بيروت - عمر حبنجر
ما حصل في «القرنة السوداء»، أعلى قمم جبال لبنان على الاطلاق، من إطلاق نار ومقتل شابين من آل طوق في بشري، أربك الجو العام في لبنان، في ظل الفراغ الرئاسي، والتخبط السياسي واستجداء الحلول من الخارج. وأقلق فرقاء المعارضة اللبنانية المتوحدة في مواجهة مرشح الممانعين سليمان فرنجية، لأن الحدث يعكس رغبة في شق صف المعارضة، عبر تفجير صراع دموي بين اهالي بلدة بشري، معقل «حزب القوات اللبنانية»، وأهالي بلدة «بقاعصفرين» - السنة، على خلفية خلاف قديم على الحدود الجغرافية لأراضي البلدتين في منطقة «القرنة السوداء» التي تستقطب الرعيان.
وأشارت التقارير الاولية إلى أن هيثم طوق سقط برصاص قناص عن بعد، ولاحقا سقط مالك طوق برصاصة خلال موجة إطلاق نار، وذهبت الانظار توا، الى المشكلة القديمة والدائمة بين أهالي بشري وبقاعصفرين التي هي مصيف آل كرامي، حول حدود كل من المنطقتين في منطقة «القرنة السوداء» المشتركة بينهما، وبعض «المتزمتين» في بقاعصفرين، واتجهت الظنون الى جهات ذات مصلحة في ضرب وحدة موقف المعارضة من الاستحقاق الرئاسي، لكن القيادات السياسية سرعان ما استدركت الأمر، وأجرى مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان من السعودية، اتصالا بنائب طرابلس فيصل كرامي صاحب التأثير في بقاعصفرين، وحثه على استخدام لغة العقل وتحكيم الوجدان الوطني خصوصا ان هناك طابورا خامسا يسعى الى تسعير الفتنة.
وقد أعرب كرامي عن شكره للمفتي دريان على حكمته، وفي مطالبته بتحقيق العدالة التي نسعى اليها جميعا.
بدوره، رئيس المجلس النيابي نبيه بري اتصل بكرامي للغاية نفسها، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصل بقائد الجيش العماد جوزاف عون لتطويق الحادث.
في المقابل، اتصل نائب طرابلس أشرف ريفي برئيس «حزب القوات اللبنانية» د.سمير جعجع، معتبرا ان هذه الجريمة مشبوهة، مبديا خشيته من فتنة مدبرة في هذه المنطقة، وتوافق الرجلان بأن الأولوية لتحقيق العدالة.
وكذلك تلقى جعجع اتصالات من كل من: مفتي لبنان والنائبين فؤاد مخزومي وعبدالعزيز الصمد اللذين ابديا استنكارهما الشديد وأسفهما لسقوط الضحايا في بشري.
وقال البطريرك الماروني بشارة الراعي إن «حادثة القرنة السوداء آلمتنا ونعول على الجيش لضبط الأمن لصالح الجميع كما على أهالي بشري ضبط النفس».
وأضاف، في عظة الأحد، من المقر الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان التي تبعد كيلومترات قليلة من بشري: «لبنان عانى الكثير من الذين تسلموا الحكم منذ 30 سنة فأنهكوا الدولة وسرقوا اموالها، فهم لا يريدون رأسا للدولة ليكونوا رؤوسا لها ولا يخجلون لا من ذواتهم ولا من الوسطاء الدوليين».
وتلقت النائبة ستريدا طوق جعجع اتصالا من رئيس الحكومة ميقاتي، اكد خلاله انه سيتابع شخصيا مسار التحقيقات للتوصل الى توقيف المجرمين وسوقهم الى العدالة.
ونددت جعجع بالجريمة وطالبت باعتقال المجرمين وسوقهم الى العدالة، مناشدة اهالي مدينتها بشري التحلي بالهدوء والصبر بانتظار تجلي الحقيقة.
اما نائب بشري ملحم طوق فقد استنكر الجريمة التي نفذتها «جماعة تتمادى منذ سنوات باستباحة ارضنا ومحاولة استدراجنا الى قتال داخلي لا نريده مع اهلنا في بلدة بقاعصفرين»، داعيا اهالي بشري والجبة الى ضبط النفس وعدم الانزلاق الى صف الفتنة.
بدوره، رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية دعا أهالي بشري للتحلي بالحكمة.
وأشارت تقارير اعلامية الى اطلاق النار على طوافات الجيش التي انطلقت الى تلك المنطقة مما اضطر الجيش الى الرد على مصادر النيران، ما ادى الى مقتل مالك وإصابة منصور سكر بجروح.
وصدر عن قيادة الجيش بيان اشار الى تعرض أحد المواطنين لإطلاق النار في منطق «القرنة السوداء» ما ادى الى مقتله، كما قتل لاحقا مواطن آخر في المنطقة عينها وأوقف الجيش خمسة اشخاص من بشري كانوا يحاولون الوصول الى القرنة السوداء.
وذكرت قيادة الجيش أنها حذرت، في بيان سابق منتصف الشهر الماضي، من الاقتراب من منطقة التدريب العسكرية في «القرنة السوداء»، وشددت التأكيد على عدم الاقتراب من هذه المنطقة تحت طائلة المسؤولية والحفاظ على سلامتهم.
وفي معلومات «الأنباء» ان اصل الخلاف بين البلدتين سعي بقاعصفرين إلى إقامة بركة مياه تتغذى من ثلوج الشتاء في «تلة سمارة» لري المزروعات واعتراض بلدية بشري بداعي ان هذه التلة تابعة عقاريا لها، الأمر الذي تنكره بلدية بقاعصفرين، وقد عجز القضاء عن حل هذه المشكلة منذ زمن بعيد.
وأعلنت بلدية بقاعصفرين استنكارها للحادث، ودعت وسائل الاعلام الى عدم زج اسم منطقة الضنية عموما وبقاعصفرين خصوصا، بما حدث في «القرنة السوداء» لأن لذلك تداعيات خطيرة، واتصل النائب فيصل كرامي بقائد الجيش منوها بحكمته في تعامله مع الحادث.
رئاسيا، العين على عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت في النصف الثاني من يوليو الحالي، محملا بحصيلة محادثاته مع القيادة الفرنسية ومع ممثلي اللجنة الخماسية وإيران.
والانطباع في بيروت ان الانشغالات الفرنسية الداخلية، في هذا الوقت، تقلل من حجم الرهان على عودة لودريان في الموعد المحدد، كما ان استعصاء الموقف الداخلي في لبنان يشكل عاملا اضافيا على امتصاص التفاؤل بإمكانية عثوره على مخرج من النفق الرئاسي الذي تحدث عنه البطريرك الماروني بشارة الراعي من القبيات في عكار.
على ان الموفد الفرنسي الخبير في فكفكة العقد السياسية، يتجه اكثر الى التواصل مع الدول ذات التأثير في اللعبة اللبنانية الداخلية، وتحديدا مع اللجنه الخماسية التي تضم الى فرنسا كلا من: الولايات المتحدة الاميركية، المملكة العربية السعودية، مصر وقطر مع اضافة ايران.