل متكامل بدءا من المخرج سامر برقاوي مرورا بشركة الصباح العملاقة للإنتاج الفني وكبار نجوم الصف الأول، وعلينا أن نكمل هذا الطريق للوصول بأعمالنا الفنية السورية للعالمية، وان تحظى أعمالنا الفنية بمشاهدة إخوتنا العرب.
وبسؤاله.. هل كان «الزند» عملا استثماريا أم مغامرة؟، أجاب طحان: لا أعتقد أن صناع المسلسل سيقعون في فخ سلسلة «الهيبة» مرة أخرى، وان كانت لديهم فكرة أخرى بتطوير هذا العمل، لكن القرار أخذ بالاتجاه لعمل آخر والاستمرار، برأيي أن أي عمل يتكرر بأجزاء هو حالة من الاستسهال، وسورية تمتلك الكتاب والمخرجين والفنانين وفي حال توافرت الشركة المنتجة «كشركة الصباح» فلماذا هذا الاستسهال وتقديم نفس القصة بأجزاء أخرى؟!
وأكمل: سبق وان قدمت الدراما السورية أعمالا شبيهة بـ «الزند» مثل فيلم «الفهد» للكاتب حيدر حيدر، وكما قلت مسلسل «الثريا» من تأليف نهاد سيريس وإخراج هيثم حقي، و«هجرة القلوب للقلوب» تأليف الكاتب عبدالغني حجازي وإخراج هيثم حقي، وتناولت هذه الأعمال انتفاضة الفلاح البسيط في وجه الباشا والإقطاعي لنيل حريته وحقوقه المغتصبة، والشركة عندما اختارت الفنان تيم حسن اختارته لأنه نجم مميز له جمهوره الواسع عربيا، ويمتلك مهارات كفنان ميزته عن الكثير من الفنانين السوريين والعرب، بالإضافة الى إمكانات الشركة المالية الضخمة واختيارها مخرجا يحسب له ألف حساب، والعمل أخذ حقه من حيث الوقت فقد استمر التصوير ثمانية أشهر، وعلينا ألا ننسى الإكسسوارات والديكورات، بالإضافة الى النجاح بتحقيق شارات العمل الأولى والثانية.
وعن الدراما الخليجية للموسم الرمضاني الفائت وكيف يراها ككاتب ومخرج، أوضح: تحتل الدراما الخليجية مكانة خاصة بين الدرامات العربية، بدأنا نشاهد في السنوات الاخيرة تطورا ملحوظا فيها على صعيد النص والصورة والاداء التمثيلي، خاصة الدراما الكويتية التي تمتلك رصيدا مهما من الأعمال الدرامية القديمة الباقية في ذاكرة المشاهد العربي الخليجي مثل «درب الزلق» و«الى أبي وأمي مع التحية» وغيرهما، ولعل أهم ما يميز الدراما الكويتية هو امتلاكها للعنصر البشري الفني المؤهل سواء الممثلين النجوم أو الكتاب أو المخرجين، الى جانب امتلاكها خصوصية مميزة هي قدرتها على محاكاة المجتمعات الخليجية كلها وكأنها لسان حالها، وبذات الوقت هي ليست بغريبة عن بقية المجتمعات العربية، وبإمكان أي مشاهد عربي أن يلمس قرب مواضيعها منه وتفهمه للهجة التي تقدم مع القصص التي تحملها، وفي الموسم الرمضاني شاهدنا عملين كويتيين مهمين وحظيا بمتابعة جماهيرية واسعة هما «مجاريح» و«كذبة ابريل».
واضاف: «مجاريح» قدم قصة اجتماعية مؤثرة ومشوقة تشد المشاهد لمتابعة الاحداث المتلاحقة، وصولا إلى النهاية التي لم تكن متوقعة، حيث امتلك العمل كل مقومات النجاح من القصة والسيناريو الذين كتبهما الكاتب جمال سالم والاخراج الرشيق والذكي لعيسى ذياب، واختيار أماكن تصوير مناسبة وذات جمالية خاصة، عدا عن الاداء التمثيلي العالي للفنانين المشاركين وعلى رأسهم الفنانة القديرة سعاد عبد الله.
وأردف: كما قدم «كذبة أبريل» قصة اجتماعية مليئة بالأحداث المشوقة التي تمسك بالمشاهد من الحلقة الاولى بقصة من تأليف عبدالرحمن أشكناني وبإخراج مميز لحسين الحليبي وأداء تمثيلي محكم من كل الممثلين المشاركين وعلى راسهم الفنان جاسم النبهان والفنانة النجمة زهرة عرفات مع تميز في كل نواحي العمل من ديكور وإضاءة ومونتاج وموسيقى، ولعل ابرز ما يميز الدراما الكويتية انها تعالج قضايا اجتماعية من الواقع دون ان تقع في فخ النمطية، محاولة في كل عمل أن تقدم الجديد على صعيد السرد الحكائي والصورة المبهرة، يساعدها في ذلك إمكانات إنتاجية سخية وممثلين أكفاء الى جانب توافر نصوص جيدة وإدارة إخراجية متمكنة، وبما أن السوق الأساسي للأعمال الدرامية العربية ككل هو منطقة الخليج ستبقى الدراما الخليجية ذات خصوصية لدى المشاهد الخليجي والعربي عموما، وسنشهد تطورا متصاعدا لها في كل المناحي الفنية مستقبلا، فهي تسير بخطوات مدروسة ومخطط لها بعناية، وان جاءت بطيئة نوعا ما بما يخص الدخول الى أنماط درامية أخرى بعيدا عن النمط الاجتماعي، ما يطلب القليل من الجرأة لاقتحام ميادين جديدة ودخول المنافسة بشكل اقوى في الأعمال الدرامية الكوميدية والتراثية والتاريخية والاكشن وغيرها، وهذا ما أتوقع مشاهدته قريبا.
وختم المخرج والكاتب سمير طحان حديثه لـ «الأنباء»، قائلا: نأمل عودة شركات الإنتاج العربية الى سورية من اجل نهضة دراماتنا المحلية التي تحاكي ذوق المشاهد السوري والعربي، وفتح صفحة جديدة ونأمل أن يكون العمل السوري محببا للمشاهد العربي من المحيط الى الخليج.