لم تكن القمة العربية في جدة برئاسة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية صاحـب السـمو الملكـي الأمـيـر محمد بن سلمان آل سعود قمة نمطية كما هو المعتاد في القمم التي سبقتها، بل إنها كانت ذات طابع جديد يتمثل في معالجة الأمراض السياسية والعسكرية في الوطن العربي ومن ثم توحيد الصف العربي والإسلامي من أجل مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية والبدء في برامج التنمية والازدهار وتحقيق برنامج الأمن الغذائي، وقد تأكد لدى الجميع أن السلام مرتبط بالازدهار والحرب بجميع درجاتها مرتبطة بالخلافات ومن هنا يبدأ العلاج، فلا يمكن أن يكون هناك تجانس بين الحرب والازدهار إلا بالوصول إلى الحالة الصفرية للمشاكل السياسية والعسكرية.
أما مسألة لم الشمل فلم تعد في مرحلة غير مهمة، بل تقدمت حتى وصلت إلى مرحلة غاية بالأهمية، ولعل ذلك يعود إلى وصول العالم إلى مرحلة الأقطاب المتعددة، وهذا يعني استبدال النمط السياسي القديم في الوطن العربي بنمط «الجيل السياسي الخامس»، إن جاز التعبير، والذي من خلاله تصبح السياسة العالمية عبارة عن رقعة شطرنج جديدة ولن يفوز بها إلا الأذكياء الذين يعرفون أن العالم من حولهم قد بدأ بالتغير، ولابد أن يتغيروا من أجل فهمه ومواكبته، أو أن يتعرضوا للمزيد من الخسائر وانتشار حالة عدم الاستقرار بالوطن العربي والإسلامي، التي يسعى إلى تحقيقها فرناند لويس ومؤسسة راند.
وعليه، فإنه ليس بالغريب من خلال هذه القمة وما سبقها من اتفاقات سياسية مع إيران والصين، أن نرى الأعداء أصبحوا أصدقاء والأصدقاء أصبحوا أعداء.
ولابد للقادة العرب أن تكون سياساتهم موحدة ومتجانسة مع النمط الجديد للسياسة الدولية، وأن يتحدوا بمواقفهم السياسية لكي يكونوا قوة مؤثرة في النظام السياسي العالمي الجديد، والذي لا يتعامل إلا مع القوى السياسية المتحدة، وهذه القوى سيكون لها لاحقا دور بارز في قرارات السياسة الدولية.
ولعل حضور الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي خير دليل على الاحترام الدولي للعرب وأنهم قد أصبح لهم دور فاعل في التدخل بالقضايا السياسية الدولية، وهذا الأمر سينعكس إيجابا على حماية الأمن الداخلي من التدخلات الخارجية المعتادة.
وبالوقت نفسه يتجه العرب نحو الاهتمام بالتنمية والتطور ورفع دخل المواطن العربي وتقوية الجناح السياسي الدولي العربي من خلال برامج التنمية المستدامة، ولعل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات خير دليل على ذلك وأمثلة يمكن الاقتداء بهم لتطوير الدول العربية الأخرى، وعندئذ سيعود العرب المغتربون والمشتتون في جميع أنحاء العالم إلى دولهم المزدهرة وسيسهمون بعلومهم ومهاراتهم وخبراتهم بالمشاركة في بناء أوطانهم والعيش بسلام.